75 بالمئة من محاصيل القمح مهددة بالتلف.. كيف يؤثر الجفاف على أمن السوريين الغذائي؟

75 بالمئة من محاصيل القمح مهددة بالتلف.. كيف يؤثر الجفاف على أمن السوريين الغذائي؟

موسم زراعة القمح والشعير في مدينة القامشلي - روزنة

تقارير وتحقيقات | 22 05 2025

محمد الحاج

نحو 75% من محاصيل القمح في سوريا، مهددة بالتلف بسبب الجفاف الشديد، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين السوريين، في ظل معاناة قرابة 12 مليون منهم من انعدام الأمن الغذائي.

وقال ممثل منظمة الأغذية الأممية في سوريا، طوني إيتل، لوكالة رويترز قبل يومين، أن "الفاو" تتوقع "نقصًا غذائيًا قدره 2.7 مليون طن متري من القمح لهذا العام، وهو ما يكفي لإطعام 16.3 مليون شخص على مدار عام واحد".

وبعد قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يرى "إيتل" أن "تدفق الأموال الناتج عن ذلك يمكن أن يُنعش القطاع الزراعي من خلال توفير تقنيات الري وتجديد البنية التحتية".

وتقول الأمم المتحدة "إن سوريا من بين أكثر الدول عرضة لأحداث المناخ القاسية، وثالث أكثر دولة عرضة للجفاف في العالم"، ووفق بيان أصدرته في 2021، فإن الظروف القريبة من الجفاف في شمال وشمال شرق البلاد تعني أن نحو 40% من المناطق الزراعية المروية لم يعد يمكنها الاعتماد على توافر المياه.

هذا الجفاف يعني وفق البيان، أن أكثر من مليون شخص في خطر التعرض للجوع.

رفع العقوبات.. قد يساعد

كذلك، أكدت وزارة الزراعة في الحكومة الانتقالية، أن انفتاح الاقتصاد سيسمح أيضًا بالاستثمارات والحلول لمواجهة آثار الجفاف، مضيفة: "رفع العقوبات، الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي، قد يُساعد من خلال السماح باستيراد الأسمدة وتقنيات الري".

وأوضحت "الوزارة" في تصريحها لرويترز: "رفع العقوبات لا يحل أزمة الجفاف في حد ذاته، ولكنه يوفر الوسائل والقدرات التي تُمكّن الحكومة والمزارعين من الاستجابة لها بكفاءة، من خلال تحديث أنظمة الري وتحسين الإنتاجية وتعزيز الأمن الغذائي".

ولا زالت الحكومة السورية لا تدير المناطق التي تشكل السلة الغذائية للبلاد وتوجد بها أكبر نسبة أراض مزروعة بالقمح، في منطقة الجزيرة بمحافظتي الحسكة والرقة وأجزاء واسعة من دير الزور، التي لا زالت تديرها هيئات زراعية تابعة لـ"الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا".

مخاوف المزراعين

يتخوف المزارعون في مناطق الجزيرة من خسائر كبيرة تنتظرهم نتيجة شح الهطولات المطرية هذا الموسم، ما سيؤدي إلى انخفاض إنتاج الأراضي الزراعية بشكل كبير وتضرر المزارعين، في ظل قرار "الإدارة الذاتية" بتقييد تصدير المحاصيل الزراعية وتداعياته.

ويواجه المزارعون في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة التي تعد السلة الغذائية للبلاد، صعوبات جمة تهدد استمراريتهم وتنذر بخطر كبير محدق بشريان اقتصاد المنطقة الشرقية، مطالبين بآليات تضمن عدالة التسويق الداخلي والتصدير الخارجي لمحاصيلهم.

وكانت "الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" أصدرت قراراً قبل شهر، يقضي بإلغاء جميع التعليمات السابقة المتعلقة بتصدير المحاصيل الزراعية، مع فرض موافقات رسمية على تصدير بعض المحاصيل الاستراتيجية.

وبحسب القرار رقم 79، أصبح تصدير محاصيل القمح والشعير والذرة الصفراء والقطن مشروطاً بالحصول على موافقة من "هيئة الاقتصاد والزراعة"، نظراً لما لهذه المحاصيل من أهمية استراتيجية وتأثير مباشر على الأمن الغذائي في المنطقة.

أيضاً، تسببت التقلبات المناخية (الجفاف) والكوارث الطبيعية (زلزال شباط 2023) في تلف الأشجار الزراعية وتشققات في الأراضي في ريف إدلب الذي يعاني من تراجع إنتاجية المحاصيل، بالإضافة إلى نقص المياه والتكاليف المرتفعة للري.

تفتقر المنطقة إلى الدعم الحكومي ودعم المنظمات المختصة وسط زيادة معاناة المزارعين الذين باتت مزارعهم غير قابلة للاستصلاح وسط خسائر كبيرة في مصادر رزقهم مع تراجع الإنتاج الزراعي، وارتفاع تكاليف إعادة التأهيل، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية وقلقهم حول مستقبل زراعتهم.

وتضرر القطاع الزراعي في سوريا بفعل سنوات الحرب، إذ أصبحت البلاد تحتل المرتبة السادسة عالميا في انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2024، إلى جانب وجود نحو 12 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي.

ما تأثير الجفاف؟

وفي تقارير سابقة لروزنة، أكد أصحاب الأراضي البعلية وبدرجة أقل الأراضي المروية في مناطق الجزيرة، أن الموسم الحالي قد يكون الأسوء نتيجة شح الأمطار والجفاف.

وفي تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، في نيسان الماضي، جاء فيه إنه مع بدء "الحصاد في يونيو 2025، من المتوقع أن يؤدي الوصول المحدود إلى الحقول وانخفاض كميات الأمطار إلى تقليل كل من المساحة المزروعة وآفاق الغلة، مما يشير إلى توقعات إنتاج حبوب أقل من المتوسط ​​في عام 2025".

ويقدر إنتاج الحبوب في عام 2024 بنحو 3.4 مليون طن، أي أقل بنحو 13% عن المتوسط ​​على مدى خمس سنوات وأقل بنحو 33% عن المتوسط ​​قبل 2011.

"ويرجع ذلك أساسا إلى سوء توزيع الأمطار طوال الموسم، وارتفاع درجات الحرارة خلال فترة النمو في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2024، وتفشي الأمراض وارتفاع أسعار المدخلات الأساسية"، وفق التقرير.

وألقت التغيرات المناخية وخصوصاً الجفاف بتأثيراتها على قوت الناس في الجزيرة السورية، إلى جانب غياب أي خطط حكومية أو من "الإدارة" لمواجهتها وإهمال الزراعة في البلاد منذ اندلاع الحرب، التي أدت إلى تراجع اهتمام السلطات بملف الزراعة.

ووفقاً لتصريحات سلمان بارودو مستشار "هيئة الاقتصاد" في "الإدارة الذاتية" لصحيفة الشرق الأوسط، فإن هذه أسوء موجة جفاف في المنطقة خلال آخر مئة عام، حيث سيخرج مليونا هكتار من المساحات المزروعة عن خطة الإنتاج.

وأشار "بارودو" إلى أن الجفاف أصاب مساحات شاسعة من الأراضي تقدر بنحو 90 في المائة من الأراضي البعلية، فيما قدر التقرير نسبة المساحات المزروعة هذا العام من محاصيل القمح والشعير على مستوى شمال شرقي سوريا تبلغ أكثر من مليونين ونصف مليون هكتار بينها نحو نصف مليون هكتار قمح مروية على الآبار الجوفية.

تقييد تصدير المحاصيل الزراعية

في الثالث والعشرين من آذار الماضي أصدرت "الإدارة الذاتية" قراراً يقضي بتقييد تصدير المحاصيل الزراعية الرئيسية "قمح - شعير - ذرة صفراء - قطن"، ويتطلب تصديرها موافقةً من "هيئة الاقتصاد والزراعة" التابعة لها.

ولا يقصد بالتصدير هنا إلى خارج البلاد فقط، بل حتى التصدير إلى باقي المناطق السورية تحت سلطة الحكومة الانتقالية، كما نص القرار على أن باقي المحاصيل لا تحتاج لموافقة وإنما الحصول على شهادة منشأ نباتي أو حيواني صادرة عن رئاسة "هيئة الاقتصاد والزراعة".

وأثارت هذه القرارات مخاوف الفلاحين في المنطقة، بسبب معاناتهم مع التسعيرة التي تحددها "الإدارة"، التي يرى نسبة واسعة منهم حسب رصدنا، أنها "بخسة ولا تغطي تكاليف الإنتاج"، إذ شهد العام الماضي احتجاجات لمزارعين في مختلف مناطق الجزيرة، رفضاً لتسعيرة القمح.

ولم تلقَ مطالب المزارعين حينها آذاناً صاغية، لذلك يتخوف بشار الأحمد وهو مزارع من الكسرات جنوبي الرقة من هذا القرار بسبب تبعاته عليهم، مستذكراً تجربته بالتسويق عبر "الإدارة الذاتية" بأنها كانت "سيئة"، إذ "تترك المزارع تحت رحمة التجار ولا تسمح له بالتصدير لباقي المناطق السورية"، وفق قوله.

الرقة والحسكة: احتجاجات ضد تسعيرة القمح.. وتغطية الصحافة ممنوعة!

الرقة والحسكة: احتجاجات ضد تسعيرة القمح.. وتغطية الصحافة ممنوعة!

لكن، بعد توقيع اتفاقية الدمج بين رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع ومظلوم عبدي قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، يعتقد بشار بأنه من المفترض أن تتغير الأمور، معتبراً في حديثه مع روزنة: "لا ينبغي اعتبار باقي المناطق السورية مناطق غريبة يمنع التصدير إليها إلا بموافقة من الإدارة (...) هذا احتكار لجهد ملايين المزارعين".

من ناحيته يرى المزارع أبو خلدون أن القرار مضر بالزراعة في المنطقة، معتبراً أنّ مدخلات الإنتاج تكلف المزارع بالدولار الأمريكي، بينما تسعيرات الإدارة الذاتية بالليرة السورية ولا تراعي حتى هامش ربح بسيط للمزارع، ما يؤدي إلى حدوث تأثيرات سلبية على المجتمع بشكل عام.

ويطالب أغلب المزارعين ومنهم "بشار"، الإدارة الذاتية بالبحث عن مصادر تصدير جديدة للمزارعين وليس منع التصدير ويقول: "هذه السياسات ستجعل المزارع يعزف عن زراعة أرضه ويتخلى عنها، المزارع مثل الجندي الذي يحمي الوطن، يجب أن يكون الاهتمام به أكبر".

إلى ذلك، لم تقتصر آثار الجفاف على المحاصيل الزراعية، إنما تعدتها إلى الثروة الحيوانية وتربية المواشي التي تعد أحد أهم روافد الاقتصاد في المنطقة، إذ تراجعت أسعار الأغنام بشكل كبير خلال الفترة الماضية، ووصل سعر الخروف إلى نحو 100 إلى 200$.

ويعاني مربو الثروة الحيوانية بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وما نتج عنهما من قلة المراعي وارتفاع سعر الأعلاف وشح المياه، كما أن تخفيض تركيا حصة سوريا من الوارد المائي خلال السنوات الماضية إلى أقل من 200 متر مكعب في الثانية، فاقم الأزمة الزراعية في البلاد، بسبب النقص الكبير في مياه الري.

مسؤول محلي: 20 ألف رأس غنم يهرب يومياً من سوريا

قطيع ماشية شرقي سوريا - روزنة

من أين يأتي القمح؟

اعتمدت سوريا في السنوات الماضية، بشكل كبير على استيراد القمح من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا، باستخدام أسطول من سفن‭ ‬البلدين لتجنب العقوبات الأميركية.

وبحسب البيانات استوردت سوريا نحو 501800 طن من القمح من سيفاستوبول حتى نهاية 2022، ونحو 28200 طن في العام 2021 بأكمله.

وتعاني مناطق سيطرة النظام سابقاً، من عجز بمادة القمح بعد تراجع الإنتاج من 4 ملايين طن قبل 2011 إلى نحو 900 ألف طن 2022، بحسب تصريحات صحفية سابقة لرئيس اتحاد الفلاحين أحمد الإبراهيم ما انعكس سلباً على قدرة الحكومة حينها لتوفير الأمن الغذائي والحفاظ على تأمين رغيف الخبز.

في 2023، ووفق الإحصائيات المنشورة على موقع حكومة "الإنقاذ" فإن المساحة المزروعة من القمح زادت عن 32 ألفاً و850 هكتاراً مقارنة بـ29 ألفاً و800 في 2022.

وبعد سقوط النظام، أعلنت أوكرانيا على لسان وزير خارجيتها أنها نقلت نقلت 3850 طناً من القمح إلى سوريا في إطار برنامج "الحبوب من أوكرانيا"، في ظل تأكيد حول دعم الشعب السوري بالتعاون مع برنامج الغذاء الأممي، سبقها إعلان الرئيس الأوكراني إرسال 500 طن نهاية العام 2024.

الدخول الأوكراني في ملف التصدير، جاء بالتزامن مع إعلان موسكو بعد أيام من سقوط النظام السابق، إيقاف إمدادات القمح الروسية إلى سوريا "بسبب عدم اليقين بشأن الحكومة الجديدة وتأخير السداد"، وفق رويترز.

وقدّر إدوارد زرنين رئيس اتحاد منتجي ومصدري الحبوب الروس، واردات سوريا من القمح بحوالي مليوني طن متري سنويًا، وقال إن سوريا ليست مستهلكًا رئيسيًا، بينما قدّر ديمتري ريلكو، من شركة إيكار الاستشارية، صادرات القمح إلى سوريا بـ 300 ألف طن حتى الآن الموسم الفائت، لتحتل البلاد المرتبة الرابعة والعشرين بين مشتري القمح الروسي.

وتختلف الواردات السورية من عام لآخر تبعًا لحصادها، إذ يمكن لسوريا أن تنتج ما يصل إلى 4 ملايين طن من القمح في عام جيد، وهو ما يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية ويسمح ببعض الصادرات.

"لكن الحرب والجفاف المتتالي أدى إلى تآكل محاصيلها، مما أجبر البلاد على الاعتماد على الواردات من منطقة البحر الأسود لدعم برنامج دعم الخبز الضروري لسكانها"، حسب رويترز.

وفي مصدر جديد، حصلت سوريا نهاية الشهر الفائت، على "هدية" من الحكومة العراقية تبلغ 220 ألف طن من القمح، وتم يوم أمس استلام 55 شاحنة، عبر معبر البوكمال الحدودي بدير الزور، ضمن ما أسمته "الدعم الإنساني والتعاون بين البلدين الشقيقين".

وتستهلك سوريا نحو 2.5 مليون طن من القمح سنوياً، وفق تقارير صحفية سابقة، يتم تأمين القسم الأكبر منها عن طريق الإنتاج المحلي فيما تستورد الباقي، بعد ما كانت مكتفية ذاتياً قبل 2011، بإنتاج يصل إلى أربعة ملايين طن سنوياً، مع إمكانية تصدير 1.5 مليون طن.

ويتوقع خبراء مناخ أن يكون لتغير المناخ تأثيراً شديداً على موارد المياه في سوريا، ما سيقلل إجمالي المياه المتاحة سنوياً بنسبة 32% في العام 2050. وفي الوقت نفسه، سيزداد الطلب على المياه بنسبة 15% نتيجة للنمو السكاني.

وتعد سوريا من البلدان المتضررة من التغير المناخي، وبذات الوقت من أكثر الدول التي لا تحصل على تمويل لمواجهة التغيرات المناخية منذ 2011، وتستمر المعاناة في القطاع الزراعي من ضعف الإنتاج، نتيجة صعوبات وعقبات كثيرة خلّفتها الحرب، تسببت بتضرر الأراضي الزراعية والمحاصيل ونزوح المزارعين وتهجيرهم، إضافة إلى توقف التصدير أو صعوباته.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض