تقارير | 13 12 2023
"الهاتف أصبح عصا المكفوف الحديثة"، هكذا تصف رهام الشابة الثلاثينية الكفيفة، تسهيل التطبيقات على الهواتف المحمولة حياتها في سوريا.
وتحدثت رهام إلينا: "نهاري يبدأ باستخدام تطبيق الموبايل الذي يساعدني على تنسيق قطع الثياب وألوانها، وذلك من خلال تمرير عدسة الكاميرا على مجموعة من القطع، لأقرر ما أردتيه دون الحاجة لسؤال أحد أو الاعتماد على ذوق الآخرين، فالأناقة مطلوبة حتى في عالم بلا ألوان".
وفي ظل غياب الحقوق للأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا بالتعليم والعمل وغيرها، يعتمد عدد منهم على هواتفهم كجسر للوصول في بلاد يصفونها بالمتعبة عليهم وعلى الجميع.
"العمى عندما تنفذ بطارية هاتفي"
تقول رهام إن "العمى الحقيقي" هو عندما تنفذ بطارية هاتفها المحمول، موضحة: "كيف لي معرفة الوقت، أو حالة الطقس والطرق العامة، أو استخدام تطبيقات قياس المسافة بين الأشياء، والأهم تلك التي تترجم النصوص إلى أصوات لتساعدني على إتمام دراستي في كلية الحقوق ومطالعة آخر الأخبار".
وتنص المبادئ العامة لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على "إجراء أو تعزيز البحوث والتطوير للتكنولوجيات الجديدة، وتعزيز توفيرها واستعمالها، بما في ذلك تكنولوجيات المعلومات والاتصال، والوسائل والأجهزة المساعدة على التنقل".
في سوريا، الحديث عن شحن بطارية الهاتف الذي أشارت له رهام ليس أمراً بسيطاً متوفراً، في ظل الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، التي تصل إلى 8 ساعات قطع مقابل ساعة وصل واحدة في العاصمة دمشق، حسب رصدنا.
وعن ذلك، شرحت الشابة: "أحاول ككل السوريين ابتداع طرق للاحتيال على ساعات التقنين، والتكاليف الباهظة التي نتكبدها للحصول على شحن إضافي لأجهزتنا اللوحية".
وتابعت: "حتى لو استغنيت عن الهاتف وقررت الحصول على عصا استشعارية، فإن ثمنها يتجاوز ثمن هاتف جديد، ناهيك عن أنها تؤدي غرضاً واحداً فقط وهو قياس المسافات، مع الحاجة إلى شحن بطاريتها أيضاً".
قرارات حكومية تتجاهل ذوي الإعاقة
أصدرت وزارة الاتصالات السورية مطلع عام 2019 قراراً بتعديل بدلات التصريح الجمركي على كافة الأجهزة المحمولة التي تدخل البلاد، لتضيف بذلك رسوماً جديدة وفق الشريحة التي ينتمي إليها كل جهاز.
ومنذ ذلك الحين عدلت تلك الرسوم عدة مرات لتتسبب في ارتفاع أسعار الهواتف المحمولة إلى أرقام تعتبر"خيالية" قياساً على دخل الفرد الشهري، الذي يصل للموظف بالدوائر الحكومية إلى نحو 300 ألف ليرة سورية (نحو 22 دولار أمريكي).
تقول رشا الشابة العشرينية من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، إن الصم في سوريا هم من الأكثر تضرراً بقرار الرسوم الجمركية للهواتف المحمولة، فمكالمات الفيديو هي الوسيلة الوحيدة التي يتواصلون بها بين بعضهم.
وأشارت الفتاة الحاصلة على الشهادة الثانوية وتنتمي لعائلة من الأشخاص الصم، أن التواصل عبر هاتف محمول حديث، يكلف أموال كثيرة، مؤكدة لنا: "القرار الحكومية لم تأخذ في اعتباراتها احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، رغم أنهم يحملون بطاقة من وزارة الشؤون الاجتماعية لإعفائهم من رسوم عديدة".
هذا الإعفاء لا يشمل رسوم التصريحات الجمركية. وتعلق المحامية والناشطة الحقوقية ملك، على الأمر، بأن المطالبة بإعفاء الأشخاص ذوي الإعاقة من هذه الرسوم "يحتاج إلى عمل نقابي وحملة مجتمع مدني للظفر به، على غرار المرسوم التشريعي رقم 36 لعام 2003 القاضي بإعفاء سيارات المعوقين من الرسوم الجمركية".
وتنص الاتفاقية الأممية لذوي الإعاقة التي انضمت سوريا إليها كطرف في عام 2007، على تعزيز التطوير للسلع والمعدات "والتي يفترض أن تحتاج إلى أدنى حد ممكن من المواءمة وإلى أقل التكاليف لتلبية الاحتياجات للأشخاص ذوي الإعاقة، وتشجيع توفيرها واستعمالها".
وتشير أيضاً إلى تعزيز توفير الدول الأطراف لـ"التكنولوجيات المعينة الملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، مع إيلاء الأولوية للتكنلوجيات المتاحة بأسعار معقولة".
حلول تقنية فرضها الواقع
بطرف اصطناعي وعكازات كان علي اكريم، مدرس اللغة الإنكليزية، التنقل بين منزله وشركته الصغيرة لتعليم اللغات، إذ لم تكن فكرة التعليم عن بعد ممكنة بالنسبة له، حتى أجبرته جائحة كورونا على ذلك.
“كان التنقل مرهق جداً بالنسبة لشخص مبتور الأطراف السفلية، فالمواصلات العامة كانت تشكل لي كابوساً حقيقاً. إلا أن التحول إلى التعليم والعمل الإلكتروني كان فرصة لا تعوض، فهو لا يحتاج سوى إلى جهاز حاسوب وشبكة إنترنت جيدة"، يوضح علي في حديثه معنا.
وقال أن الحاسوب والإنترنت مع تفعيل خدمات غوغل المجانية، أتاح له إتمام عمله وشرح الدروس لطلابه الذين باتوا منتشرين في كل أرجاء العالم.
واجهت علي مشكلة التعامل مع الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، فاضطر إلى توفير بعض المال لشراء نظام طاقة شمسية في منزله.
وأطلقت "اسكوا" الأممية منذ سنوات، المنصّة العربية للإدماج الرقمي، التي تتيح حسب موقعها الإلكتروني، إمكانية الوصول إلى المعلومات عن الإعاقة في المنطقة العربية، بما يشمل البحوث والموارد التي تنشرها الإسكوا وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، ومبادئ توجيهية بشأن تيسير الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
الاختراعات مفيدة.. لكن إن توفرت!
منذ نحو الثلاث سنوات، تعرض سالم (اسم مستعار/40 عاماً) لإصابة في نخاعه الشوكي، ما نتج عنها إعاقة طارئة، فرضت عليه البحث عن معينات حركية ووسائل تضمن له متابعة عمله على كرسي متحرك.
ومن تلك الوسائل، بدأ التفكير بخيار استيراد سيارة سياحية ذات مواصفات خاصة تناسب نوع ودرجة إعاقته، مستفيداً من المرسوم التشريعي الذي يسمح له بذلك.
لكن، الأمر لم يكن بالسهولة التي توقعها سالم، لافتاً: "اكتشفت أن المرسوم متوقف العمل به منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبحاجة لاستثناء من رئاسة الوزراء للمضي قدماً في ذلك، وهو خيار سيضطرني للتعامل مع سماسرة كثر على جميع المستويات".
استغنى الرجل الأربعيني عن فكرة شراء سيارة بمواصفات خاصة، واتجه لتعديل سيارته الحالية لتلاءم وضعه الجديد. وبعد البحث على الإنترنت وسؤال بعض الأصدقاء في ألمانيا وأميركا، تبين له أن هناك جهاز بسيط يمكن تركيبه في السيارة، يساعد الشخص من ذوي الإعاقة الحركية على القيادة بشكل يدوي، دون الحاجة لإحداث تغيرات كبيرة في السيارة.
تشجع الشاب للفكرة بسبب عدم ارتفاع ثمن الجهاز، ولكن مشكلة شحنه إلى سوريا في ظل قانون "قيصر" كان العقبة الأساسية التي واجهته. وقال لنا: "إذا وصل الجهاز بطريقة أو بأخرى فإن رسومه الجمركية ستكون مرتفعة جداً، وحتى أجور المهربين كانت خيالية، وهو ما أوصلني في النهاية إلى التخلي عن فكرة قيادة السيارة أصلاً".
وأكد فايز، مدير أحد مراكز بيع الأجهزة الخاصة ذوي الإعاقة في ريف دمشق، أن العديد من الاختراعات التقنية متوفرة مثل الكراسي المتحركة القادرة على صعود الأدراج أو أجهزة مساعدة المصابين بالشلل على التقاط الأشياء واستعمالها، إلى أن أسعارها لا تزال باهظة "ما يجعلها حلماً للكثيرين"، وفق وصفه.
وسبق أن عقدت في أيار من العام الفائت، فعاليات ورشة عمل حول "إعداد السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية لذوي الإعاقة في سوريا"، التي نظمتها وزارة الاتصالات والتقانة مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "اسكوا"، بهدف تسهيل نفاذ ذوي الإعاقة للمواقع والمنصات والخدمات العامة والتطبيقات الإلكترونية.
ولم تخرج الورشة بقرارات فعلية، فيما عبر مسؤول بـ"اسكوا" عن حماسهم للعمل في سوريا وتطلعهم لتقديم المزيد من الخدمات للسوريين، في إطار تنفيذ مشروع المنصة العربية للإدماج الرقمي وتمكين ذوي الإعاقة، حسب ما نقلت وكالة "سانا".
وفي الوقت الذي تعمل فيه حكومات دول عدة في العالم على الاستفادة من الآثار الإيجابية للذكاء الاصطناعي على حياة ذوي الإعاقة، يحاول الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا، إلى توفير واستعمال التكنولوجيا بشكل يحترم كرامتهم المتأصلة وحقهم في الحياة على قدم المساواة مع الأخرين متمتعين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما نصت الاتفاقية الأممية.