تقارير وتحقيقات | 2 06 2025

تفاقمت أزمة القطاع الصحي في اللاذقية بعد سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول 2024، إثر تحديات عديدة تواجه مديرية الصحة التي تسعى للنهوض بالمشافي الحكومية وتخفيف الأعباء على سكان المدينة.
هذا الواقع دفع البعض من أهالي اللاذقية للتوجه نحو المشافي الخاصة رغم ارتفاع تكاليف العلاج عوضاً عن المشافي الحكومية، ذلك، لأسباب عدة منها عدم وجود أطباء تغطي كافة الاختصاصات في القطاع الطبي العام وعدم توفر الأدوية، ناهيك عن الترهل الإداري وضعف التجهيزات الطبية وارتفاع ثمن الأدوية.
ومع سقوط النظام السابق، برزت أسباب أخرى دفعت العديد من أهالي اللاذقية للتوجه نحو المشافي الخاصة بعضها "نفسية"، بدافع الخوف من عناصر الأمن في بعض المشافي والذين ليسوا على ملاك المشفى (غير مصنفين كحرّاس أو سيكوريتي مهمتها تأمين المشفى) وإنما هم عناصر فصائلية حوّلت غرف الحراسة السابقة إلى ما يشبه المقر، وفق ما أفادت مصادر طبية في اللاذقية لروزنة.
وبحسب تلك المصادر فأنّ عناصر الأمن يتدخلون في بعض الأمور مثل ركن سيارات المرضى أمام الإسعاف أو دخولها إلى ضمن باب المشفى.
كذلك، فأنّ كثيرين من شبان الساحل كانوا موظفين في المؤسسات الأمنية والعسكرية للنظام السابق ويحملون اليوم بطاقات التسوية التي أصبحت بمثابة "تهمة"، جرى على إثرها اعتقال تعسفي وإعدام ميداني لأصحابها، لذلك فكل هؤلاء الشبان يفضلون المشافي الخاصة إذ تكون السطوة الأمنية أخف وأقل خطورة، وفقاً للمصادر.
وعانى القطاع الطبي في اللاذقية كما غيرها من المحافظات الأخرى من تداعيات هجرة الكوادر الصحية من أطباء وممرضين وفنيين في ظل غياب الحوافز التي تدفعهم للبقاء في سوريا والاستمرار في ممارسة المهنة.
كما أنّ عدد الأطباء في مشافي اللاذقية تراجع بعد "مجازر الساحل"، خصوصاً من قبل الأطباء من الإناث، وتعزو المصادر الطبية ذلك، لانتشار الخطف والقتل والخوف، إلى جانب بقاء هجرة الأطباء قائمة لدى قسم كبير منهم حتى بعد سقوط النظام السابق.
وكانت سوريا قد خسرت خلال العقد الفائت نصف كوادرها الطبية وفق أرقام نقابة الأطباء، نتيجة الاستهداف المباشر للمراكز الصحية، إضافةً إلى موجات الهجرة الواسعة، ما أثر سلباً على جودة الرعاية الصحية.
وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان لها صدر مؤخراً إن التخفيضات الأميركية على التمويل أدت إلى إغلاق 150 مرفقاً صحياً في سوريا، مطالبة بضمان زيادة الدعم المالي لسوريا للسماح بإطلاق استجابة شاملة تلبي احتياجات ملايين السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.
المشفى الوطني في اللاذقية - روزنة
سوء تنظيم
دعاء من أهالي اللاذقية تقول لروزنة إن المشافي قبل سقوط النظام السابق كانت تقدم الخدمات الجيدة فقط لمن لديه واسطة، وفق تعبيرها، مضيفة أن الأمر ازداد سوءاً في الفترة الحالية، نتيجة سوء التنظيم في الشمافي، لعدم قدرة العاملين على الالتزام بالدوام لضعف الرواتب.
وتوضح في حديثها لروزنة أن أحد أقربائها تأخر علاجه في أحد مشافي اللاذقية العامة لساعات طويلة نتيجة إهمال الأطباء رغم أن حالته كانت إسعافية وتتطلب علاج سريع "تلك التجربة جعلت العائلة تتجه نحو المشافي الخاصة خوفاً من الأهمال الذي يؤدي إلى أخطاء طبية لا تحمد عقباها على المريض".
وقال مشرف مديرية الصحة في اللاذقية الدكتور خليل آغا لروزنة، أن هناك "انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في اللاذقية من ناحية الأجهزة والخدمات والكوادر والنظافة خصوصاً بعد فصل كوادر وعمال النظافة".
وأوضح: "بعد سقوط النظام تم إصلاح عدد كبير من الأجهزة الطبية وإعادتها للخدمة وتأمين مواد لتشغيلها ووضعها تحت الاستخدام لتخفيف الضغط على الأهالي الذين كانوا يضطرون لدفع مبالغ كبيرة في المشافي الخاصة".
ويتعذر على أصحاب الدخل المحدود كالموظفين الذين يعتمدون على رواتبهم بشكل أساسي الذهاب للمشافي الخاصة لعدم قدرتهم على تسديد تكاليف الرعاية الصحية المرتفعة.
المشفى الوطني في اللاذقية - روزنة
نقص خدمات صحية
تعاني المشافي الحكومية من عدم توفر بعض الخدمات الطبية، وفق ما تقول سارة لروزنة، مشيرةً إلى أنها لم تستطع إجراء صورة ظليلية لطفلها الذي يعاني من مرض في أمعائه نتيجة تعطل جهاز التصوير في المشفى الحكومي، ما اضطرها لإجراء الصورة في مشفى خاص بتكلفة 3 ملايين ليرة سورية.
لا تنتهي معاناة المرضى من تراجع خدمات المشافي الحكومية، إنما تتعداها إلى صعوبات تأمين الأدوية للأمراض المزمنة كما حصل مع خلود التي تعاني من مرض السكري/ تقول: "خدمات المشافي العامة ومعاملة المرضى تحسنت بعد سقوط النظام لكن ما زالت المشافي تعاني من نقص في الأدوية".
تعليقاً على ذلك، بيّن الطبيب لؤي خليلو معاون المدير العام للشؤون الطبية في مشفى جراحة القلب، أن المشفى تقدم فقط الخدمة الطبية والاستشفاء وبعض الأدوية المتوفرة في المشفى بشكل مجاني، أما باقي التكاليف فتقع على عاتق المريض.
واعتبر خلال حديثه مع روزنة، أن هناك معاناة للمرضى في دفع تكاليف مختلف أنواع العمليات التي يجريها المستشفى نظراً لعدم توفر مستلزمات تلك العمليات في المشافي الحكومية.
المشفى الوطني في اللاذقية - روزنة
ويقدم مشفى جراحة القلب جميع الخدمات الطبية لمرضى القلب المتمثلة بالعمليات الجراحية وتبديل شرايين وتبديل الصمامات وزرع الشبكات وتركيب نواظم الخطى الدائمة والمؤقتة، على أن المريض يتحمل كافة التكاليف الخاصة بتلك العمليات، وفق "خليلو".
أما المشفى الوطني في اللاذقية وهو مشفى حكومي فيتحمل الثقل الأكبر من بين كل المشافي، إذ يستقطب المرضى من جميع المشافي الفرعية والجامعية ولا يتم تحويل المرضى منه إلا عندما يكون هناك جهاز معطل، وفق إفادة الطبيب عقيل مصطفى أخصائي داخلية في المشفى المذكور.
اقرأ أيضاً: تخفيض أجور الخدمات الطبية في المنشآت العامة السورية.. ماذا يعني القرار؟
ويقدم المستشفى خدماته بشكل مجاني كالعيادات الخارجية المتنوعة مثل(جلدية -عصبية- قلبية- دم -داخلية -عظمية -جراحة- أوعية).
وبحسب "عقيل"، يحتاج المشفى الوطني للدعم كونه مشفى مركزي وإلى صيانة للأجهزة الطبية واستبدال أخرى حيث يسعى كادر المشفى لإصلاح تلك الأجهزة عن طريق شركات طبية للتبرع للمشفى مثل أجهزة غسيل الكلى.
المشفى الوطني في اللاذقية - روزنة
ويتأخر تقديم الخدمة الطبية للمرضى إما بسبب الأعطال أو بسبب استراحة للأجهزة حتى يتم العمل عليها لوقت أطول أو لتخفيف الأعطال وخاصة جهاز الطبقي المحوري بسبب الضغط الهائل عليه وعدم وجود غير جهاز واحد فقط.
إلى ذلك يؤكد بعض أطباء المشافي العامة أن قرارات القائم بأعمال وزارة الصحة السابق ماهر الشرع فاقمت أزمة القطاع الطبي في اللاذقية نتيجة تسريح عدد كبير من الأطباء والممرضين وحتى الإداريين، ما أدى لنقص في بعض التخصصات الطبية.
ما أسباب سوء الرعاية الصحية؟
مدير الصحة في اللاذقية الطبيب أحمد الفرا أوضح أسباب تراجع القطاع الصحي، ومنها النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية وخاصة الأدوية المزمنة والسرطانية، وتهالك الأجهزة الطبية في المشافي وقدمها وكثرة الأعطال وعدم توفر القطع اللازمة للصيانة ما يشكل ازدحاماً شديداً في المشافي.
وأضاف، بأن قدم البنى التحتية والأبنية العائدة للقطاع الصحي وخروج بعضها من الخدمة كالمستوصفات في الريف الشمالي إلى جانب النقص في بعض الاختصاصات الطبية النوعية كالتخدير، والجراحة الصدرية، وأطباء الأورام، أدى إلى تراجع القطاع.
المشفى الوطني في اللاذقية - روزنة
وهذا الواقع دفع مديرية الصحة إلى الاعتماد على المنظمات والجمعيات والحملات التي تهتم بتقديم الخدمات الطبية وترفد القطاع الصحي بما يتوفر لديها من المواد والأدوية، وفق "الفرا"، مؤكداً أن المديرية تسعى لحث الأطباء المقيمين للتوجه نحو الاختصاصات النوعية لرفد القطاع بخبراتهم بعد التخرج.
من جانبه بيّن الطبيب آغا، بأن هناك عمل يتم لتأهيل عشرة مراكز صحية مركزية تستقبل بشكل عام معظم الحالات لتخفيف الضغط على المشافي ضمن المدينة بالتنسيق مع منظمة اليونسيف.
وقالت متحدثة منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، بداية كانون الثاني السابق، إن هناك حاليا أكثر من 15 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية في سوريا، وأنه لا توجد حلول سريعة في سوريا، وأن العديد من السوريين سيعودون إلى بلادهم بخبرات".
وأشارت "هاريس" في تصريحها لوكالة الأناضول، أن معظم المرافق الصحية تعرضت لأضرار، وتجاوزت قدرتها على استقبال المرضى "أو ببساطة تعاني من نقص التمويل"، لافتة إلى وجود فجوة كبيرة في التمويل، والحاجة لشراء كميات كبيرة من المعدات والمواد الطبية .