شرق المتوسط وشمالي أفريقيا تحت تهديد مخاطر مناخية غير مسبوقة

شرق المتوسط وشمالي أفريقيا تحت تهديد مخاطر مناخية غير مسبوقة

تقارير | 25 11 2022

محمود أبو راس - عبد الباسط أحمد

انتهت منذ أيام أعمال القمة السابعة والعشرين للمناخ، التي استضافتها مدينة شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، وتأتي استضافة مصر لهذه الدورة كونها من كبرى دول القارة الأفريقية، وأكبر الدول العربية من ناحية تعداد السكان، إضافة لحملها رسائل تحذير دولية لدول المنطقة، كونها تقبع في منطقة جغرافية تهددها تغيرات المناخ بكوارث خطيرة، ما لم تتم المعالجة بالسرعة القصوى.


وركز المؤتمر في دورته الحالية على آليات التمويل وزيادة التنسيق والتعاون لتخفيض استخدام الوقود الأحفوري.

 يأتي المؤتمر بعد مخاطر متزايدة، تنذر بعدم العودة لما قبل عصر الثروة الصناعية على مستوى العالم، ويتزامن مع أزمة اقتصادية عالمية تالية لأزمة كورونا، ورياح صراعات سياسية وعسكرية عاتية تهب من ناحية روسيا وأوكرانيا، مؤثرة على غالبية دول العالم، وعلى رأسها دول شمالي أفريقيا والشرق الأوسط.


متوسط درجات الحرارة

بدأ تغير المناخ البطيء يضرب منطقة شمالي أفريقيا والشرق الأوسط بين عامي 1960 و 1990، وارتفعت متوسطات درجات الحرارة بمقدار 0.2 درجة مئوية لكل عقد، ومنذ ذلك التاريخ أخذ المعدل بالتسارع، في منطقة متعددة المناخات مع ميل للجفاف كسمة عامة.

تتوقع أرقام ونماذج رياضية أنه بحلول 2050 سترتفع درجات الحرارة على سطح الكرة الأرضية بين 2-4 درجات مئوية وفق سيناريوهات متفائلة، في حين أن السيناريوهات الأكثر تشاؤماً تنبئ بارتفاع يصل لـ4 درجات مئوية.

في المقابل سيكون تأثر منطقة شمالي أفريقيا والشرق المتوسط أكثر شدة، ومن المتوقع أن يرتفع المتوسط في المنطقة بين 3-4 درجات وفق السيناريوهات المتفائلة، وحوالي 7- 8 درجات مئوية وفي السيناريو الأكثر تشاؤماً. 

ومن المتوقع أن تزداد شدة ووتيرة موجات الحرّ، وستتموضع جغرافياً الموجات الأشد سخونة في المناطق الصحراوية كالجزائر والمملكة العربية السعودية والعراق، ما يجعلها خط مواجهة ساخن على جبهة ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومع حلول 2050 من المتوقع أن يزداد متوسط درجات الحرارة ليلاً ليصل 2050 ليصل لأكثر من 30 درجة مئوية، و لـ 34 درجة بحلول 2100.

في حين أن درجات الحرارة القصوى ستصل المعدلات لـ 43 درجة مئوية في المتوسط اليومي في عام 2050 وفق السيناريوهات المتفائلة، و لـ 47 درجة في عام 2050 ولـ 50 درجة في عام 2100 وفقاً لسيناريوهات متشائمة.

ومن ناحية عدد الأيام فمن المتوقع أن تزداد وتيرة هذه الموجات الحارة في 2050 لتتراوح بين 80-120 يوماً، وإلى 200 يوماً وفق سيناريوهات أكثر تشاؤماً.


الأمطار 

تعتمد توقعات هطول الأمطار على نماذج حاسوبية ورياضية معقدة، ووفقاً لسيناريو درجتين مئويتين، فإن البلدان المتاخمة لساحل البحر الأبيض المتوسط الجنوبي ستشهد انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الهطول المطري، في حين أن ساحل المحيط الهندي، الواقع تحت تأثير الرياح الموسمية، سيخضع لأمطار أكثر غزارة، ومن المتوقع أن المنطقة الواقعة شمال خط العرض 25، ستعيش في ظل انخفاض عام في الهطولات المطرية، إضافة لزيادة في معدلات تبخر المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما سيزيد من تصحر المنطقة، في حين أن المنطقة الواقعة جنوبي خط العرض 25 ستكون أكثر رطوبة، كما أن المنطقة الواقعة على جانبي خط العرض 25 ستكون عرضة لظواهر جوية متطرفة، ستزيد من مخاطر الفيضانات والجفاف، الذي أصبح جلياً في منطقة شرق المتوسط منذ عام 1998.


مصادر المياه

نتيجة ارتفاع متوسط درجات الحرارة، سيصبح الوصول إلى مصادر المياه أكثر صعوبة، وسيرتفع معدل التوتر المائي لسكان المنطقة، والتي تضم 11 دولة من أصل 17 دولة أكثر تضرراً من ناحية الإجهاد المائي المؤثر على كائناته الحية، إضافة لذلك فإن 90 % من الأطفال في هذا الجزء من العالم تعاني من إجهاد مائي مرتفع إلى مرتفع للغاية، ما سيؤثر على نموهم ومستقبلهم.

وسيعزز تغير المناخ من حالة ندرة المياه التي تعاني منها المنطقة في الأصل، إلى جانب تأثير النمو السكاني المتزايد، والافتقار للبنية التحتية، إضافة للاستخدام الجائر لمياه المنطقة كمصدر للري والزراعة والذي يصل لحوالي 80 % من استهلاك المياه، مقارنة مع 70 بالمئة على مستوى العالم.


مستوى سطح البحر

من المتوقع أن يتسبب ذوبان الجليد، والتمدد الحراري للمحيطات بارتفاع مستوى سطح البحر عالمياً بحوالي 85 سم، مع هامش زيادة أو نقصان يقدر بحوالي 25 سم في عام 2100.

تطل دول المنطقة على المحيطين الهندي والأطلسي وعلى بحار الأبيض المتوسط والأحمر والعرب، ما يجعل ارتفاع مستوى مياهها يشكل تهديداً كبيراً على سكان المدن المطلة عليها، ومن المتوقع أن تكون مدن رئيسة كالإسكندرية والبصرة تحت الخطر الشديد، في المقابل من المتوقع أن ينخفض مستوى بحر قزوين بمعدل 9 أمتار، كما انسحاب مياه البحر للشريط الساحلي، ما يهدد حياة الملايين من البشر والذين يعتمدون على الزراعة الساحلية كمصدر أساسي للرزق في دول كمصر وتونس الجزائر.


 الأمن الغذائي 

لا تؤثر اضطرابات المناخ على معدل درجات الحرارة وموارد المياه فقط، بل سيكون لها تأثير حجر الدومينو، الذي سيهدد بزعزعة استقرار المجتمعات اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، في منطقة تعاني الكثير من دولها من حالة عدم استقرار وصراعات متعددة الأشكال، ما يجعل مسألة الأمن الغذائي تحت خطر شديد، يعززها اعتماد الكثير من دولها على واردات خارجية، من ناحية المنتجات الغذائية وعلى رأسها الحبوب.

ورغم أن سكان المنطقة يشكلون ما يقارب 4 % من سكان العالم، فإن حكوماتهم تشتري ثلث منتجات الحبوب من دول خارج حدودها، وكما أن فقدان المساحات المزروعة نتيجة تغيرات المناخ سوف يفاقم الوضع غير المستقر أساساً، فعلى سبيل المثال فقدت دول المنطقة في السنوات الثمانية الأولى من القرن العشرين حوالي 20 % من إنتاجها الزراعي، كما أن حالة الصراع المسلح وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في بلدان كسوريا واليمن ولبنان، ستؤدي لكوارث أشد وطأة، الأمر الذي سيفرض واقعاً جديداً سيجعل ما يزيد عن 55 مليون من سكان دول المنطقة تحت تهديد سوء التغذية، الذي يضرب اليمن منذ سنوات.


التنوع الحيوي

ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة سيكون لهما تأثير آخر على التنوع الحيوي، وسيؤدي إلى حالة عدم توازن في دورات حياة الكائنات الحية، على سبيل المثال ستزداد أعداد أنواع من القوارض والحشرات كالفئران والصراصير، نتيجة تكيفها السريع مع الشروط المناخية الجديدة، ما سيزيد من إمكانية انتشار الأمراض توسع نطاقها، وتحميل السكان والحكومات أعباء إضافية.


مسؤوليات مشتركة غير متساوية

تجمع الدراسات العلمية والتقارير المتتالية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على أن ارتفاع متوسط درجات حرارة الغلاف الجوي تعود لازدياد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما يسبب ارتفاعاً في درجات الحرارة وتغيرات في المناخ.

وأصبح سكان الكرة الأرضية يلمسون بشكل يومي تداعيات تغير المناخ بنسب متفاوتة، وتبدو أشدها في المناطق القطبية، التي تأتي على شكل تسارع كبير في ذوبان الجبال الجليدية، في المقابل ترزح دول شمالي أفريقيا والشرق الأوسط وصولاً إلى دول الخليج، تحت تهديدات اضطرابات شديدة في المستقبل القريب، وفق عدة دراسات دولية.

تبلغ حصة دول شمالي أفريقيا والشرق الأوسط قرابة 7 بالمئة من الانبعاثات العالمية، أي قرابة 2.5 من أصل 34 مليون كيلو طن من ثاني أوكسيد الكربون في عام 2019، قبل بداية جائحة كورونا.

وتتفاوت مسؤولية هذه الدول عن الانبعاثات، فإيران مسؤولة عن 630 مليون كيلو طن، والتي تعتبر من أكبر ستة دولة باعثة للكربون على مستوى العالم لجوار الصين وروسيا وأمريكا والهند، في المقابل انبعث في اليمن عام 2019 ما يقارب 11 ألف كيلو طن.

وتعتبر النسبة 7% المنبعثة من دول المنطقة صغيرة بالمقارنة مع الدول الكبرى المصدرة لغازات الاحتباس الحراري، عند النظر بشكل إجمالي إلى نسبة الانبعاثات.

لكن أرقاماً أخرى تبدو أكثر واقعية وأكثر تشاؤماً عندما يتم حساب نصيب الفرد من كمية الانبعاثات، فالفرد القاطن في دول الخليج، من بين أكبر 10 باعثين لثاني أكسيد الكربون لكل شخص في العالم.

كما أن هناك فارق كبير وحالة عدم مساواة بين مسؤولية الأفراد عن انبعاثات غازات الدفيئة، فنصيب الفرد اليمني تبلغ قرابة 0.4 طن سنوياً بالمقابل 32 طن للفرد القطري، كما يزيد متوسط حصة الفرد في المنطقة والبالغة قرابة 5.6 طن عن المتوسط العالمي والبالغة قرابة 4.5 طن للفرد، أي بزيادة تقدر بحوالي 20% عن المعدل العالمي. 

ترتبط البصمة الكربونية وكمية انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بعلاقة طردية مع حجم الثروة، ففي اليمن يبلغ الناتج المحلي السنوي للفرد قرابة 690 دولار للفرد، في حين يرتفع إلى 60 ألفاً في قطر، أي ما يعادل 90 ضعفاً، في حين حصة الفرد في المنطقة قرابة 7700 دولار سنوياً.

كما أن لتسارع التنمية الحضرية علاقة طردية أخرى تزيد الانبعاثات فيها، فقطاع البناء يحتل في منطقة الشرق الأوسط 15 % من حركة القطاع العالمي، كما أن نمط الحياة في المدن يؤدي لتزايد استهلاك الكهرباء بشكل أكبر، نتيجة الإفراط في استخدام أجهزة تكييف الهواء، التي تؤدي لزيادة غازات كالهيدروفلوروكربون الضارة والمؤذية لطبقة الأوزون.

من ناحية أخرى فإن عمليات إحراق الوقود الأحفوري المرافقة لعمليات استخراج النفط، تشكل عاملاً إضافياً يؤدي لزيادة الانبعاثات، ولا سيما أن المنطقة تحتوي على 65% من احتياطات النفط العالمي، وتضم 7 دول من أصل 13 المكونة لمنظمة الدول الأكبر المصدرة للنفط "أوبك"، ما يجعل هذا القطاع عقبة يتعين التغلب عليها وإيجاد حلولأ أكثر ملائمة للنجاح في التحول الطاقوي والبيئي. 


الفقر وعدم المساواة بين الجنسين

يعتبر سكان المنطقة الأكثر عرضة لتغير المناخ، أولئك الذين لا يملكون الموارد المالية، ويعيشون في ظل أنظمة سياسية واقتصادية غير مستقرة، ما سيقلل من قدرتهم على الصمود والمقاومة.

كما أن عدم المساواة بين الجنسين في ملكية الأراضي الزراعية والتوظيف وفرص العمل خارج المناطق الزراعية، وتفاوتت معدلات الدخل سوف تزيد من تعقيدات الوضع، فعلى سبيل المثال تمثل النساء 30% من العمالة في المنطقة، ما سيجعلها تتحمل أعباءً إضافية للاستمرار في الحياة الكريمة، خصوصاً في المجتمعات التي يقع على عاتقها القيام بأعمال مجهدة، كجمع الحطب للطهو والسير لمسافات طويلة للحصول على مياه الشرب.

كما أن هذا الواقع سيؤدي لانسحاب المزيد من الفتيات من دائرة التعليم للمساهمة في المساعدة بتأمين الاحتياجات المتزايدة، إضافة لزيادة معدلات العنف ضدّ المرأة نتيجة تعقيدات شروط الحياة مستقبلاً.


الهجرة

قبل موجات الربيع العربي التي اجتاحت عدداً من دول المنطقة، تشير تقديرات أن هناك 40 مليون مهاجر، ومع شح الموارد التي تهدد المنطقة ستجعل النازحين واللاجئين لدول الجوار، كالسوريين واليمنيين في خطر أكبر، إلى جانب لاجئي المناخ الجدد، ما سيدفعهم للهجرة مجدداً ولعدة مرات سالكين طرقاً أكثر صعوبة وخطورة. 


الحلول

رغم الخطط الواعدة التي بدأت بعض دول المنطقة كدول الخليج والمغرب ومصر برسمها على الصعيد الوطني، فإن الخطر يهدد الجميع بشكل غير مسبوق، ويشمل جميع المناحي، والحلول الفردية الوطنية لن تؤدي لحلول مثلى، ما يتطلب تنسيقاً أكبر على صعيد الإقليم لتعزيز التكيف والمقاومة.

كما أن المنطقة بحاجة إلى مشاركة الأفراد في هذه السياسات عن طريق إطلاق حوارات مجتمعية جادة، يشترك فيها جميع أفراد المجتمع من مؤسسات حكومية وخاصة ومجتمع مدني وأحزاب.

كما يشكل إنهاء الصراعات السياسية والمسلحة التي تعاني منها بعض الدول ضرورة قصوى، تهدد في المستقبل القريب بتدمير قدرتها على مجابهة نتائج تغير المناخ.

إضافة إلى كل ذلك من الضروري إيجاد صيغ حوكمة عالية وحريات عامة وسياسية ومحاربة للفساد بشكل جدي، كل تلك الجهود جهود ستصب في صالح رسم مستقبل أفضل لدول المنطقة. 

 
*مؤيد الشيخ حسن - مهندس في الطاقات المتجددة والهندسة الحرارية والبيئة والتلوث وفي تغير المناخ

 
المراجع

http://mdgfund.org/fr/program/changementclimatiquegestiondesrisquesen%C3%A9gypte

https://www.ipcc.ch/languages-2/francais/

https://www.undp.org/arab-states/events/middle-east-and-north-africa-climate-week-2022?gclid=CjwKCAiAyfybBhBKEiwAgtB7fiNJxUyVLTUKYEdfdraxJXC_gQ345_xbf1b-ViFfJen2PTGM4qxdgxoCI70QAvD_BwE

https://www.worldbank.org/en/home

https://carnegieendowment.org/2022/02/24/cascading-climate-effects-in-middle-east-and-north-africa-adapting-through-inclusive-governance-pub-86510

https://www.imf.org/fr/Blogs/Articles/2022/03/30/blog-without-adaptation-middle-east-and-central-asia-face-crippling-climate-losses

https://www.geo.fr/environnement/rechauffement-climatique-les-pays-du-moyen-orient-en-premiere-ligne-206720

https://www.20minutes.fr/planete/3347963-20220908-changement-climatique-moyen-orient-

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض