تقارير | 1 06 2023

"نحن لسنا بخير".. تحت حر الشمس الحارقة، ونيران غلاء الإيجارات في مدينة بورتسودان السودانية يعاني عشرات السوريين منذ شهر ونصف إلى اليوم، والبعض الآخر محاصر في منزله بالعاصمة الخرطوم، بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
خيارات هؤلاء محدودة والأمل بالخروج من السودان ضعيف، في ظل عدم تعاون السفارة السورية معهم وتسهيل أمورهم، وغياب رحلات الإجلاء، وفق قولهم، بعكس ما يروّج له النظام السوري حول وجود تسهيلات تساعدهم على المغادرة.
لا رحلات يومية.. نتعرّض للاستغلال!
عاد 6 آلاف شخص من السودان إلى سوريا خلال شهر ونصف، بحسب ما ذكر مصدر دبلوماسي لصحيفة "الوطن" المحلية، اليوم الخميس، حيث وصلت آخر دفعة أمس الأربعاء، عبر طائرة تضم 170 مواطناً.
المصدر الدبلوماسي أكد للصحيفة، أنّ "هناك رحلات يومية من بورتسودان إلى مطار دمشق الدولي، حيث تضم كل رحلة قرابة 170 شخصاً، آخرها أمس الأربعاء".
سوريون نفوا ما جاء على لسان الدبلوماسي، موضحين لروزنة: "لا رحلات يومية، وحتى الرحلات المجدولة تتغير مواعيدها بين الحين والآخر".
وأكد ماهر، في بورتسودان، أنّ "الرحلات تتأجل مواعيدها باستمرار، فيما الأسعار مختلفة، هناك من يحجز بـ 800 دولار وهناك من يحجز بـ 600 أو 700 (...) استغلال كبير للأزمة الحاصلة، ونحن الضحية".
لا تسهيلات.. كل شيء بالواسطة!
قال المصدر الدبلوماسي لـ"الوطن" إن "معظم أعضاء السفارة السورية في الخرطوم موجودون حالياً في بورتسودان ويقومون بتقديم جميع التسهيلات لمن يود المغادرة، عبر تسهيل معاملاتهم مع الجهات السودانية المختصة".
ما بين ألفين وثلاثة آلاف سوري ينتظرون في مدينة بورتسودان، بحسب مصدر الصحيفة.
يعلّق نهاد:" الحجز والحصول على مقاعد معظمه بالواسطات، حتى السوري المقتدرمادياً على دفع ثمن التذاكر، لا يستطيع ذلك".
يصف نهاد لروزنة حاله مع العالقين في بورتسودان: "نعيش وضعاً مأساوياً، لا نملك ثمن تذاكر طيران للعودة، إذ تبلغ ثمن التذاكر في حدها الأدنى 350 دولاراً، فيما هناك من حجز بـ 700 دولار، مع أن الرحلات يجب أن تكون مجانية بتسهيل من حكومة النظام".
نهاد، شاب سوري ينتظر قبل نحو شهر في بورتسودان، لا يرى أملاً بالخروج، ويتمنى أن تنتهي الحرب لعيود مع خطيبته وعائلتها إلى الخرطوم.
اقرأ أيضاً: الإدارة الذاتية لـ"روزنة": أجلينا سوريين من السودان مجاناً
لا خدمات.. نباتُ في الأزقة!
"هناك تنسيق وتعاون تام بين السلطات المحلية في بورتسودان والسفارة السورية، حيث تقوم السلطات في بورتسودان بتقديم متطلبات السوريين من مكان الإقامة وتأمين المواد الغذائية والرعاية الطبية"، يقول المصدر الدبلوماسي.
لكن صور السوريين الجالسين تحت السماء التي حصلت عليها روزنة من بورتسودان، تختلف كثيراً عمّا صرح به المصدر.
وحول ذلك، ينفي نهاد: "هناك شباب يجلسون تحت الشمس في الأزقة، لا يملكون ثمن إيجارات أو حتى تذاكر طيران، كذلك العديد من العائلات مع الأطفال والنساء وكبار السن (…) أعرف اثنين من كبار السن توفيا بسبب البقاء بلا عناية في الشارع بمدينة بورتسودان".
أما ماهر فيشتكي من الأماكن التي يقيمون بها: "حتى الغرف التي ربما قليلاً نستطيع دفع ثمن إيجارها، نجد فيها الحشرات وقلة النظافة، تثير اشمئزازنا، لكن إما الشارع أو نرضى بها".
"كل الجاليات استطاعوا السفر خارج السودان، ما عدا الجالية السورية واليمنية، والقليل من الجالية الإفريقية، حتى الأمم المتحدة لم تحرّك ساكناً"، يقول نهاد باستياء.

يبحث الشاب السوري عن مكان يقيم به حالياً "ثمن استئجار غرفة في فندق بسريرين فقط تبلغ 200 دولار في اليوم، أما المنازل فتصل إلى 1500 دولار شهرياً، الأسعار فوق تحملنا".
وبحسب المصدر إن شركة "أجنحة الشام" قدّمت رحلتين مجانيتين لنقل السوريين إلى دمشق، وأنها تتعاون مع الحالات الخاصة التي تقوم السفارة بإبلاغها عنهم، ممن لا يملك ثمن تذكرة العودة، أو المرضى والمحتاجين ممن تقطعت بهم السبل.
في الرابع من أيار الفائت بدأت شركة "أجنحة الشام" الإعلان عن رحلات مدفوعة تبدأ من 450 دولار أمريكي وأكثر، سبقها رحلتي إجلاء مجانيتين، معظمها "واسطات"، في ظل وضع اقتصادي وأمني متردي يعاني منه السوريون الهاربون من الحرب السودانية، بحسب ما أكد سوريون لـ"روزنة".
"جهنم الخرطوم ولا نار بورتسودان!"
العديد من العائلات السورية قرّرت البقاء في منزلها تحت نيران القصف، معظمهم في الخرطوم، عوضاَ عن الانتظار في شوارع بورتسودان والتشرّد هناك، وأمل شبه معدوم في السفر.
أبو محمد، سوري مقيم وعائلته في الخرطوم، لم يخرج حتى الآن إلى أي مكان، بعدما رأى ما حصل مع الكثير من السوريين في بورتسودان.
رفع أسعار التذاكر والاستغلال الحاصل مع السوريين الراغبين بالعودة إلى سوريا من قبل السماسرة، منع أبو محمد من مغادرة منزله: "البقاء هنا أفضل من الذل خارجاً وسط مصير مجهول، بعض من أعرفهم ينتظرون منذ شهر في بورتسودان ولا يستطيعون المغادرة".
وفي رسالة هاتفية من العاصمة السودانية، يشرح لروزنة عن حاله: "لا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب ولا مستشفيات أو أدوية هنا، ويرافقها غلاء أسعار".
ويضيف: "هناك من اضطر للخروج إلى بورتسودان لعدم امتلاكه أي أموال للبقاء والاستمرار بالحياة، كما أن هناك أشخاصاً لم يستطيعوا الخروج لعدم امتلاكهم ثمن الطريق، إذ يبلغ ثمن المقعد للوصول براً إلى بورتسودان بين 250 و300 دولار".
قد يهمك: سوريون لروزنة: إثيوبيا وجهتنا الجديدة هرباً من الحرب السودانية
ما يقلق أبو محمد حالياً ويجعله في توتر دائم، وضع زوجته الحامل في الشهر الثامن، مع عدم توفر المستشفيات والأدوية: "أفكر في إحضار طبيبة إلى المنزل حين الولادة (…) أرجو أن تلد بخير وسلامة".
القائم بالأعمال في سفارة النظام السوري لدى الخرطوم بشر الشعار، قال في تصريح سابق عبر إذاعة "شام إف إم" المحلية إن الرحلات الجوية التي بدأت بها شركة أجنحة الشام لإجلاء السوريين من السودان، سيردفها رحلات جديدة عن طريق شركة الطيران الوطنية "السورية للطيران" بمعدل 3 رحلات أسبوعياً، وهو ما لم يحدث.
ووفق القائم بالأعمال، فإن الجالية السورية في السودان "تبلغ نحو 30 ألف شخص".
ويستمر الصراع في السودان بعد العديد من الهدن المخترقة من طرفي النزاع، حيث حذّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، اليوم الخميس، من أن الولايات المتحدة قد تتخذ إجراءات بحق قائدَي الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بعد انهيار هدنة رعتها الولايات المتحدة مؤخراً.