تقارير وتحقيقات | 2 07 2025

تصل ساعات قطع المياه في بعض أحياء العاصمة دمشق إلى أكثر من 20 ساعة يومياً خلال الصيف الحالي، ورغم تحرك المؤسسات الحكومية لإصلاح الشبكات المتهالكة وتطبيق التقنيين، إلا أنّ واقع المياه يزداد تعقيداً جراء موجات الجفاف وتداعيات الحرب.
وتؤكد تقارير مناخية أن سوريا مقبلة على أوضاع سيئة في قطاع المياه جراء الجفاف والحرب، وبحسب موقع "Fanack" فأنه خلال عام 2025 سيتم استنزاف خمسة أحواض مائية في سوريا، هي "بردى والأعوج"، و"العاصي"، و"السهوب"، و"دجلة" والخابور"، و"اليرموك".
وبسبب الاستهلاك المتزايد للمياه وسوء إدارة الموارد غير المتجددة إلى جانب النمو السكاني والاقتصادي، سيصل متوسط نقص المياه إلى 6.2 مليار متر مكعب في عام 2050، بعد أن متوسط نقص المياه في عام 2019 يبلغ 1,727 مليون متر مكعب سنوياً.
وحذّرت الأمم المتحدة من أن موجات الجفاف في منطقة البحر المتوسط ستزداد طولاً وشدّة، بينما اعتبر المؤشر العالمي لمخاطر الصراع لعام 2022 سوريا أكثر البلاد عرضةً للجفاف في منطقة البحر المتوسط.
من جانبها، أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة دمشق وريفها، عن رفع حالة الطوارىء في ظل شح الموارد المائية، وارتفاع الطلب على المياه وانخفاض الهطولات المطرية، وفق ما قال مدير المؤسسة أحمد درويش في حديث مع وكالة "سانا".
تقنين قاسٍ للمياه
بدأت مؤسسة مياه دمشق بتطبيق تقنين "قاسٍ" مع بداية الصيف كما قال عدد من سكان دمشق لـ "روزنة". وسبق تطبيق برنامج التقنين تحذيرات بوجود أزمة مياه في العاصمة وريفها.
تقول علا، وهي سيدة من سكان حي المزة، "إنّ وضع المياه سيء جداً هذا الصيف، إذ لا تأتي المياه لأكثر من 3 ساعات ليلاً كل ثلاثة أيام". ما يضطرها كما غيرها من سكان دمشق إلى اللجوء لشراء المياه من الصهاريج بمبالغ تفوق 60 ألف ليرة لكل 5 براميل مياه.
وأرجعت مؤسسة مياه دمشق سبب التقنين (من 10 إلى 12 ساعة يومياً) إلى تراجع منسوب مياه نبع الفيجة، المغذي الرئيسي للعاصمة دمشق وضواحيها، ليسجل منسوب المياه فيه انخفاضاً بلغ 2 مكعب فقط وسط تقديرات بمزيد من الانخفاض في الصيف المقبل.
وقال مصدر في المؤسسة لصحيفة "الشرق الأوسط"، بأن وضع المياه يتجه نحو الأسوأ، بسبب انخفاض المياه بحوض الفيجة، مضيفاً أن تعطيل المضخات وخروج آبار عن الخدمة خلال سنوات الحرب فاقم الأزمة.
وحذر المسؤول من تناقص كميات الضخ اليومية، التي قد تنخفض إلى نحو 200 ألف متر مكعب يومياً في شهر آب/أغسطس المقبل، بينما تحتاج دمشق وريفها يومياً لنحو 562 ألف متر مكعب من المياه.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن حصة المواطن السوري من المياه دون خط الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب سنوياً على أنّ كلفة تأهيل شبكات توزيع مياه الشرب تحتاج ما بين 500 و700 مليون دولار أميركي، وفق تقديرات وزارة الطاقة.
ونشرت روزنة عبر موقعها الإلكتروني على مدار السنوات الماضية، عشرات التقارير والتغطيات الميدانية التي توثق شح المياه وعدم وصولها بشكل آمن إلى القرى والبلدات والمدن في مختلف المحافظات السورية، آخرها تقرير نشر قبل أيام حول المعاناة المستمرة لسنوات نتيجة انقطاع المياه عن الحسكة.
اقرأ أيضاً: وجه الحسكة شاحب.. هل تنتهي معاناة سنوات بتأمين المياه من محطة علوك؟
هل مياه دمشق ملوثة؟
وفق اختبار لجودة مياه الشرب بدمشق، أجرته "روزنة" في منطقة المزة وفي حي باب سريجة الدمشقي بواسطة "كيت" مخصص لفحص جودة المياه وفق 17 معيار يغطي نتائج التحليل.
بينت النتائج أن نسبة كبريتيد الهيدروجين مرتفعة جداً (250) وكذلك قلوية الماء مرتفعة (240) بينما كانت بقية المؤشرات من الحديد والرصاص والكلور والزئبق والنحاس ضمن حدودها الطبيعية.
هذا التحليل وفق مؤشراته يشير إلى أن مياه الشرب من مصدرها غير ملوثة وصالحة للشرب، وأنّ تلوث المياه يحدث نتيجة اهتراء بعض الشبكات وعدم صيانتها وكذلك نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي إلى بعض الشبكات المائية، كما حصل خلال السنوات السابقة في مناطق عدة بدمشق وريفها.
ماذا عن خطر الجفاف؟
تعد سوريا واحدة من بين 25 دولة تتعرض حاليًا لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنويًا، أي أنها تستخدم أكثر من 80% من إمداداتها المائية المتجددة لأغراض الري وتربية الماشية والصناعة والاحتياجات المنزلية، وحتى الجفاف القصير الأمد يعرض هذه الأماكن لخطر نفاد المياه.
وفي 2010، كان بإمكان نحو 98% من سكان المدن الوصول إلى مصادر مياه صالحة للشرب بينما كانت النسبة أقل قليلاً في المجتمعات الريفية. أما اليوم، فإن نسبة ما يعمل بكفاءة من الخدمات والبنية التحتية المتعلقة بشبكة المياه والصرف والنظافة العامة لا تتجاوز 50%.
ويرجع خبراء أزمة المياه المتفاقمة إلى الري المكثف بطرق تقليدية، وموجات الجفاف وارتفاع معدل التبخر السطحي الذي تسبب في خسارة 2.2 مليار متر مكعب من مخزون المياه الطبيعي، وكذلك زلزال 6 فبراير 2023 وتأثيره على البنية التحتية للمياه المتهالكة أصلاً، وعلى الخدمات المتعلقة بنظام شبكة المياه والصرف والنظافة العامة.
وبحسب خبراء مناخ، فقد دخلت سوريا مرحلة الجفاف الممتد كنمط مناخي يفرض نفسه كنتيجة للإجهاد المائي المرتفع سنوياً، إذ يحدث الجفاف كل 5 سنوات تقريباً بعد أن كان نادراً، وذلك بسبب تغير المناخ والاحتباس الحراري وسوء إدارة ملف المياه.
ما مصادر المياه في سوريا؟
تشكل الأمطار المورد الرئيسي للمياه في سوريا، ما يؤثر على توافر جميع الموارد المائية الأخرى. ويقدر متوسط موارد مياه الأمطار السنوية بحوالي 46 مليار متر مكعب. وفي سنوات الجفاف، ينخفض هذا الرقم كثيراً.
وتنقسم البلاد إلى خمس مناطق بناءً على متوسط هطول الأمطار السنوي بحسب موقع "Fanack"، وهي: الأولى، يبلغ متوسط الهطل المطري بين 400 و 650 مم، والثانية والثالثة بين 300 و 400 مم، والرابعة بين 400 و 200، والخامسة أقل من 100 مم.
وتساهم حوالي 20 بالمائة من الأمطار في موارد المياه المتجددة. وتقدر إمدادات المياه السطحية بحوالي 10 مليار متر مكعب وتتدفق من 16 نهر خمسة مشتركة دولياً (الفرات - دجلة - العاصي - اليرموك - نهر الكبير الجنوبي)
وتأثرت سوريا تأثراً مباشراً جرّاء انخفاض مياه الفرات، فنقصت المياه الصالحة للشرب والزراعة أو لتشغيل محطات الطاقة الكهرمائية، وكلها قطاعات حيوية.
وأدى الاستغلال المفرط لموارد المياه العذبة، وزيادة تلوث المياه، وسوء معالجة المياه العادمة، وانتشار ظاهرة التصحر، إلى تفشّي التدهور البيئي في سوريا منذ العام 2000. وأوضحت دراسات عديدة أُجريت بين عامي 2000 و2010 بأن الحكومة السورية فشلت في إدارة الطلب المتزايد على المياه في ظل ما تعانيه البلاد من تغير المناخ وتكرر الجفاف.
اقرأ أيضاً: هل أثّر التغير المناخي على أحوال الطقس في سوريا؟
ما الحل لأزمة المياه؟
بعد سنوات من الصراع وسوء إدارة مصادر المياه الطبيعية، لا بد من إصلاح هيكلي لمعالجة أزمة ندرة المياه التي تعانيها سوريا عبر الانتقال إلى إدارة مستدامة وناجعة للمياه، وفق ما يرى خبراء مياه سوريين.
وبحسب رصد "روزنة"، وبحثها عن الحلول الأمثل لمشكلة المياه، تبين أن خبراء المياه السوريين والدوليين يدعون منذ عام 2013 إلى وضع مبادئ توجيهية لسياسات المياه الوطنية المستقبلية في سوريا، وتطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية كمعيار؛ وربط الخطط الوطنية لاستخدام الأراضي بالموارد الطبيعية المتاحة.
كذلك، لا بد من التعاون مع الدول المشاركة في الأنهار، خصوصاً أن 70 بالمئة من من مياه سوريا من خارج حدودها، لذلك تحتاج البلاد إلى اتفاقيات ملزمة لتقاسم المياه مع أي من جيرانها.
ومن المتوقع بحسب خبراء مناخ، أن يكون لتغير المناخ تأثير شديد على موارد المياه في سوريا، ما سيقلل إجمالي المياه المتاحة سنوياً بنسبة 32% في عام 2050. وفي الوقت نفسه، سيزداد الطلب على المياه بنسبة 15% نتيجة للتنمية الاقتصادية والنمو السكاني وإعادة الإعمار.