تقارير | 8 12 2023
"تم الرفض. لصعوبة التعامل مع الزبائن"، جواب حصل عليه الشاب الكفيف مالك سليمان، بعد تقدمه للحصول على وظيفة باختصاصه في سوريا، رغم امتلاكه لشهادة جامعية في علم النفس وإتمامه لتدريبات في مجال المبيعات.
تعاني نسبة من الأشخاص من ذوي الإعاقة بمختلف المحافظات السورية، من الرفض والتمييز وصعوبة الوصول لإيجاد وظيفة في سوق العمل، إذ خلصت دراسة لبرنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية (HNAP)، إلى أن ثلث الذكور و14 من الإناث ذوي/ات الإعاقة، ليس لديهم مصدر دخل أو عمل ثابت.
نعرض في التقرير التالي، تجارب شخصية في القطاعين الحكومي والخاص، واقتراحات وتوصيات حول ضرورة كفالة حصولهم على حقهم بالعمل على قدم المساواة مع الآخرين، الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تعتبر سوريا دولة طرف فيها، بعد التوقيع عليها في 2007.
"أحاول إخفاء طرفي الصناعي"
يروي رامي مبارك لنا، تجربته في العمل بالقطاع العام، قائلاً: "أحاول بشكل دائم إخفاء الطرف السفلي الصناعي، وأجبر نفسي على المشي رغم إعاقتي الحركية. كل هذا لأن الكثير من زملائي لا يتقبلوني بينهم".
وأضاف الشاب الحاصل على شهادة من المعهد البيطري: "أغلب المدراء المباشرين لم يكونوا على دراية بالقوانين التي تسمح بمراعاة وضعي الصحي، أو وضع ذوي الإعاقة، من حيث الإجازات المرضية وتقليل عدد ساعات الدوام".
وتشدد الاتفاقية الأممية على "حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظروف عمل عادلة وملائمة، على قدم المساواة مع الآخرين، بما في ذلك تكافؤ الفرص وتقاضي أجر متساو لقاء القيام بعمل متساوي القيمة، وظروف العمل المأمونة والصحية، بما في ذلك الحماية من التحرش، والانتصاف من المظالم".
ويلقي رامي باللوم على الجهات المسؤولة ووسائل الإعلام، لما وصفه بـ"التقصير في التوعية بحقوق واحتياجات الشخص من ذوي الإعاقة في سوق العمل"، مؤكداً أنه حاول المطالبة بحقوقه مرات عديدة، لكنه توقف عن ذلك بسبب تعرضه للكثير من الانتقادات والتنكّر لحقوقه.
وفي تصريح لوكالة "سانا"، كشفت رئيسة دائرة الإعاقة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فاتن السعود، أن 233819 "بطاقة إعاقة" منحت عن طريق التقدم بطلبات لدى مديريات الشؤون الاجتماعية في جميع المحافظات، حيث يحق لحامل البطاقة الحصول على فرصة عمل ضمن نسبة 4 بالمئة وغيرها.
بيئة عمل متعاونة
تختلف تجربة محمد رشيد المصاب بشلل في أطرافه السفلية، عند تقدمه لوظيفه في القطاع غير الحكومي، إذ يتحدث عن معايير توظيف متساوية مع بقية المتقدمين، وخضوعه لكافة الاختبارات التقنية والمقابلات، لينجح لاحقاً بالعمل كمدخل بيانات للعيادات المتنقلة في منظمة الهلال الأحمر السوري.
وشرح لنا: "لم يتم النظر إلى إعاقتي على أنها عامل أساسي لقبولي أو رفضي في العمل، كما لم يكن هناك أي تخوف من توظيفي داخل المؤسسة (...) كذلك، لم أواجه أي صعوبة في التعامل مع الإدارة أو الموظفين، وذلك عكس ما واجهته في العمل بالوظائف الحكومية، التي لم تعتمد معايير توظيف دقيقة".
وأشار محمد إلى أن الكثير من الوظائف التي تقدم للأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا، لا تتعلق بمهاراتهم، إنما تكون في وظائف لا تتطلب الحركة، مثل عامل في المقسم والأرشيف أو ضارب على آلة كاتبة، متناسين كل المؤهلات العلمية والخبرات التي يتمتع بها المتقدم لطلب الوظيفة، وفق وصفه.
شح بالقوانين.. وحجج غير مقنعة
رغم ارتفاع نسب الإعاقة في سوريا، التي قدرتها الأمم المتحدة بنحو ثلث الشعب، أي ضعف المعدل العالمي، لا يزال قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004، يسمح للجهات العامة توظيف ذوي الإعاقة المؤهلين بنسبة لا تتجاوز 4 بالمئة فقط.
وحول ذلك اعتبر المحامي رامي الخيّر في تصريح لمعد التقرير، أن القوانين التي تنظّم التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة شحيحة وتحتاج إلى تعديل، مشيراً إلى وجود إمكانيات كبيرة يمكن استثمارها واستيعابها في ميدان العمل.
وأشار "الخيّر" إلى أن الادعاء بعدم توفر الإمكانيات لاستيعاب ذوي الإعاقة "هي حجج غير مقنعة"، إذ يوجد الكثير من المراكز التي يمكن استغلالها لتوظيف أصحاب الإعاقات.
واستطاعت 11% فقط من الأسر التي لدى أحد أفرادها إعاقة، الوصول إلى الاكتفاء والأمان المالي، حسب دراسة "HNAP".
"لا تمييز.. ولكن!"
حدثنا مدير إحدى شركات حجوزات تذاكر الطيران في دمشق (فضّل عدم ذكر اسمه)، أنه لا يجد أي مشكلة في تشغيل بعض ذوي الإعاقة الحركية، طالما كان الشخص مؤهلاً فعلاً للعمل.
ويرى أن مهام الشركة ليست ميدانية ولا تحتاج لامتلاك مهارات بدنية كبيرة، بل يكفي أن يكون الشخص قادراً على العمل على الحاسب والتعامل بلباقة مع المواطنين، منوّها إلى عدم وجود أي تمييز بين الموظفين، ومنها الأجور التي يتقاضونها.
بالمقابل، لا يخفي المديرعدم إمكانية شركته توظيف أشخاص من ذوي الإعاقة السمعية أو البصرية، معتبراً أنهم سيواجهون صعوبات في التعامل والتواصل مع الزبائن، وفق الشروط التي تطلبها المهنة، وفق تعبيره.
وينص القانون 34 الذي يحمل اسم "قانون المعوقين"، الذي أقره مجلس الشعب في سوريا سنة 2004، على "استفادة صاحب العمل في القطاع الخاص ممن يُشغل معوقين زيادة على النسبة المحددة لتشغيل المعوقين في القوانين والأنظمة النافذة من حسم على ضريبة الدخل"، وفق اشتراطات موضحة في النص.
"لا وظائف لذوي الإعاقة!"
تنص اتفاقية الأمم المتحدة للأشخاص ذوي الإعاقة على "حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة، ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل، واستمرار العمل، والتقدم الوظيفي، وظروف العمل الآمنة والصحية".
لا يراعي مصطفى.ز هذا البند عند التوظيف في شركته لخدمات الإنترنت بدمشق، قائلاً: "ضغط العمل يتطلب انتقاء موظفين قادرين على الالتزام التام بالعمل دون أي تقصير، وهذا لا أستطيع ضمانه مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين قد تفرض ظروفهم عليهم الغياب أو المتابعة الطبية في وقت الدوام".
و اعتبر صاحب الشركة أن توظيف ذوي الإعاقة يتعاكس مع رغبة صاحب العمل في زيادة الإرادات والنهوض باسم الشركة، مشيراً إلى عدم تقدم أشخاص من ذوي الإعاقة لطلب توظيف في شركته.
وتعترف اتفاقية الأمم المتحدة "بأن التمييز ضد أي شخص على أساس الإعاقة يمثل انتهاكا للكرامة والقيمة المتأصلة للفرد"، مشددة على "مكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة (...) وتعزيز الوعي بقدرات وإسهامات الأشخاص ذوي الإعاقة".
الحل في التأهيل
أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور زكوان قريط، في تصريح لمعد التقرير، ضرورة إجراء دورات تدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، لبدء مشاريعهم الخاصة، من قبل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عبر وضع خطة ضمن برامجها لاستقطابهم بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
وأكد "قريط" على ضرورة دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع وسوق العمل والإيمان بأنهم شريحة فاعلة ومنتجة، مشيراً إلى ضرورة إجراء إحصائية دقيقة عن أعدادهم وتوجهاتهم العملية، بالتعاون بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والتنمية الإدارية.
ويرى الاقتصادي السوري، أن رفع نسبة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام إلى 10 بالمئة، تعتبر نسبة مقبولة.
بالوقت ذاته، فمن وجهة نظر "قريط": "لا يمكن تعميم النسبة على القطاع الخاص، فهناك صعوبة بإلزامهم بتوظيف ذوي الإعاقة، خاصة مع تقليص عام للعمالة في المؤسسات، في ظل الوضع الاقتصادي الحالي وفترة الانكماش والركود التي يضطر فيها صاحب العمل إلى لتخفيف النفقات".
على الرغم من أن واقع العمل قد يشكل صدمة سلبية للكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة ، إلا أن البعض اعتبروه نقطة انطلاقة. حيث قرر مالك بعد تجربته السيئة مع الشركات أن يؤسس فريق معني بتدريب المكفوفين وضعاف البصر على العمل عبر الإنترنت، انطلاقاً من فكرة أنهم لا يملكون القدرة على تغيير رغبات وأفكار أصحاب العمل.
ولفت الشاب إلى أن فريقهم أجرى تدريبات لنحو 100 شخص على مهارات العمل الحر، كالمونتاج والبرمجة والتعليق الصوتي وصناعة المحتوى، معتبراً أن "الوجود خلف الشاشات ليس خيارهم الأفضل وإنما هو الخيار المتاح بالنسبة لهم، والذي يمكنهم من المنافسة في سوق العمل بعد تحييد عامل الإعاقة"، على حد تعبيره.