الاختصاصات الطبية في سوريا.. مستقبل مقلق و واقع مزري!

الاختصاصات الطبية في سوريا.. مستقبل مقلق و واقع مزري!
أخبار | 09 يوليو 2019

يطمح كثير من الطلبة السوريين عند التحاقهم بالمرحلة الجامعية ضمن الفروع الطبية (طب البشري- طب أسنان- صيدلة)؛ إلى ضمان مستقبل يحقق لهم مكانة مرموقة اجتماعياً ودخلاً مادياً جيداً؛ وفق ما هو سائد في سوريا؛ وهي البلد الذي تصنف فيه هذه المهن على أنها الأفضل.
 
و يقضي طلبة الطب البشري في الجامعات السورية  6 سنوات دراسية كحد أدنى للتخرج؛ بينما تنخفض المدة عاما واحدا فقط لتخصصي طب الأسنان والصيدلة؛ إلا أن كل هذه السنوات لم تعد مؤخرا هي العامل الرئيسي من أجل ضمان التخرج.

منذ عام 2012  يُلزم مركز القياس والتقويم في وزارة التعليم العالي بأن يكون الامتحان الوطني الموحد الذي يجريه سنويا شرطاً للتخرج؛ وهو ما زاد ثقلاً على كاهل طلبة هذه الكليات، كما يعتبر الحصول على معدل محدد تشترطه وزارة التعليم العالي سنوياً شرطاً للاختصاص في وزارة التعليم العالي (دراسات عليا).
 
بينما تصدر كل سنة ثلاث مفاضلات لصالح ثلاث وزارات (التعليم العالي؛ الصحة؛ و الدفاع) حيث يتقدم خريجو هذه الكليات إلى المفاضلات بغية الحصول على مقعد من أجل دراسة اختصاص وإكمال دراستهم.

علي سالم (اسم مستعار) طالب متخرج حديثاً من كلية طب الأسنان لم يتقدم لإكمال اختصاص بعد التخرج وهو اليوم يمارس عمله في العيادة التي افتتحها، و حول ذلك يقول لـ "روزنة" أنه تعلم خلال 5 سنوات في كلية طب الأسنان كل ما يلزم ليمارس عمله كطبيب أسنان.

بينما كان لـ أحمد عبدالستار (اسم مستعار) خريج حديث من كلية طب الأسنان، و يختص في مجال جراحة الفم والفكين؛ رأي مخالف تماما عن رأي علي، حيث يعتبر أنه يحتاج الاختصاص كخبرة أكاديمية أكبر تساعده على ممارسة عمله بشكل أفضل؛ وهو ما لن يحصل عليه بدون إكمال الاختصاص.

ويبقى الفارق بين الوزارات الثلاثة التي يتقدم لمفاضلاتها طالب التخصص الطبي؛ ينحصر بين نمط التعليم ونوعية الخبرة المستقاة؛ ففي وزارة التعليم العالي يعتبر طالب الإقامة بقصد الاختصاص طالب دراسات عليا، ويستطيع التقدم لمنح الوزارة التي تعلن عنها.


اقرأ أيضاً: الأخطاء الطبية في سوريا... حالات تتكرر في غياب القانون


 وكان الطالب في الوزارة؛ يعتبر فيما سبق ذي شأن أفضل من مقيمي وزارتي الصحة والدفاع، أما بعد توحيد الشهادات السورية وتوحيد البورد السوري -وهو امتحان يجرى بعد إكمال فترة الاختصاص- فقد تساوت شهادات الاختصاص جميعها من حيث السوية، بعيدا عن خبرة كل طبيب واجتهاده.

وحول ذلك تحدثت ريما فرج (اسم مستعار) و هي طبيبة مقيمة في اختصاص الجلدية، تقول لـ "روزنة": "يتم فرزنا حسب المعدل وهو في كثير من الأوقات غير عادل، فالظروف تختلف؛ ولكن أن يعتبر طلاب وزارة التعليم أفضل من وزارة الصحة فهو شيء ظالم ومجحف، فكلانا نعمل بنفس السوية حتى من يمارس اختصاصه في وزارة الدفاع ليس بأقل شأن؛ ولكن يعتبر اختصاص التعليم العالي أكاديمي أكثر".

وتضيف: "تمت المطالبة سابقاً بوضع حد لهذا الوضع؛ فتمت معادلة الشهادات بحيث تكون كل الشهادات بنفس السوية، ولكن هذا يفرض أن يتم توحيد نظام الاختصاص والإقامة وألا ننحصر في مشفى معين".

أما محمود علي ( اسم مستعار) طالب مقيم في الجراحة العامة بوزارة التعليم العالي؛ يجد أن الاختصاص لصالح وزارة التعليم العالي وإن تطلب معدل أعلى من بقية الوزارات لكنه مازال الأفضل.

و يستدرك بالقول: "لكن مشكلته تكمن في نظام الهرمية في هذه الوزارة، فطالب السنة الأولى لا يحق له العمل وتوكل له مهام روتينية وإدارية ولا يدخل غرفة العمليات إلا قليلاً؛ و يخضغ لمن هو أقدم منه في الاختصاص، وهذا الشيء موجود في كل الأنظمة العالمية، لكن هذا غير موجود في وزارتي الصحة والدفاع فالطالب إن أثبت اجتهاده وبراعته يعمل بسرعة من طالب وزارة التعليم العالي".

في سياق مواز يرى ربيع أحمد (اسم مستعار) وهو طبيب مقيم في مجال التخدير والإنعاش، أن المشكلة تكمن في عدم فهم قيمة كل اختصاص وكمية التعب والجهد الذي يبذلها كل طبيب في اختصاصه.

ويردف: "حتى اليوم ينظر لطبيب التخدير في سوريا نظرة دونية، حتى أجره يكون أقل من غيره رغم أنه اختصاص مهم ويحتاج لمعلومات كبيرة واهتمام ودقة في العمل".

رواتب المقيمين لا تتجاوز 60 دولار!

رغم الوقت الطويل الذي يقضيه طلبة الاختصاص والجهد المضاعف المبذول من قبلهم، فإن الراتب الشهري الذي يحصلون عليه لا يتجاوز الـ ٣٠ ألف ليرة سورية، يدفعون قسماً منه لنقابة الأطباء -اشتراكات شهرية-.
 
ريما فاروق (اسم مستعار)، طبيبة مقيمة في اختصاص طب الأطفال، تقول لـ "روزنة" أن الراتب الذي يتقاضونه معيب بالنسبة لقيمة العمل الذي يقدمونه والجهد الذي يبذلونه، مضيفة: "اضطر لأن أستدين من أهلي كي أستطيع إكمال الشهر".

وتتابع: "كما أنه وبسبب كوني فتاة لم تكمل اختصاصها؛ لا أستطيع كما أقراني الذكور العمل في مشافي خاصة؛ في سبيل تأمين أجر إضافي".

قد يهمك: 3 آلاف عملية تجميل شهرياً في سوريا ولا رقابة على الأطباء!


في الوقت الذي لجأ فيه حيان ياسين (اسم مستعار) وهو طبيب مقيم في مجال التخدير؛ للعمل في شركة أدوية كمندوب علمي ليستطيع تأمين لقمة عيشه، وحول ذلك يوضح بأنه  ورغم  أن العمل كمندوب علمي ليس من مجاله؛ إلا أنه يضطر لذلك من أجل العيش بشكل مقبول.
 
 الاختصاص وسيلة للتهرب من الخدمة الإلزامية!
 
بعد تدني المستوى المعيشي لأصحاب الشهادات الطبية في سوريا؛ فضلا عن خوفهم المستمر من فقدان الاعتراف بالشهادات الطبية السورية، عمد كثير من الأطباء للهجرة إلى دول أوروبا أو حتى الدول المجاورة، حيث يتقدمون لمفاضلة الأطباء المقيمين وبعد حصولهم على مقعد؛ يحصلون على تأجيل من الخدمة الإلزامية سعياً منهم لمغادرة البلاد.

ملهم أحمد (اسم مستعار) طبيب تخرج حديثا من كلية الطب البشري، يقول لـ "روزنة" أنه سيتقدم للاختصاص في وزارة التعليم العالي أو الصحة من أجل أن يحصل على تأجيل مؤقت؛ ريثما يستطيع السفر لمتابعة دراسته خارج سوريا.

وبينت دراسة أصدرها مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد" في كانون الأول الماضي، و التي حملت عنوان: "هجرة الكفاءات والعقول السورية نزيف تنموي مستمر"، أن  من أصل أكثر 900 ألف سوري استقروا في ألمانيا حتى العام 2017، يوجد أكثر من 40 بالمئة منهم؛ من أصحاب المؤهلات العالية، إضافة إلى أعداد أقل اتجهت إلى بقية البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وكندا.

و ذكرت الدراسة، أن القطاع الصحي خسر نسبة كبيرة من كوادره التي كانت أحد أسباب نقص الخدمات الطبية في أثناء الحرب، منوهة بأن التقديرات الصادرة عن النقابات المعنية تشير إلى هجرة نحو ثلث الأطباء، وخمس الصيادلة (أي 33 بالمئة و20 بالمئة على التوالي).

الكلمات المفتاحية
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق