تقارير وتحقيقات | 20 06 2025
على المنحدرات الصخرية القاسية لجبل قاسيون، حيث يمتزج الهواء البارد بعطر التاريخ، تنمو واحدة من أندر الزهور في العالم: السوسن الدمشقي (Iris damascena). هذه الزهرة البرية، التي لا توجد إلا في موقع واحد شمال دمشق، تُعد من الكنوز النباتية السورية، المهددة بالاختفاء بصمت.
تتفتح زهرة السوسن الدمشقي في أوائل شهر أيار/مايو، وتُظهر بتلاتها الرقيقة ألوانًا فريدة: أرضية بيضاء تزينها عروق بنية أرجوانية وبقع داكنة، تتوجها لحية من الشعيرات البنفسجية الدقيقة. يبلغ ارتفاع النبتة بين 25 إلى 30 سنتيمترًا، وتعيش في بيئة وعرة وجافة تتطلب ظروفًا خاصة: صخور كلسية، منحدرات شديدة الانحدار، شتاء بارد، وصيف جاف.
لكن جمال السوسن الدمشقي لا يحميه من خطر الزوال. فقد صنّفه الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) على أنه مهدد بخطر الانقراض الحرج، نتيجة الزحف العمراني على سفوح قاسيون، والرعي الجائر، واقتلاع النباتات البرية، فضلاً عن تأثيرات تغيّر المناخ. لا يُعرف سوى عدد محدود جدًا من هذه الزهور في البرية، ويخشى علماء النبات من اختفائها الكامل في السنوات القادمة إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة لحمايتها.
وصف هذا النوع علميًا لأول مرة العالم الفرنسي رينيه موتيرد عام 1954، ضمن بحوثه حول نباتات المشرق. تنتمي السوسن الدمشقي إلى عائلة السوسنيات (Iridaceae)، وتتكاثر بصعوبة عبر البذور، ما يزيد من هشاشتها البيئية. ورغم أن العديد من أنواع السوسن تُستخدم في صناعة العطور، إلا أن هذا النوع النادر لم يُزرع تجاريًا بعد، مما يزيد من خصوصيته.
ليست السوسن الدمشقي مجرد زهرة جميلة، بل رمز بيئي وثقافي يعكس فرادة البيئة السورية. فهي ليست فقط مؤشرًا على صحة النظام البيئي في جبل قاسيون، بل أيضًا مرآة لصراعٍ أكبر بين الطبيعة وامتداد المدينة، بين الأصالة والإهمال، وبين ما يجب أن نحافظ عليه وما نخسره في غفلة الزمن.
الصور تعود لصفحة موقع https://daylily-phlox.eu/