موسم القمح في حماة وإدلب: التغيرات المناخية ترهق المزارعين وتنذر بالجوع

موسم القمح في حماة وإدلب: التغيرات المناخية ترهق المزارعين وتنذر بالجوع

تقارير وتحقيقات | 1 07 2025

بشار الفارس

أثرت التغيرات المناخية والجفاف، على زراعة القمح في مناطق حماة وإدلب، حيث أدت قلة الأمطار وتدهور البنية التحتية لشبكات الري إلى تراجع كبير في إنتاجية المحاصيل الزراعية، ما زاد من معاناة المزارعين الذين أنفقوا مبالغ طائلة بدون تحقيق أرباح وديون متراكمة.

هذا الواقع، يعكس صعوبة استعادة الاستقرار الزراعي في ظل الظروف الراهنة، إذ أوصلت التغيرات البيئية والحروب، المناطق المزروعة إلى وضع هش يهدد استدامة الزراعة على المدى البعيد.

وتقول الأمم المتحدة "إن سوريا من بين أكثر الدول عرضة لأحداث المناخ القاسية، وثالث أكثر دولة عرضة للجفاف في العالم".

وشهدت مناطق سورية عدة منها، أرياف حماة وإدلب، والجزيرة السورية هذا العام انخفاضاً كبيراً في إنتاج القمح والحبوب نتيجة أسوأ موجة جفاف تعصف بالمنطقة منذ 26 عاماً.

وحذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) من أن الجفاف الحاد الذي تتعرض له سوريا في عام 2025 قد يؤدي إلى فشل ما يصل إلى 75% من محصول القمح المحلي، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان.

وبحسب تقرير لمنظمة الغذاء العالمي، عانت البلاد بين تشرين الثاني 2024 وكانون الثاني 2025، من موجة جفاف مبكرة قلصت إمكانية الوصول إلى الحقول الزراعية وخفّضت من كميات الأمطار، ما تسبب بانخفاض متوقع في المساحات المزروعة بالمحاصيل، وبالتالي تراجع إنتاج الحبوب في 2025.

وتضرر القطاع الزراعي في سوريا بفعل سنوات الحرب، إذ أصبحت البلاد تحتل المرتبة السادسة عالميا في انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2024، إلى جانب وجود نحو 12 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي.

وقال، مدير عام المؤسسة السورية للحبوب، حسن العثمان لوكالة "سانا" الرسمية، بإن إجمالي الكميات المستلمة من محصول القمح لموسم 2025 بلغ 212 ألفاً و 826 طناً. مؤكداً على جودة الأصناف وتحقيقها وزناً نوعياً بصنفيها القاسي والطري.

اقرأ أيضاً: 75 بالمئة من محاصيل القمح مهددة بالتلف.. كيف يؤثر الجفاف على أمن السوريين الغذائي؟

خسارات ترهق المزارعين

أبو أحمد، واحد من المزارعين الذي كان ينتظر موسم القمح بفارغ الصبر لمحاولة إعادة استقراره ماديا وترميم منزله المتضرر بريف إدلب، لكن الجفاف الذي طال البلاد هذا العام أثر بشكل كبير على كامل المحاصيل الزراعية، وأوقعه بخسارة كبيرة بعدما أنفق ما يقارب 4000 دولار على استثمار أراضيه الزراعية.

وعاد أبو أحمد إلى أرضه في منطقة سراقب بعد نحو سبع سنوات من النزوح وتزامنت عودته مع موسم زراعة القمح، ويروي في حديثه لـ"روزنة" تجربته هذه العام بزراعة القمح إذ بدأ في تجهيز الأرض وحراثتها، بتكاليف بلغت نحو 500 دولار، دون احتساب ثمن البذار الذي وصل إلى نحو 1200 دولار، إذ كان سعر الطن الواحد من القمح 400 دولار، وأرضه تبلغ مساحتها 75 دونماً تحتاج إلى ثلاثة أطنان لتحقيق موسم جيد.

ويتابع حديثه: "انتظرنا المطر طويلاً، وكدت أتراجع عن زراعة القمح لولا نزول المطر في بداية الشهر الأول فبدأ القمح بالنمو بشكل مقبول، ثم وصلنا إلى مرحلة التسميد، وكان ثمن السماد مرتفعاً، ودفعت حوالي 700 دولار ثمناً له، لكن المطر لم ينزل بعد ذلك".

كل هذا، "جعل مفعول السماد ضعيفاً أو شبه معدوم، حيث لم تذب العناصر الغذائية في التربة، وبعد فترة طويلة، هطل المطر مجدداً، لكن القمح في هذه الأثناء كان قد بدأ بالاصفرار والذبول"، حسب المزارع.

هكذا أصبح أبو أحمد بين خيارات كلها سيئة، منها ندرة المياه وذبول القمح أمام عينيه، إضافةً إلى الديون التي تراكمت عليه بعد أن اقترض كل المبالغ التي أنفقها على الزراعة، وعندما حانت مرحلة الحصاد، "لم أحصد شيئاً لأن القمح لم ينضج، وخرجت مديوناً"، قال.

وأوضح بأن الدونم الواحد ينتج نحو 600 كيلوغرام في حال تمت سقاية القمح وهطلت الأمطار بشكل جيد، أما هذا العام، حتى بالنسبة للمزارعين الذين تمكنوا من سقاية أراضيهم، فإن الري كان متباعداً بسبب شح المياه، ما أدى إلى ضعف الإنتاج بشكل كبير؛ إذ لم يتجاوز إنتاج الدونم الواحد 150 كيلوغراماً.

أسامة العبد الله مدير عام الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية قال لسانا، "إن الموسم الحالي تأثر بموجة جفاف قاسية أدت إلى تراجع إنتاج المحاصيل البعلية، ما اضطر المزارعين إلى تحويل أراضيهم للرعي، مشيراً إلى أن الانتاجية في المناطق المروية تراوحت بين 200 و400 كغ للدونم، تبعاً لعدد الريّات ومدى الالتزام بالتقنيات الزراعية".

القمح محصول استراتيجي

يعد القمح من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسة في سوريا، إذ كان متوسط إنتاج المحصول حتى عام 2010 يزيد على أربعة ملايين طن، وسجلت سوريا في 2006 أعلى رقم في إنتاجه بمقدار 4.9 مليون طن، وفق المكتب المركزي للإحصاء، وكان متوسط الاستهلاك المحلي 2.5 مليون طن، والباقي للتصدير.

ويعتمد المزارعين في أرياف حماة وإدلب، على زراعة القمح كمحصول استراتيجي، وهو السلة الغذائية لتلك المناطق ومع سقوط نظام الأسد عاد الأمل إلى مزارعي ريفي حماة وإدلب الذين عادوا إلى مناطقهم للعمل، حيث بدأ المزارعين بحرث حقولهم لزراعة القمح من جديد.

لكن، واجه هؤلاء المزارعين تحديات جديدة تمثلت في التغيرات المناخية التي ضربت المنطقة ونتج عنها قلة مياه الأمطار والجفاف الذي استمر لفترات طويلة، ما أدى إلى تراجع خصوبة التربة، وانخفاض في إنتاج المحاصيل بشكل غير متوقع إضافة إلى مشاكل الأراضي التي تعاني من ألغام الحرب ومخلفاتها، ما خيب آمال المزارعين الذين بذلوا جهداً كبيراً، ليجدوا أنفسهم اليوم مجددا أمام واقع صعب.

يتحدث المزارع عماد عن التحديات التي واجهته وأهمها التغيرات المناخية وأثار الحرب، يقول: "كانت خسائر موسم القمح هذا العام كبيرة نتيجة الجفاف الذي أصاب المنطقة بسبب التغيرات المناخية، ما أدى إلى عدم تحقيق المحصول للمردود المطلوب لتغطية تكاليف الزراعة، وكان جميع الفلاحين وأنا منهم، نأمل أن يكون الموسم خيّراً، ومع بدء الحصاد جاءت النتائج مخيبة للآمال، حيث لم ينتج الموسم ما يغطي التكاليف التي انفقتها".

حاول المزارعون الاعتماد على ري المحاصيل عن طريق الآبار، وقنوات الري الزراعية نتيجة الجفاف وقلة الأمطار، إلا أن تلك الخطوات فشلت لعدم توفر إمكانيات الضخ والري.

وهذا ما حصل مع المزارع أبو أحمد،" الذي حاول اللجوء إلى الري باستخدام الآبار، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب سرقة جميع تجهيزات الآبار من مضخات ومولدات من قبل قوات النظام السوري السابق، و"اليوم تكلفة إعادة تجهيز البئر مرتفعة جداً، وأنا عائد من نزوح دام عشر سنوات، لا أملك تكاليف إعادة حفر بئر أو شراء المعدات اللازمة لاستخراج المياه". كما قال لـ"روزنة".

ووفق مزارعين من ريف حماة، ليس هناك حلول عملية متاحة، إذ لا توجد آبار يمكن الاعتماد عليها في السقاية، كما أن قنوات الري غير مجهزة لضخ المياه.

وعادةً يزرع القمح في شهري تشرين الثاني أو كانون الأول، لكن الزراعة في الموسم الحالي تأخرت إلى كانون الثاني، حتى أن بعض المزارعين زرعوا في شباط، ما أدى إلى زراعة في فترة غير مناسبة أثرت سلبًا على جودة المحصول. وكان سبب التأخير الأساسي هو قلة الأمطار، إذ لا يستطيع المزارعون البدء بالزراعة إلا بعد هطول الأمطار.


تدهور الزراعة بريف إدلب: الجفاف يعمق معاناة المزارعين

تدهور الزراعة بريف إدلب: الجفاف يعمق معاناة المزارعين

الجفاف يعصف بالزراعة

تضرر قرابة 2,5 مليون هكتار تقريبًا من المساحات المزروعة بالقمح جراء الظروف المناخية السيئة، وفق ما أفادت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة.

تعليقاً على ذلك، تحدث المهندس الزراعي أنس أبو طربوش لـ "روزنة" عن تأثير الجفاف على الزراعة قائلاً: "خلال الأعوام السابقة كان هناك تغيرات مناخية أدت إلى انخفاض معدلات الأمطار، لكن هذا العام الوضع أكثر سوءاً".

ويوضح أن انخفاض معدلات الأمطار وعدم توزعها على فترات متقاربة أثر سلبياً على المحصول، خاصة في فترة الأزهار وهي الفترة الحساسة في محصول القمح، ما نتج عنه انخفاض إنتاجية القمح بنسب تتفاوت ما بين 50% إلى 70% عن الأعوام الماضية.

وبحسب "الفاو"، فإنّ نقص الأمطار الشتوية "أدى إلى فشل شبه كامل في إنتاج القمح؛ ما ينذر بعجز يُقدّر بنحو 2.73 مليون طن متري، وهو ما يعادل الاحتياج الغذائي السنوي لأكثر من 16.25 مليون شخص".

ليست أراضي ريفي إدلب وحماة من أصابها الجفاف فقط، إذ حالها كحال الحقول في مناطق شمال شرق سوريا وغيرها من المحافظات الأخرى التي خسرا أصحابها موسم هذا العام جراء الجفاف وقلة الأمطار.

وفي تقارير سابقة لـ "روزنة"، أكد أصحاب الأراضي البعلية وبدرجة أقل الأراضي المروية في مناطق الجزيرة، أن الموسم الحالي قد يكون الأسوء نتيجة شح الأمطار والجفاف.

ومع انخفاض هطول الأمطار، واجهت سوريا إحدى أشد موجات الجفاف. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، بلغ إجمالي هطول الأمطار التراكمي خلال الربع الأول من العام الحالي 94.9 ملم، وهو أدنى مستوى منذ عام 1997، وهو أقل بكثير من المتوسط طويل الأمد البالغ 165.4 ملم للفترة نفسها ما بين عامي 1989 و2015، وكذلك، أقل بكثير من المعدل المتوسط بين عامي 2019 و2024، الذي يتراوح بين 192 و 298 ملم، للفصل الأول من العام.

كما تظهر صور أقمار صناعية نشرتها منظمة "الفاو"، للموسم الزراعي الحالي 2024-2025، تدهوراً حاداً في الغطاء النباتي مقارنة بالسنوات السابقة، مع انخفاض استثنائي في هطول الأمطار، وتراجع في الإنتاج، وضعف في صحة النبات، ما يعني أن سوريا قد تواجه خطر نقص الغذاء.

ماذا عن الدور الحكومي؟

تعمل الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية على تطوير أصناف من القمح تتلاءم مع تحديات المناخ والبيئة، وأشار مدير البحوث الزراعية العبدالله في حديث صحفي، إلى أن الهيئة تدرس سنوياً أكثر من 6 آلاف سلالة قمح، وقد نجحت حتى الآن في استنباط 24 صنفاً من القمح الطري والقاسي، يتم توزيعها على المناطق الزراعية بحسب الخصائص المناخية لكل منها.

وأكد مدير البحوث أن الهيئة طوّرت سلالتين واعدتين مخصصتين للزراعة المروية، تتميزان بإنتاجية عالية ومقاومة جيدة للأمراض، وهما حالياً في مرحلة الاعتماد النهائي.

وبهدف تقليل آثار الجفاف أجرت الهيئة تجارب ميدانية مكثفة على جميع الأصناف المعتمدة في مختلف البيئات الزراعية إلى جانب تطبيق أساليب التربية السريعة لتسريع التحسين الوراثي واستنباط أصناف أكثر تحمّلاً للجفاف والملوحة والحرارة، فضلاً عن تحسين جودة الحبوب، وفق ما قال العبدالله.

كما أعلنت الحكومة السورية الانتقالية عن سعر شراء الطن الواحد من القمح للنوع القاسي درجة أولى 320 دولاراً، يضاف إليها 130 دولاراً مكافأة تشجيعية عن كل طن يقوم المزارع بتسليمه للمؤسسة السورية للحبوب، كما جاء في مرسوم رئاسي بينما سعّرت الإدارة الذاتية الطن الواحد بـ 420 دولاراً، ويتضمن السعر دعماً مباشراً بقيمة 70 دولاراً للطن الواحد من القمح.

واعتمدت سوريا في السنوات الماضية، بشكل كبير على استيراد القمح من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا، باستخدام أسطول من سفن‭ ‬البلدين لتجنب العقوبات الأميركية.

وبعد سقوط النظام، أعلنت أوكرانيا على لسان وزير خارجيتها أنها نقلت نقلت 3850 طناً من القمح إلى سوريا في إطار برنامج "الحبوب من أوكرانيا"، في ظل تأكيد حول دعم الشعب السوري بالتعاون مع برنامج الغذاء الأممي، سبقها إعلان الرئيس الأوكراني إرسال 500 طن نهاية العام 2024.

وتستهلك سوريا نحو 2.5 مليون طن من القمح سنوياً، يتم تأمين القسم الأكبر منها عن طريق الإنتاج المحلي فيما تستورد الباقي، بعد ما كانت مكتفية ذاتياً قبل 2011، بإنتاج يصل إلى أربعة ملايين طن سنوياً، مع إمكانية تصدير 1.5 مليون طن.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض