تقارير | 7 06 2023

الأسبوع الفائت استيقظ أهالي العاصمة دمشق على حادثة أثارت استغرابهم، بعدما تحوّل لون مياه نهر بردى إلى اللون الأحمر.
وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً للنهر، متسائلين عن سبب تغيّر لونه، منهم من وضع فرضيات كأن يكون تلّون بالدماء، أو بالصباغ، بعد عدم اقتناعهم بتفسير محافظة دمشق، التي أرجعت السبب إلى الأمطار وتغير لون التربة.
لهذا السبب وضعت روزنة عدة فرضيات مع إجاباتها لتوضيح فيما إذا كان لون النهر قد تغيّر بسبب الأمطار أم لسبب آخر، في سبيل الوصول لأقرب إجابة منطقية.
كيف فسّرت محافظة دمشق؟
مدير الصيانة في محافظة دمشق، نضال الحافظ، قال لموقع "أثر برس" المحلي، "إن اللون الأحمر الذي ظهر في نهر بردى هو نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت فكل شيء من تراب وطين تحول إلى مجرى النهر".
هذا التفسير لم يتقبله كثير من السوريين المعلقين في الإنترنت، البعض رد قائلاً: "أعطونا تفسير علمي ومنطقي وبدون تأليف"، فيما تساءل آخرون: "معقول لون التراب صار لون دم؟".
فادي شباط، ناشط إعلامي، افترض أن سبب تغير لون النهر جراء اشتباكات قريبة.
ونشر في فايسبوك: "اندلعت اشتباكات عنيفة في بلدة مضايا بريف دمشق الغربي قبل أيام قليلة بعد تطويق البلدة بشكل كامل من قبل فرع الأمن العسكري وفرع أمن الدولة بنظام الأسد، اليوم يظهر لون نهر بردى بالأحمر مع صدور روائح كريحة".
ورجّح كثيرون أن يكون اللون جراء ارتكاب مجزرة بحق المدنيين، وسط نفي وتشكيك بهذه الرواية من آخرين.
بداية.. هل الصور حقيقية؟
استطاعت روزنة الوصول إلى صاحب الصور الأصلية، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، مؤكداً أنّه من صوّر نهر بردى، حيث كان ذاهباً إلى عمله، وأثناء مروره بجانب النهر لفته اللون الأحمر.
وأضاف أنه وجد أتربة بكميات كبيرة في النهر، وهو ما يتناسب مع كلام محافظ دمشق بأنّ اللون الأحمر بفعل ترسّب الأتربة المنجرفة بفعل الأمطار الغزيرة.
وأرسل لروزنة أيضاً صوراً يقول إنه التقطها بوقت لاحق، تظهر ارتفاع منسوب الأتربة لكن بقي لون المياه بني عكر، وبعيد عن تدرجات اللون الأحمر الظاهر بالصور الأولى.
وللتأكد فيما إذا كانت الصور مزّيفة أم لا، تأكدت روزنة أيضاً عبر تطبيق "fotoforensics.com" الذي يتيح تحليل الصور ومعرفة فيما إذا كانت معدلة أم، وظهر معنا أن الصور ليست معدلة.
هل الصورة لتربة حمراء؟
المهندس الزراعي، أحمد حمود، قال لروزنة، إنه لا يمكن للفيضانات أو الأمطار أن تلوّن النهر باللون الأحمر، "الأمطار لا تؤدي إلى تغيير لون مياه نهر بردى بتلك الدرجة التي تظهر بها الصور"، مستبعداً أن يكون انجراف التربة ما تسبّب بتغيير لون النهر.
وتابع: "من الواضح أن احمرار لون النهر آني، وليس بفعل التربة وبخاصة تربة نهر بردى، التي ليست بحمراء".
وأضاف: "حتى التربة الحمراء لا تحوّل لون النهر إلى هذه الدرجة من الاحمرار، وإنما تحوله إلى مياه كدرة مائلة للاحمرار".
كذلك استشرنا مهندس مدني، استشاري تحليل تربة، فضّل عدم ذكر اسمه، والذي استبعد أيضاً أن تكون التربة قد لوّنت النهر بهذا اللون.
وتحتوي سوريا على العديد من أنواع الأتربة، وتختلف باختلاف البقعة الجغرافية، وفي دمشق والجنوب السوري تنتشر التربة "الكلسية النموذجية" بحسب دراسة لموقع "المعرفة الجغرافية".
تلك التربة تنتشر، وفق الموقع، في القسم الجنوبي والأوسط من البادية وفي مناطق متفرقة حول نهري الفرات و الخابور، وفي منخفضات القلمون وأجزاء من حوضه دمشق، ويكون لونها أصفر مائل للبني، وهو ما يذهب إليه الخبير الزراعي، الذي نفى أن تكون تربة دمشق حمراء.
هل اللون جاء من معامل الدباغة؟
المهندس حمود، رجّح أن يكون لون المياه الأحمر لنهر بردى بسبب أصباغ كيماوية، أو رمي أسلحة معينة.
وأضاف: "إن كان السبب بفعل الأمطار والسيول، يتغيّر لون النهر إلى القرميدي أو للسمار من نفس لون التربة، لافتاً إلى أن تربة دمشق ليست بحمراء".
كما رجح بشكل كبير ألا يكون سبب احمرار النهر هي "الدماء"، قائلاً: "غالباً هناك معمل كيماويات أو أصباغ أقمشة، ويتم تصريف الناتج على ساقية النهر، ولأكثر من معمل".
كذلك رجّح المهندس المدني استشاري التربة بنسبة كبيرة فرضية أنّ لون النهر الأحمر في الغالب يعود إلى أصباغ كيميائية ناتجة عن مصانع تصب في مجرى النهر.
وعند سؤالنا للمصور، عن وجود أي معامل أو مسالخ، أكد وجود معامل دباغة في المنطقة قرب النهر، دون الرد على الموقع الذي التقط به الصور بشكل تفصيلي.
وبحسب تقرير لجريدة "قاسيون" التابع لـ"حزب الإرادة الشعبية" ذكر أنه مع تزايد عدد السكان وإقامة المنشآت الصناعية والحرفية بجوار بردى، أخذت الحياة تتناقص والنفايات تتزايد حتى تحول مجرى بردى وفروعه إلى مجارٍ لتصريف المياه الآسنة التي تحمل معها خليطاً عجيباً من الملوثات.
ومن أخطر الملوثات، حسب التقرير، مادة الكروم التي تفرزها معامل الدباغة التي يبلغ تعدادها حوالي 240 منشأة متواجدة بين التجمعات السكانية وعلى ضفاف الأنهار تستنزف مياهاً نظيفة من حوض دمشق لتضاعف نسب التلوث في مياه الأنهار التي تعتبر المصدر الرئيسي لري المزروعات.
هل الصورة لدماء؟
شكك ناشطون سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي أن سبب احمرار لون النهر قد يكون وراءه مجزرة مرتكبة.
الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري في دمشق هي: إدارة المخابرات العامة والأمن العسكري والمخابرات الجوية، وأقربها لنهر بردى، بحسب ما بحثت روزنة "فرع الأمن السياسي" الذي يبعد عن النهر حوالي 18 كيلو متراً.
الأخصائي الزراعي حمود استبعد في حديثه مع روزنة أن يكون لون النهر بسبب الدماء، مرجّحاً مرة ثانية أن يكون بسبب أصباغ كيميائية أو أسلحة مرمية، وهذا ما يتفق معه المهندس المدني استشاري التربة الذي استبعد أن يكون لون النهر بسبب الدماء.
وفي عام 2012 نقلت صحيفة "تشرين" الحكومية عن فريق العمل الكيميائي، الذي يدرس الوضع البيئي لنهر بردى والتلوث الحاصل له، إنّ "مجرى باب السلام مملوء بمخلفات المسالخ ومحال لبيع الخرفان، حيث يتم ذبحها وإلقاء أحشائها في مجرى النهر والروائح كريهة جداً لا يطيق المرء تحملها مع وجود مخلفات لمناشر الرخام والحشرات تملأ المكان عدا ارتفاع نسبة الكروم وذلك نتيجة مخلفات الدباغة".
وفي كانون الثاني عام 2013 تفاجأ أهالي منطقة بستان القصر في مدينة حلب بمشهد صادم، حيث شاهدوا عشرات الجثث وهي تطفو على ضفتي نهر "قويق" الذي يمر بالمنطقة، وتم انتشال أكثر من مئتي جثة، أعدموا ميدانياً بإطلاق الرصاص عليهم، بحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".
بحسب الصور والفيديوهات المنتشرة، لم يتغير لون النهر آنذاك.
وتبقى الفرضيات الواردة أعلاه غير مؤكدة، وإن كانت الشخصيات التي تواصلت معها روزنة ترجّح فرضية الدباغة، دون إمكانية التأكد من ذلك لعدم القدرة على الوصول إلى المنطقة، ولا التجاوب من شهود عيان بالمنطقة.
أمثلة حول العالم
وسبق أن تلون نهر البيرو في منطقة الأمازون باللون الأحمر، وتوصل علماء البيئة في أمريكا الجنوبية إلى استنتاج مفاده أن ظاهرة النهر الأحمر كانت بسبب تآكل التربة.
وفي 2016 تفاجأ الروس بتحول لون نهر سيبيريا إلى اللون الأحمر، وذكرت ناشيونال جيوغرافيك نظريتين لاحمرار لونه، الأول، هو أن اللون الأحمر يأتي من كمية الحديد الكبيرة التي توجد بشكل طبيعي في الأرض في تلك المنطقة والثاني، تسرب كيماوي.
وقالت وزارة الموارد الطبيعية والبيئة الروسية إنه"وفقًا لمعلوماتهم قد يكون السبب المحتمل لتلوث النهر هو انقطاع خط الأنابيب التابع لمصنع محلي".
تعمل روزنة على تقديم المعلومات بدقة، إضافة لتدقيق الحقائق والمعلومات المضللة والشائعات، بهدف منع انتشار الأخبار الكاذبة بكافة أشكالها.
ولتوسيع قدراتكم في التحقّق من المعلومات الكاذبة والمضلّلة ندعوكم لزيارة منصة "المستفسر الرقمي" التدريبية، عبر الضغط على هذا الرابط.
للاستماع إلى الحلقة ضمن فقرة "fake news " على هوا راديو روزنة: