الرقة: عادت الكنيسة ولم يعد المسيحيون

الرقة: عادت الكنيسة ولم يعد المسيحيون

تقارير | 26 12 2021

عبد الله الخلف

"لو بنوا كنيسة بملايين الدولارات، ووضعوا لها صليباً ضخماً من ذهب، فـ لن أعود إلى الرقة حالياً"، هكذا عبّر الشاب المسيحي هاروتيون مادارجيان "24 سنة" المنحدر من الرقة،عندما سألناه عن نيته بالعودة إلى مسقط رأسه في مدينة الرقة.


بعد دخول تنظيم داعش مدينة الرقة فرّ هاروتيون إلى القامشلي ما بين عامي 2013 و 2014.

لا ينفي الشاب حنينه لمحل ولادته، ولكنه لا يستطيع العودة إلى مدينة تغيّرت ملامحها بالنسبة إليه. تدمّر بيته ومنازل أقربائه، وهاجر معظم من كان يعرفهم كما يقول، مضيفاً "حتى لو تم إعمار بيتنا ومحلاتنا فـ لن أرجع، كيف أعود لـ بلاد لا أشعر فيها بالأمان؟".

هاروتيون الذي يعمل مذيعاً في إحدى المحطات المحلية في القامشلي حالياً متشائم من فكرة العودة، يقول: "قرأت مئات التعليقات التي آذت روحي، وحتى لو افترضنا أن الفئة المتطرفة التي أثّرت بها داعش قليلة، فـ هذا أمر خطير علينا، ويعيق عودتنا لديارنا. نحن متمسكون بأمل العودة ولكن عندما يتغير الوضع، لدينا عقارات هناك لن نبيعها حتى لو بملايين الدولارات، فـ لدينا رجاء بالعودة بعد أن يتغير الوضع وتضمحل هذه الأفكار المتطرفة".

إحدى كنائس الرقة.. تبدو فارغة أيام أعياد الميلاد (روزنة)

إحدى كنائس الرقة.. تبدو فارغة أيام أعياد الميلاد (روزنة)

يعيش حالياً أقل من 60 فرد مسيحي بمدينة الرقة، معظمهم رجال ولا توجد سوى عائلتين أو ثلاثة في المدينة، مقارنةً بنحو 400 عائلة كانت تعيش هنا قبل 2011، ومثلها في الطبقة بريف الرقة الغربي، والعشرات في تل أبيض بالريف الشمالي.

وفي عيد الميلاد قال معظم من التقت بهم روزنة بأنهم سيمضون العيد مع عائلاتهم المتواجدة في مناطق سيطرة النظام في حلب واللاذقية وغيرها.

قد يهمك: ما هي أمنيتك لعام 2022؟ اختر وشاركنا

حاولت روزنة التواصل مع عدة شخصيات مسيحية، لكن معظم التواصلات كانت تلقى الردود عدم الحديث، جورج (46 سنة / اسم مستعار)، كشف السبب ولكنه فضّل إخفاء هويته، الجميع حسب جورج لديهم تخوفات  من ملاحقة قد يتعرض لها من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري في حال تحدثوا إلى وسائل إعلام غير رسمية وغير تابعة للسلطة.

بهجة العيد اختفت

يقول جورج إنه لم يعد يشعر بأجواء العيد مثل السابق، لم يعد لديه منزل، ويسكن هو وشقيقه في غرفة واحدة متبقية من منزل عائلته، لافتاً "عائلاتنا بعيدة عنا، فـكيف نشعر ببهجة العيد في هذه الظروف؟ في الماضي كانت هذه البيوت تملؤها البهجة وشجرة عيد الميلاد، وبابا نويل الذي يطوف على الأطفال، أما اليوم فلم يعد هناك سوى الركام".

ويشير جورج إلى أن أقسى عيد ميلاد مر عليه كان عام 2015، وقتها منع تنظيم داعش الأهالي من السفر لمناطق النظام السوري، وقضى العيد وحده مع شقيقه في البيت بدون أي طقوس دينية واحتفالية.

يتذكر الغرامات التي فرضها تنظيم داعش عليهم بحزن ومرارة، حيث كان يدفع 17 غراماً من الذهب للتنظيم كـ "جزية" كل عام، مثّلت الجزية ذلاً بالنسبة له، فـ كيف يدفع المال وهو ابن هذه المدينة؟ على حد تعبيره، ناهيك عن مضايقات كان يتعرض لها من عناصر التنظيم هو وأقرانه كما يقول.

"كان لي جار داعشي، كلما يراني يقول لي (ع الذبح ع الذبح)! ومرة أحدهم اتصل بشيخه وقال له أمسكت بكافر! طبعاً أنا كنت أقول لهم أنا أدفع الجزية ولا يحق لك الاقتراب مني، كان ذلاً كبيراً تخلصنا منه ولكن بعد أن كسر أرواحنا".

ماذا عن قداس الكنيسة؟

في مدينة الرقة هناك توجد ثلاثة كنائس سابقاً، وهي كنيسة الشهداء للأرمن الكاثوليك، وكنيسة مدرسة الحرية للأرمن الأرثوذوكس، بالإضافة لكنيسة سيدة البشارة للروم، وتعرضت كنيستي الشهداء وسيدة البشارة للدمار نتيجة قصف طيران التحالف الدولي عام 2017.

 مؤخراً تم إعادة إعمار كنيسة الشهداء وذلك بنهاية شهر أيلول من عام 2019، وتم الانتهاء من ذلك قبل نحو شهر من قبل مجلس الرقة المدني و بتمويل من منظمة حراس بورما الأحرار.

إحدى كنائس الرقة (روزنة)

إحدى كنائس الرقة (روزنة)

من جهته يقول منتصر فهمي عضو لجنة الشؤون الاجتماعية في مجلس الرقة المدني، بأنه تم العمل على إعادة بناء الكنيسة لتكون مثلما كانت في السابق تماماً، لتحفيز المسيحيين على العودة لكنيستهم التي عادت كما كانت حسب تعبيره.

ويضيف "طالت فترة إعمار الكنيسة لعدة أسباب، مثل إغلاق المعابر، وحظر التجوال نتيجة تفشي كورونا، وعملنا على مهلنا لتكون نفس التصميم السابق بالضبط، وبعد ذلك تم تسليم الكنيسة من قبل المجلس ومنظمة حراس بورما الأحرار للطائفة المسيحية الموجودة حالياً بالرقة".

البيوت مدمرة فإلى أين العودة؟

من جهتها تقول صباح "60 سنة / اسم مستعار" والتي تنتمي لطائفة الأرمن الأرثوذوكس في الرقة، إن معظم منازل المسيحيين تعرضت للدمار نتيجة القصف خلال سنوات الحرب، وهي عادت مع عائلتها لأن بيتها ما زال صامداً بينما يصعب على الباقين العودة حالياً حسب قولها.

اقرأ أيضاً: الأضواء خجولة في ميلاد الشام هذا العام!

"قسم كبير من مسيحيي الرقة توجه لأوروبا وأرمينيا منذ بدء الحرب، وقسم آخر ملتزمون بمدارس أولادهم أو أعمالهم الجديدة في المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، وإذا عادوا لهنا فالمعيشة غالية، آجار المنزل في الرقة اليوم حوالي 100 دولار، بينما في حلب أو حمص والقامشلي وغيرها فالكنائس هناك تدعمهم وتقدم لهم المساعدات، هنا لا أحد يساعدهم فـ لن يعودوا".

إحدى كنائس الرقة.. تبدو فارغة أيام أعياد الميلاد (روزنة)

إحدى كنائس الرقة.. تبدو فارغة أيام أعياد الميلاد (روزنة)

وتوضح بأنها لن تقوم بأية طقوس دينية مع عائلتها هذا العام، رغم عودة الكنيسة ولكن أهلها لم يعودوا ولا يوجد خوري أو كاهن ليصلي بهم، وستمضي العيد مع عائلتها في البيت.

هل من أمل في هجرة عكسية مسيحية للرقة!

ينوي سمير "29 سنة / اسم مستعار" قضاء العيد في المنزل مع والدته لوحدهم، حيث اكتفوا بتزيين شجرة الميلاد، ولكنه يتمنى بأن يأتي خوري ليقام الاحتفال في الكنيسة إلا أنه لا يتوقع ذلك.

ويلفت سمير إلى أن الحرب التي عصفت بالرقة أثّرت سلباً على فئة الشباب المسيحيين، فالزواج صار أصعب بالنسبة إليهم، حيث يقول ضاحكاً: "اليوم إذا أردت الزواج يجب أن أعتنق الإسلام لم يعد هناك فتيات مسيحيات هنا!".

مضيفاً بأن الفتيات المسيحيات اللواتي يعشن في مناطق سيطرة النظام لا يقبلن بالعيش في الرقة! "كنت أرغب بالزواج من إحدى قريباتي التي تقيم حالياً بـ حلب ولكن كان شرطها أن آتي للاستقرار معها هناك، وأنا لا أستطيع ترك الرقة، عملي هنا وأمي وأصدقائي!".

لم يقم حتى الآن أي طقس أو قداس كنسي لغاية الآن، بسبب عدم وجود خوري أو قس في الرقة، ولم يعلن عن إقامة طقوس في الكنيسة في أعياد الميلاد لتاريخ كتابة التقرير.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض