حريم قصر الأسد… القوة الاقتصادية الناعمة

حريم قصر الأسد… القوة الاقتصادية الناعمة
سياسي | 15 مايو 2020

منذ تسلّم بشار الأسد السلطة في سوريا، عاش القصر الجمهوري صراعات حول السلطة بين نساء العائلة الصغيرة للأسد الثلاث (أنيسة، بشرى، أسماء)، فمن انتصر؟.


اختفت أنيسة بوفاتها و كذلك بشرى بعد مقتل زوجها آصف شوكت من الساحة، و أصبحت أسماء في صدارة المشهد بسوريا.

وعلى خطى أنيسة مخلوف، تبدو أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد ماضية في إحكام سيطرتها على الغرفة المالية في الدائرة الضيقة للنظام السوري. 

و طالت الأخرس اتهامات بالتحكم في المشهد الاقتصادي بعد شفائها من سرطان الثدي الذي أصابها منذ سنوات وأدى لغيابها في فترة سابقة،منذ عودتها بحضور بارز في صيف العام الفائت حينما بدأت حملة الملاحقة للأصول المالية لرامي مخلوف (ابن خال زوجها)، والتي تمثلت بدايةً بتحريك الأسد لقرارات إلقاء الحجز الاحتياطي على أموال مخلوف وشركائه، و بدورها وراء إغلاق شركات الصرافة بدمشق المحسوبة على مخلوف (نهاية العام الماضي)، قبل أن تبدأ الجولة الأخيرة من تصفية نفوذ خصم الأخرس بمطالبته دفع مئات المليارات بحجة تهربه من الضرائب. 

تستغل أسماء الأخرس ما وسِمت به منذ زواجها بالأسد، على أنها غربية الهوى وهي التي عاشت عقدين من حياتها في بريطانيا، وعادت لبرز مؤخراً في المرحلة التي تسبق فترة إعادة الإعمار، حيث يتسق موقف الأوروبيين مع واشنطن على ضرورة مغادرة إيران لسوريا إلى جانب إجراءات أخرى ستكون كفيلة بالإيذان لمباشرة إعادة الإعمار. 

قد يهمك: احتدام الصراع بين رامي مخلوف وأسماء الأسد 

تشكّلت نقمة كبيرة لدى أسماء الأخرس وتيارها الاقتصادي بعد تماشي عاطف النداف (وزير التجارة الداخلية المقال؛ الأسبوع الفائت) مع الحملة التي ساقها رامي مخلوف ضد زوجة ابن عمته فيما عرف بأزمة "البطاقة الذكية" حينما أعلن النداف عن نقل مشروع البطاقة الذكية من عهدة شركة  "تكامل" لتصبح شركة الاتصالات وشركة المحروقات الحكوميتان هما المسؤولتين عنها.

و تتبع شركة "تكامل" بشكل غير مباشر إلى أسماء الأخرس، في حين يقوم شقيقها فراس بإدارة أمور الشركة بينما تم إيلاء مهمة رئاسة مجلس الإدارة إلى ابن خالتهم (مهند الدباغ). 
 


وكان رامي مخلوف وراء إبعاد شركة "تكامل" عن تنظيم استخدام ما يعرف بـ "البطاقة الذكية"، بخاصة بعدما تعرض الأخير خلال الشهور الماضية إلى صفعات قوية أدت إلى تهميش نفوذه الاقتصادي بشكل واضح. وقد استطاع مخلوف من الترويج لتسريبات إعلامية كشفت عن المستفيدين من أرباح "البطاقة الذكية"؛ مستغلاً بذلك حالة من السخط الشعبي على الآلية السيئة المتبعة في توزيع الخبز من قبل حكومة النظام، حيث قررت الأخيرة منح هذا الامتياز إلى شركة "تكامل" التي تستحوذ فيها أسماء الأسد على حصة كبيرة، بحسب ما أفادت به مصادر خاصة لـ "روزنة".

وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك المُقال، قد أعلن منتصف الشهر الفائت بأن شركة "تكامل" لم تعد المسؤولة عن تنظيم استخدام "البطاقة الذكية"، مشيراً إلى أن المسؤولية التنظيمية باتت بيد شركة "محروقات"، فيما ستكون وزارة الاتصالات المسؤولة الفنية عن تشغيل البطاقة.

اقرأ أيضاً: الليرة السورية تئّن تحت لكمات رامي مخلوف و أسماء الأسد... ما هو المصير؟

ويرأس مجلس إدارة شركة "تكامل" ابن خالة أسماء الأسد، مهند الدباغ (وهو أيضاً المدير التنفيذي للشركة)، ويملك حصة 30 بالمئة من أسهم الشركة، إضافة إلى حصة أخرى يملكها اسمياً فراس الأخرس شقيق زوجة الأسد؛ التي يعود النفوذ الفعلي إليها في الشركة.

وتسيطر شركة "تكامل" عبر مشروع "البطاقة الذكية" على توزيع الخبز والسكر والرز والمحروقات للمواطنين في مناطق سيطرة حكومة دمشق. هذا وتعود البطاقة على الشركة بأرباح طائلة؛ حيث تحصل على قرابة 10 مليون ليرة سورية يومياً عن الخبز المباع عبر البطاقة. 

وتتقاضى "تكامل"، مبلغاً يتراوح بين 5 إلى 25 ليرة سورية؛ عن كل عملية شراء تتم عبر "البطاقة الذكية" بحسب نوع المنتج، ما يعني -وبنسبة تقديرية- احتمالية أن يصل الرقم المحول إلى خزائن الشركة عن كل سنة حوالي 100 مليون دولار.

 أسماء تتشفى بعائلة حماتها؟ 

قد لا نجد من اختلافات كبيرة بين مسار وصول أسماء الأخرس إلى سدة حكم اقتصاد سوريا وبين مسار أنيسة مخلوف (زوجة حافظ الأسد) بعد وفاة والدة زوجها (ناعسة شاليش). فكذلك كان حال زوجة بشار التي تمكنت من التفرد تماماً والتحكم بالغرفة المالية بعد وفاة حماتها (شباط 2016) و قبل ذلك كانت مغادرة ابنتها (بشرى الأسد) إلى الإمارات في أيلول 2012. 

غايا سيرفاديو، وهي كاتبة ومؤرخة، وكانت أمضت وقتاً مع عائلة الأسد في سوريا قبل الثورة السورية بأشهر قليلة، كشفت لوكالة "رويترز" عبر تقرير نشرته الوكالة في نيسان عام 2012، أن عائلة بشار (بشرى وأنيسة) لم تكن تحب أسماء الأخرس "لقد كانت تحت المراقبة باستمرار… كانوا يصرخون في وجهها... كم هو غريب صراحة أن تعامل إمرأة اختيرت لتكون زوجة الرئيس وهو حاكم مطلق بهذه الطريقة… كان الأمر يشبه سلطة من العصور الوسطى أمراء حرب؛ واحد ضد الآخر". 
 

 
لا يخالف تعليق سيرفاديو الواقع السوري في الأيام الحالية، فأسماء التي باتت تتشفى بعائلة حماتها التي لم تحبها يوماً قبل وفاتها، سيؤدي صراعها مع رامي مخلوف إلى تربعها على عرش النفوذ الاقتصادي، مهما كانت التسوية التي سيسعى رامي إلى عقدها. 

تعددت الروايات حول دور أنيسة مخلوف، في إدارة السلطة في سوريا ودورها في الحياة الاقتصادية وتعزيز وجود شقيقها محمد مخلوف وأبناءه منذ استتباب الحكم لزوجها منتصف الثمانينيات، قبل أن تمنح لعائلة أخيها السلطة المطلقة في الاقتصاد بعد تسلم ابنها بشار الحكم في تموز عام 2000. 

اقرأ أيضاً: رئاسة النظام السوري تعلن عن إصابة أسماء الأسد بسرطان الثدي

يصف المطلعون على سيرة حياة أنيسة مخلوف أنها امرأة شديدة الذكاء، إذ إنه بعد زواجه منها كان حافظ الأسد يشاورها في كثير من الأمور، وعند وصول الأسد إلى السلطة بدأ دور أنيسة الفعلي في حياة زوجها، فكانت تجتمع بزوجات أصدقائه الضباط ورجال الطبقة السياسية، حيث كانت تقدّم لزوجها تقييما عن شخصيات هؤلاء السيدات وأزواجهن.

ظلّت أنيسة تشارك زوجها الحكم في الظلّ من خلال الاستشارات التي تقدمها إليه، وعندما كبر الأبناء وعلمت بإصابة زوجها بمرض السرطان، بدأت تولي نجلها باسل الاهتمام الأكبر لتأهيله لتسلّم دفة الحكم، وراحت ترسله إلى فروع المخابرات والاجتماع بالضباط، وطلبت من اللواء محمد ناصيف وبهجت سليمان وغازي كنعان وعبد الحليم خدام تأهيله سياسيا، قبل أن يقتل بحادث سيارة مفتعل.
 
عندما اجتازت حزنها على مقتل باسل، أشارت أنيسة على زوجها بتأهيل ماهر لتوريثه الحكم لأنه الأكفأ لها، سيما وأن بشّار كان يتخصص بطب جراحة العيون في لندن ولا يتمتع بشخصية السياسي البارع، لكن حافظ فضّل بشّار لأنه الأكبر وطلب منه العودة إلى سوريا عام 1994. 

ووفق صحيفة "ديلي بيست" فقد كان هناك نوع من التشكك داخل سوريا من حالة التملق الدولية مع السيدة الأولى التي تعرضت للانتقاد حتى قبل الحرب بأنها منفصلة عن حياة الناس العاديين، وكان واضحا لكل من تجرأ على النظر إلى أن النظام الذي يقوده زوجها صمم لخدمة مجموعة صغيرة من النخبة ولم تكن أسماء والحالة هذه نموذجا بل ومشكلة. وبهذه الطريقة نظرت والدة بشار أنيسة مخلوف للأمر.

نشأت والدة الأسد مع زوجها في مناخ متواضع، حتى عندما استطاع زوجها ضابط الطيران السيطرة على السلطة في سوريا عام 1970. وبعد وفاة حافظ الأسد عام 2000 وصعود بشار إلى السلطة، تحولت أنيسة للقوة الحقيقية وراء السلطة وحاولت منع زوجته اللندنية من الوصول إلى مفاصل السلطة لأنها لم تكن تثق بها أو تحبها في الوقت نفسه. إلا أن أنيسة ماتت عن عمر يناهز الـ86 عاما في 2016، ومنذ ذلك الوقت نظر إلى أسماء، 44 عاما الآن، بالقوة الصاعدة. وبنت قاعدة قوة لها ولعائلتها المباشرة مستقلة عن العائلات العلوية التي ينتمي إليها الأسد.

بشرى في مواجهة زوجة أخيها

بعد سنة واحدة من مقتل باسل قررت بشرى الهروب مع آصف شوكت، وكانت قد اشترت منزلا في المزة فذهبا إليه وتزوجا بدون موافقة والدها، و بعد أيام قليلة فوجئ العريسان بحرس أمام منزلهما، وعندما أرسلهم حافظ الأسد لحمايتهما.
 
 
أخذت شائعات زواجهم بالانتشار، فقرر الأسد وضع حدا للكلام فاستدعاهم إلى القصر وتمت المصالحة والمصارحة والمصاهرة وأنعم عليه الأسد بمباركته، وخلال هذه الفترة، بينما شوكت كان يزيد ألفته مع العائلة، بدأ بمصادقة بشار شقيق بشرى، الذي عاد من لندن مؤخرا لملئ الفراغ الذي حصل بمقتل أخيه. أصبح الرجلان أصدقاء ومع الوقت، بدأ بشار يعتمد بشدة على شوكت بأمور المرافقة والحماية، وبدا حافظ الأسد يثق بصهره وقدراته عندها طلب منه أن يبقى بجانب بشار ويدعمه.

برزت بشرى كداعم قوي إلى جانب والدتها ضد زوجة بشار، حيث منعتها من توسيع نفوذها، ورفضت ظهورها المتكرر في وسائل الإعلام، وتردد عنها منذ أكثر من 10 سنوات رفضها ظهور زوجة أخيها كنجمات السينما.

قد يهمك: أسماء الأسد تضرب عصفورين بـ "إيماتيل"

في جانب متصل لم تكن قد ظهرت مخلوف في أي نشاط علني، منذ وفاة نجلها باسل، لكن في العام 2006، رعت مخلوف، كسيدة أولى"، أول نشاط علني منذ سنوات وهو المؤتمر النسائي العام الذي افتتح في دمشق في مكتبة الأسد، بصفتها راعية للمؤتمر والرئيسة الفخرية للاتحاد النسائي.

لم يكن ليختلف دور بشرى الأسد عن أنيسة مخلوف، لولا أن دور الأولى كان منضوياً تحت جناح والدتها بحكم أنها كانت تعتبر أنها ما تزال السيدة الأولى حتى بعد وفاة حافظ الأسد. 

وبحسب معلومات "روزنة" فإن كل من بشرى الأسد وزوجها آصف شوكت سعوا إلى الحصول على حصة من القرار في الحكم عبر دعم نشاطات مصاحبة لفترة ربيع دمشق (2005)، غير أن مقتل آصف شوكت في الحادثة الشهيرة التي عرفت بتفجير خلية إدارة الأزمة صيف عام 2012، دفعها للابتعاد عن دمشق إلى أجل غير مسمى منذ ذلك الحين وتنتقل للعيش مع أولادها في الإمارات.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق