مالك الحافظ|| في خطوة تصعيدية جديدة خارج المسار العسكري، تسعى روسيا للتأكيد على دورها "المؤثر" في سياق عملية الحل في سوريا، فبعد الرسالة شديدة اللهجة التي وجهتها واشنطن عبر تفعيل أولى عقوبات "قانون قيصر"، ويبدو أن موسكو تُحضّر لسلسلة من الإجراءات ضمن الأروقة الدبلوماسية ابتدأتها بالإعلان عن انسحابها من ترتيب طوعي تقوده الأمم المتحدة لحماية المستشفيات وقوافل المساعدات الإنسانية في سوريا من الاستهداف العسكري.
ونقلت وكالة "رويترز" عن السفير الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قوله: "لا نرى الانسحاب تهديدا لعمال الإغاثة على الأرض إذا كانت المعلومات المقدمة دقيقة وجديرة بالثقة". كما اتهم نيبينزيا "جماعات معارضة عديدة وإرهابيين عبر وكلاء لهم" بإساءة استغلال عملية خفض التصعيد لأغراض إنسانية، موضحا أن روسيا تعتقد أنه يتوجب على الأمم المتحدة أن تقدم معلومات ذات صلة للنظام السوري بهذا الخصوص.
و لفت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن "الانسحاب الروسي تم يوم الثلاثاء الفائت حيث أبلغ الاتحاد الروسي الأمم المتحدة بأنه لم يعد مشاركا في نظام الإبلاغ الإنساني". وجاء في المذكرة أن جميع أطراف الصراع، سواء شاركوا في الترتيب الطوعي لخفض التصعيد أو لم يشاركوا، فهم لا يزالون ملزمين بالقانون الإنساني الدولي، حيث أكدت المنظمة أنها لا تزال تبحث الأمر مع روسيا.
و حول ذلك كان قد اعتبر فريق "منسقو استجابة سوريا" يوم أمس، بأن الانسحاب الروسي من الآلية الإنسانية الأممية في سوريا، هو "مقدمة جديدة وتمهيد لجرائم حرب في شمال غرب سوريا، و أن صمت المجتمع الدولي حول الانسحاب الأخير هو دعوة مفتوحة لقوات النظام وروسيا للاستمرار في تحدي قواعد القانون الدولي والتصرف فوق القانون واقتراف المزيد من الجرائم بحق المدنيين".
مشاكسة روسية بسبب "قيصر"؟
الأكاديمي والباحث السياسي، المتخصص في الشؤون الروسية، د.محمود الحمزة، اعتبر خلال حديث لـ "روزنة" أن الروس دائماً ما "يلعبون الأدوار الازدواجية في الأمم المتحدة، يصرحون بشيء ويفعلون شيء وطبعا هدفهم الأساسي حماية النظام السوري ومشاكسة الدول الغربية".
و رأى بأن الخطوة الروسية المتمثلة بالانسحاب من "الآلية الإنسانية" لا تهدف إشعال معركة في إدلب، بقدر ما تكون ردة فعل على تنفيذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أولى عقوبات "قانون قيصر"، مردفاً بالقول " الروس يريدون التأكيد على سياستهم عبر خطوتهم الأخيرة، وهذا ليس بموقف جديد منهم".
اقرأ أيضاً: بوتين على خطى الأسد… الرئاسة إلى الأبد؟
وأشار في سياق مواز إلى أن "الروس الآن في مأزق حقيقي لا يعرفون الخروج منه، فبعد انتهاء العمليات العسكرية جاءت فترة إعادة الإعمار ومرحلة البناء والسلم… هم لا يعرفون الخروج من هذه الورطة فكل التحديات أمامهم غير قابلة للحل؛ إلا إذا وافقوا وتنازلوا على إجراء تغيير سياسي في سوريا".
من جانبه قال المحلل السياسي الروسي، ديميتري بريجع، خلال حديث لـ "روزنة" أن القيادة الروسية لا تريد أن تعترف بالأخطاء التي وقعوا فيها في سوريا، لذلك يحاولون جاهدا عدم الاعتراف بأي أمر يكون بخلاف الاستراتيجية الخاصة بهم.
وتابع بأنه "من المحتمل أن تتغير استراتيجية روسيا بعد التعديلات الدستورية (التي ينوي تمريرها الرئيس بوتين) في الأيام القادمة… التصعيد الروسي في إدلب محتمل بعد التعديلات الدستورية في روسيا و تقوية مكانة بوتين في روسيا، و الحرب في سوريا لها علاقة مباشرة بالتغييرات السياسية في روسيا، وإذا ما وجد بوتين دعماً شعبياً؛ فإنه من المحتمل أن يغيّر من استراتيجياته".
بازار سياسي "مرتقب" في مجلس الأمن
في سياق آخر ذي صلة، لن يعتبر الانسحاب الروسي من "الآلية الإنسانية لتجنب النزاع في سوريا" رسالة موسكو الوحيدة صوب واشنطن خلال الفترة الحالية والتي تحمل معها عدة أبعاد. وعلى مايبدو أن روسيا ترى بأن الولايات المتحدة تريد فرض رؤيتها/نفوذها "قسراً" عليها وعلى الأطراف المتداخلة في الشأن السوري عبر عقوبات "قيصر" الذي ستطال كل من يتعامل مع دمشق وفي مقدمتهم روسيا وإيران، ما يعني "تحجيماً" غير مسبوق للروس في سوريا على امتداد السنوات الماضية وبالأخص بعد تدخلها العسكري في أيلول 2015.
هذا ومن المنتظر أن يُصوّت مجلس الأمن الدولي خلال الأيام القليلة المقبلة على تجديد قرار المجلس "2504" المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، بعدما كان قد تعرض التصويت على هذا القرار في بداية العام الجاري إلى مخاض عسير، بعد أن قوبلت نسخته الأولى بـ "فيتو" روسي يهدف إلى إعادة توجيه قيادة العمليات الإنسانية إلى دمشق، ولم يتم التوافق سوى على مسودة معدلة لمشروع تقتصر على معبري باب السلام وباب الهوى في شمال غربي سوريا.
قد يهمك: بوتين في سوريا: كش أسد !
كما أنها خفضت ولاية القرار إلى 6 أشهر بدلاً من 12 شهراً تنتهي في 10 حزيران الجاري 2020، كما أن مجلس الأمن قد رفض أيضاً تعديلاً شفهياً مقترحاً من قبل البعثة الروسية لتضمين قرار الجمعية العامة 46 - 182 ضمن ديباجة القرار، حيث كانت تتضمن الرغبة الروسية بالإشارة إلى القرار 24 - 182 إشارة إلى أن كافة الأعمال الإغاثية والإنسانية للأمم المتحدة يجب أن تتم مع احترام سيادة الدول ذات الشرعية الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي تعتبر روسيا أن قرار المساعدات عبر الحدود قد تجاوزه، ذلك عبر إيصال المساعدات الإنسانية دون أن يشترط موافقة السلطات السورية على المساعدات؛ بل يكتفي بـ إخطارها بدخول تلك المساعدات.
وعلى ما يبدو وفق ما سبق بأن الجانب الروسي سيكون مستعداً لعرقلة تجديد القرار آنف الذكر كما فعل المرة السابقة ما أدى إلى تخفيض مدة سريان القرار لستة أشهر فقط، وذلك سعياً منه في التأكيد على حضور استراتيجيته في الملف السوري؛ رغم ما اتخذته واشنطن عبر تفعيل "قانون قيصر".
الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، محمود الحمزة، أشار حول ذلك إلى أن "روسيا دائماً تنتقد المساعدات الإنسانية وتطالب أن تكون عن طريق النظام وكانت تتهم أن المساعدات الإنسانية تُسيّس وتستخدم لأغراض أخرى… هي حجج من أجل تكون المساعدات عن طريق النظام".
وختم بالقول "روسيا تريد أن تحصر كل المساعدات بجهة واحدة هي النظام، التصويت السابق في مجلس الأمن تمخض عنه إغلاق المعابر على الحدود العراقية بطلب روسي وموافقة أميركية وأبقوا فقط المعابر عن طريق تركيا، لكن المعابر عن طريق العراق كانت ضرورية لأنه كانت تمر منها مساعدات إنسانية للمناطق الشرقية التي تحوي ملايين النازحين".
وكانت مندوبة الولايات المتحدة، اتهمت يوم الخميس الفائت، كل من روسيا والصين بـ"تقويض" جهود مجلس الأمن الدولي الرامية لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري.
وقالت كرافت، إن "روسيا والصين قوضتا جهود مجلس الأمن في كانون الأول 2019، وكانون الثاني من هذا العام، لتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين".
ودعت كرافت، أعضاء مجلس الأمن إلى "إصلاح الخلل في تموز المقبل، من خلال تجديد القرار 2504 وزيادة عدد المعابر الإنسانية لضمان حصول العائلات السورية على الغذاء الكافي والأدوية والإمدادات الأخرى".
والأربعاء، طالب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مجلس الأمن الدولي، بتمديد تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين عبر تركيا لمدة عام إضافي.
الكلمات المفتاحية