الناجون من صيدنايا و"سجون الأسد": يكافحون ليعالجوا وناقوس خطر لغياب الدعم!

الناجون من صيدنايا و

سجن صيدنايا في سوريا المعروف باسم "المسلخ البشري" - روزنة

تقارير وتحقيقات | 26 06 2025

روزنة

بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، أصدرت منظمة العفو الدولية، اليوم الخميس، تقريراً يتضمن شهادات لناجين من سجون النظام السابق بما فيه سجن صيدنايا سيء الصيت، يتحدثون فيها عن صدمات جسدية ونفسية شديدة يعانون منها، في ظل مواجهتهم لنقص شبه تام ومقلق في الدعم.

وأوردت المنظمة شهادات ناجين وأعضاء منظمات تعنى بشؤون الناجين والمعتقلين والمختفين قسراً، ركزت على نقص الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي والقانوني، في ظل ضرورة ضمان حكومي لتقديم المشتبه بمسؤوليتهم عن التعذيب للعدالة وزيادة الدعم الدولي للمجتمع المدني والناجين.

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً يكشف ارتفاعاً صادماً في الحصيلة التوثيقية لضحايا التعذيب في سوريا، إذ ارتفعت بمقدار 30 ألف قتيل تقريباً، لتصل إلى 45 ألف سوري قضوا في سجون النظام السابق.

وقالت الشبكة في تقريرها السنوي إن عام 2025 شهد ارتفاعاً كبيراً في عدد الضحايا الموثقين بسبب التعذيب في "سجون الأسد" بسوريا، بسبب توفر آلاف البيانات من شهادات ووثائق وأدلة كشفت عن وفاة عشرات آلاف المختفين قسراً في فترات سابقة.

"الشبكة السورية": 45 ألف سوري قضوا تحت التعذيب في "سجون الأسد"

"الشبكة السورية": 45 ألف سوري قضوا تحت التعذيب في "سجون الأسد"

استعادة الكرامة الإنسانية

أكد الناجون الذين قابلتهم منظمة العفو أن المساءلة "أمر بالغ الأهمية لشفائهم"، وحول ذلك يقول يونس أحد الناجين أن التعويضات تتجاوز مجرد التعويض المال: "لا أريدها أن تكون معاملاتية. يجب أن تكون مُتعلقة باستعادة الكرامة الإنسانية".

وأوضح: "للتعويضات أيضًا جانب عاطفي ورمزي... تخيلوا كل ما حدث في سوريا على مدار الأربعة عشر عامًا الماضية، ومع ذلك لا يوجد رابط ملموسٌ بيننا وبين هذه الذكريات. لا لوحاتٍ تذكارية، ولا نصبٌ تذكارية. في دولٍ أخرى، يُشيّدون نُصبًا تذكارية ويُنظّمون أيامًا وطنية".

وتابع: "لا أريد أن يكون الأمرُ مُجرّد معاملات. بل يجب أن يكون مُتعلّقًا باستعادة الكرامة الإنسانية".

وقال يونس: "إن النهج الذي يركز على الناجين أساسي"، وتنقل عنه الشبكة "أن العديد من شبكات الناجين الشعبية اعتمدت هذه النهج في عملها، آخذةً في الاعتبار معاناة الناجين من فقدان الذاكرة، وأن الاستبيانات المطولة لتقديم المساعدة قد تُفهم على أنها استجوابات للناجين من الاحتجاز".

وترى منظمة العفو الدولية أنه يجب مراعاة حقوق جميع الضحايا "في أي جهود للحقيقة والعدالة والتعويض (...) بمن فيهم الذين تعرضوا لانتهاكات على يد جماعات المعارضة المسلحة السابقة"، مؤكدة أن على الإدارة الجديدة السعي للحصول على تعويضات من الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية.

يكافحون من أجل العلاج

"أدت سنوات من التعذيب والظروف اللاإنسانية إلى إصابة معتقلين سابقين بالسل، ومشاكل في عيونهم ومفاصلهم وأعصابهم. كما أن كسر الأسنان نتيجة التعذيب شائع بين الناجين، بالإضافة إلى أعراض تُشير إلى اضطراب ما بعد الصدمة"، وفق منظمة العفو الدولية.

وقالت بيسان فقيه، مسؤولة الحملات في المنظمة: "على مدى سنوات، كانت قصص التعذيب والاختفاء القسري والإعدامات الجماعية السرية في مراكز الاعتقال السورية سبباً في تجميد الدماء".

وتضيف: "لقد تجاوز الأمر كل الحدود، فالأشخاص الذين نجوا أحياء من هذه الزنازين المروعة التي تعذبهم يكافحون الآن من أجل الحصول على العلاج الطبي والعقلي العاجل".

"إن الحكومة السورية تواجه عدداً لا يحصى من التحديات الاقتصادية والسياسية، ولكنها لا تزال مضطرة، دون أي تأخير، إلى ضمان تقديم جميع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن التعذيب وغيره من الجرائم الدولية إلى العدالة في محاكمات عادلة أمام المحاكم المدنية العادية"، حسب العفو الدولية.

وتشدد المنظمة أن على الدول المانحة إعادة تمويل مجموعات الناجين ومنظمات المجتمع المدني والبرامج التي تدعم الناجين أو زيادته، بدلاً من قطع المساعدات أو تقليصها.

سجون الأسد... حيث لا تُشرق الشمس!

سجون الأسد... حيث لا تُشرق الشمس!

ناقوس خطر بشأن الدعم

أكد الناجون وشبكات الناجين أن الناجين "يحتاجون إلى دعم خاص وواعٍ بالصدمات النفسية ليعيشوا حياة كريمة، وشددت سميرة شواربة، من اتحاد الناجيات، على "حق الناجين في إعادة التأهيل، ليس فقط على المدى القصير ولكن أيضًا الدعم طويل الأمد الذي يمكّن الناجين من استعادة استقلاليتهم وتقديرهم لذواتهم".

وأشارت إلى "ضرورة إجراء فحوصات طبية شاملة، بما في ذلك فحوصات الدم، لتقييم التأثير الصحي الطويل الأمد لسنوات في ظروف مكتظة وغير صحية دون ضوء الشمس".

من جانبه، قال مهند يونس من منظمة "تعافي"، المعنية بدعم الناجين إن المنظمة فقدت 60% من تمويلها بسبب تعليق المساعدات الخارجية الأمريكية "مما حدّ بشدة من قدرتها على دعم الناجين الذين خرجوا من الاحتجاز قبل وبعد الإفراجات الأخيرة".

كذلك، اعتبر دياب سرية من منظمة "معتقلي ومفقودي صيدنايا" أن "الانخفاض العام في التمويل الأمريكي والأوروبي سيزيد حتمًا من معاناة الضحايا. إن خدمات الصحة النفسية في البلدان الخارجة من الصراع ليست ترفًا (...) بل هي أساسية للتعافي وإعادة إدماج الناجين على المدى الطويل".

وأشارت منظمات سورية مختصة أن الناجين لم يتمكنوا من الوصول إلى الرعاية الطبية التي يحتاجونها بشكل عاجل "أو كانوا يكافحون من أجل ذلك".

نصائح للتعامل مع المعتقلين الناجين والمشاعر المختلطة

نصائح للتعامل مع المعتقلين الناجين والمشاعر المختلطة

تكاتف بين الناجين

قال ناشط في دمشق لمنظمة العفو الدولية إن ناجياً من سجن صيدنايا تحدث عن زميل "احتاج إلى تصوير بالرنين المغناطيسي، وهو ما لم يتمكن من إجرائه في المستشفيات الحكومية. أخبرني أن الناجين الآخرين جمعوا مبلغ 600 ألف ليرة سورية (ما يعادل 70 دولارًا أمريكيًا) لإجراء الفحص الطبي الذي يحتاجه".

وأكد عبد المنعم الكايد، أحد الناجين من صيدنايا الذي أُفرج عنه في 8 كانون الأول، أن الناجين كانوا يحاولون جمع أموالهم لدعمه وغيره ممن يحتاجون إلى رعاية طبية، لافتاً إلى إنه "على الرغم من الاستجابة السريعة لمرض السل، إلا أن الاحتياجات الطبية الأخرى أُهملت"، وفق قوله.

وأوضح "الكايد": "لا يزال ما لا يقل عن 12 معتقلاً سابقاً على اتصال به بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة، وخاصةً عمليات الأعصاب وطب العيون، وتحتاج الغالبية العظمى منهم إلى علاج أسنان بسبب كسور الأسنان التي تعرضوا لها أثناء التعذيب".

وحول الدعم النفسي، أضاف: ""لقد حاولنا بكل الطرق الممكنة الحصول على الدعم النفسي، ولكن للأسف لم نتمكن من العثور على أي شيء".

وأكدت سميرة شواربة، من اتحاد الناجيات، على "ضرورة إجراء فحوصات طبية شاملة، بما في ذلك فحوصات الدم، لتقييم التأثير الصحي الطويل الأمد لسنوات في ظروف مكتظة وغير صحية دون ضوء الشمس"، حسب التقرير.

بدوره، قال أحمد حلمي من "تعافي" إن "الدعم موجود، ولكنه محدود، خاصةً مع انخفاض تمويل هذه المنظمات. على سبيل المثال، لم تعد المنظمات التي كنا نعمل معها سابقًا في مجال دعم الصحة النفسية قادرة على قبول الإحالات لعدم قدرتها على تحمل التكاليف".

منظمات سورية تحمّل الإدارة الجديدة مسؤولية إهمال ملف المختفين قسراً

منظمات سورية تحمّل الإدارة الجديدة مسؤولية إهمال ملف المختفين قسراً

عدم التكرار والمحاسبة

وفي تقرير "العفو الدولية"، قال عبد المنعم الكايد، إن "العديد من عائلات المعتقلين تعرضوا للابتزاز. وقد تعرضت عائلته للابتزاز بمبلغ 25,000 يورو مقابل وعود بالإفراج عنه (...) أطالب بمحاسبة رؤساء الأجهزة الأمنية حتى لا يفلتوا من العدالة، ولكل من تاجر بأرواحنا وابتز عائلاتنا".

ويرى أحمد حلمي أن ضمانات عدم التكرار كانت أساسية بالنسبة له كناجي من الاعتقال: "كانت هناك فترة من حياتنا أُزيلنا فيها من على وجه الأرض، ووُضعنا في مكان ما خلف الشمس، وتعرضنا لأهوالها".

وشرح: "سيبقى ذلك المكان وتلك الفترة وصمة عار، وسيستمران في التفاقم حتى نفهمهما. ولن يكتسبا معنى إلا إذا أصبحا أساسًا لضمان عدم خوض أطفالنا غمارهما. إن قيمة ومعنى ما مررنا به لا ينبعان إلا من ضمان عدم تكراره. إن لم نضمن ذلك، فلا معنى لما حدث".

وتقول الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي، إن التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي، وهو محظور تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظل أية ظروف وأن ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق تشكل جريمة ضد الإنسانية.

ويمثل يوم 26 حزيران فرصة لدعوة جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمجتمع المدني والأفراد في كل مكان إلى الاتحاد لدعم مئات الآلاف من الأشخاص في كافة أنحاء العالم ممن كانوا من ضحايا التعذيب، فضلا عن الذين لم يزلوا يتعرضون للتعذيب حتى اليوم، وفق الأمم.

تؤكد مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمسألة التعذيب، أليس جيل إدواردز، على "زيادة في استخدام التعذيب على مستوى العالم (...) وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن هناك 100 نزاع مسلح حاليًا. وللأسف، مع النزاعات المسلحة، يأتي ارتفاع في استخدام التعذيب (...)".

ويستمر السوريون وذوو الضحايا بإطلاق عمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بعد انتهاء المدة المحددة لتشكيلها دون الكشف عنها، ومباشرة أعمال الهيئة الوطنية للمفقودين التي كشفت عن عدد من مستشاريها.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض