"السمرة".. سردية من أيام المدرسة

تقارير | 25 05 2020

كتب رستم محمود على فيسبوك، عن ذكرياته في المرحلة الإعدادية، مع مدرس اللغة العربية:

 

في أول يوم حضور في المرحلة الإعدادية، حين دخل الأستاذ زكريا، مدرس اللغة العربية، نادى الطلبة بلكنته الحلبية: "إلكن ولاّ للديب! رد أكثر من طالب واحد: "خسى الديب إستاذ". تنفس المدرس الصعداء ثم قال: بدي منكون تجيبولي عصاية، تكون خفيفة ومنجرة وسهلة الاستعمال".

في اليوم التالي، كان عدد من الطلبة قد اصطحب معه أنواعاً مختلفة من العصي المخصصة للضرب، استطلعها المدرس بدقة وهدوء، حمل كل واحدة منها وقاس وزنها بيديه، مسدها وكأنها طفله المدلل، إلى أن وقعت عينه على عصا مستطيلة ملفوفة بشريط لاصق أسود، ابتسم وحملها وقال "من جايب هاي العصاي؟"، رفع أحد الطلبة يده، نظر إليه المدرس وابتسم "برافو عليك يا شاطر، هاي العصاية راح سميها السمرة".

كانت "السمرة" لا تفارق يد الأستاذ زكريا،  بعد أن حدد أشكالاً مختلفة من العقوبات للطلبة الذين يتخلفون عن أوامره. فضربتان منها على وجه الكف، لأي طالب نسي كتابة وظيفته المنزلية، وأربعة لمن لم يحفظ الدرس، وخمسة لمن نسي كتابه في البيت... وهكذا. في مرات كثيرة، كانت تجتمع هذه العقوبات في طالب واحد، كانت عقوبة زكريا تصل لعشر ضربات من "السمرة" على باطن الكف، ممضياً يومه المدرسي من دون أن يشفى من ذلك الوجع.

كان المدرس يأخذ "السمرة" معه إلى غرفة اجتماع المدرسين، أثناء استراحات المدرسين، الذين كانوا يتبادلون الأحاديث حول طريقة استعماله للعصا، فالمدرس أحمد كان يحمل واحدة يسميها "الخنساء"، أما الموجه عزو فقد كان يحمل "كابلاً كهربائيا" يضرب به الطلبة .

مرة أثناء موجة الضرب، حين كان أكثر من نصف تلاميذ الصف يقفون بانتظام ليتلقى كل واحد منهم عقوبته، وقتئذ قال صديقنا "إبراهيم عيسى" للمدرس زكريا: "أستاذ بس الضرب بالمدرسة ممنوع". استشاط المدرس غضباً، وضع "السمرة" جانباً، وبدأ بتوجيه الصفعات على وجه إبراهيم، مردداً عبارته "ولك خـ.. عليك وعلى قوانين التربية".

كان أحد أقربائي زميلاً للاستاذ زكريا في المرحلة الجامعية، وأعلمني بأنه أعد رسالة تخرجه عن شعر "إبن زيدون الأندلسي!".

في الفترة المسائية، كان المدرس زكريا يدرس طلاب المرحلة الثانوية، كان يردد بصوته الجهوري قصيدة بدر شاكر السياب "الأسلحة والأطفال" التي كانت من مقررات الثانوية. كان يردد بإندماج بالغ: "عصافير أم صبية تمرح، عليها سنا من غد يلمح، وأقدامها العارية، محار يصلصل في ساقيه، لأذيالهم رفة الشمأل.. لمن كل هذا الحديد... لقيد سيلوى على معصم... ونصل على حلمة أو وريد.. وقفل على الباب دون العبيد.. وناعورة لاغتراف الدم .. رصاص.. لمن كل هذا الرصاص.."!.

رابط صفحة رستم محمود على فيسبوك، اضغط (هنا)

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض