تقارير وتحقيقات | 26 05 2025

أمرت قوات "الأمن العام"، اليوم الاثنين، بفض اعتصام لمحامين وقضاة في القصر العدلي بمدينة حلب، على خلفية احتجاجهم لتعرض قاض للضرب والتعنيف على يد عناصر أمن أحد مخافر المدينة، كما منع مراسل روزنة من تغطية الاعتصام، فيما أكدت وزراة العدل توقيف المتورطين وفتح تحقيق.
وقال مراسل روزنة إن "الأمن العام" المنتشر في القصر العدلي، أخبر جميع المشاركين من قضاة ومحامين بفض الاعتصام أمام مكتب المحامي العام "والتوجه إلى أعمالهم وانشغالاتهم"، كما امتنع عدد منهم من الإدلاء بأي تصريح مصور أو مسجل أو مكتوب "بسبب عدم وجود تصريح من قبل وزارة العدل".
وأشار المراسل إلى أن "إدارة العلاقات الإعلامية" رفضت منحه تصريحاً لتغطية الاعتصام، إذ ردت بـن "التصوير حالياً ممنوع في القصر العدلي".
ونشر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، بعد ظهر الاثنين، مقطعاً عبر حسابه في فايسبوك، يوثق الاعتصام في القصر العدلي وهتاف "وين الكرامة وينا.. وين الحرية وينا (...) بدنا دولة قانون"، مشيراً إلى توقف القضاة عن العمل.
وفي مقطع آخر مدته ثلاث ثوان، نشره المرصد، ظهر عنصران يرتديان زي يرجح أنه لـ"الأمن العام" يبدوان وهما يطلبان من المصور إطفاء الكاميرا، مع صوت يتردد كهتاف في بهو القصر العدلي "قضاء مستقل".
وأشار حساب باسم "منصة المحاماة السورية" في فايسبوك، إن المشاركين بالاعتصام أعلنوا إضراباً وعدم النظر في أي قضية إلى حيت اتخاذ إجراءات قانونية بحق المجموعة التي اعتدت على القاضي أحمد حسكل بالضرب.
ما القصة؟
قال القاضي أحمد حسكل، أمس الأحد، إنه تعرض خلال مناوبته كقاضي جرم مشهود مساء يوم السبت، للضرب والتعنيف الجسدي والاعتداء لفظياً من قبل عناصر "قسم الصالحين" خلال فترة توقيفه لساعات في المركز التابع لـ"الأمن العام" (الأمن الداخلي حديثاً).
وأوضح القاضي في منشور منسوب له، نشره زملاء له بينهم المحامي باسل مانع، إن القصة بدأت عندما رافق عناصر "قسم الصالحين" خلال فترة مناوبته إلى مشفى حلب الجامعي حيث توجد جثة شخص قتل بجريمة، لكن تجمع عدد كبير من ذويه، دفعه لطلب تأجيل فتح المحضر حتى الوصول إلى مقر الطبابة.
وحسب روايته، فضل البقاء بالسيارة وطلب من السائق إبلاغ مساعد قسم الشرطة، التأجيل، لكن الأول تجاهل المطالبة المتكررة، ليضطر إلى إبلاغ المساعد بنفسه أمام باب المشفى "وكان خطابي ضمن الأصول"، ليلحقه شخص ويسأله عن سبب حديثه بطريقة غير لبقة مع العناصر، فنفى القاضي ذلك.
اقرأ أيضاً: "محكمة قضايا الإرهاب" في سوريا.. من أداة قمع إلى موضع تقييم!
"ضرب بالبوري"
لاحقاً، تطور السجال إلى صفع الشخص للقاضي ورد الأخير عليه بالمثل، ليتبين حسب الرواية أن الحادثة حصلت مع رئيس "قسم الصالحين" الذي طلب من عناصره وضع القاضي بـ"باكاج السيارة مع أحد الموقوفين (...) وهم يصرخون شبيح شبيح".
وتحدث القاضي في المنشور، عن "دفعه بشكل غير لائق" عند الدرج من قبل عناصر القسم بمجرد الوصول إليه، ما تسبب بإصابة في الرأس، ليتعرض لاحقاً للضرب من قبل أربعة عناصر بالأقدام و"بوري غليظ بلاستيكي" (عصا حديدية)، وسط إساءات لفظية وشتائم وصراخ "شبيح شبيح".
أيضاً، زعم حسب قوله إن رئيس القسم عذب أحد المساجين صباحاً، ثم فتح باب المنفردة التي اعتقل بها القاضي "وبدأ بسبي وشتمي (...) ثم تم وضعي ضمن غرفة وإنزالي جاثياً وضربي على كافة أنحاء جسدي بواسطة البوري وعلى رأسي بشكل مباشر وحاولت صد الضربات بيدي، وطالت فترة التعذيب 10 دقائق".
وأضاف القاضي أنه طلب من "رئيس القسم" إنهاء حياته بدلاً من إهانته، ليرد الأخير "أنه سيقوم بتصفيتي (القاضي) خارج قسمه في حال عدت لوظيفتي، أو تقدمت بأي شكوى ضده وقال لي أعلم الوزير (وزير العدل) مظهر الويس أنني سأقوم بتصفيتتك خلال يومين، في حال لم تنفذ أوامري".
وهدد رئيس القسم، حسب رواية القاضي، أنه "سيقوم بتصفية كل قضاة النظام البائد واحداً تلو الآخر، على حد قوله, ثم قال لي أنه سيقوم خلال فترة قريبة بتصفية قاضي كتب عنه منذ يومين في الفيسبوك"، قبل أن يحضر المحامي العام وقاضي التحقيق الأول وإخراجه.
وقال القاضي إن رئيس العدلية "تفاجأ بحجم الكدمات وآثار الضرب الذي تعرضت له وقام مشكوراً بالتواصل مع وزير العدل وإعلامه بما سلف"، محملاً في ختام منشوره المتداول مسؤولية سلامته الشخصية لرئيس "قسم الصالحين" الذي ذكره بعد ركله قبل إخراجه بما قاله له (التهديد).
ولم يتسن لروزنة التحقق من صحة المنشور أو ما ورد فيه من مصدر مستقل.
ورصدنا خلال إعداد المادة اتهامات للقاضي من قبل ناشطين محليين بالاعتداء على عناصر الشرطة أمام باب المشفى، ليكون هو من بدأ بالاعتداء وليس العكس، وفق الرواية المتداولة، التي لم يتسن لروزنة التحقق من دقتها أيضاً من مصدر مستقل.
أيضاً، اختلفت الروايات بين تأكيد ونفي، حول إن كان "حسكل" قاضي في محكمة الإرهاب بعد انطلاق الثورة السورية في 2011.
وزارة العدل: ملتزمون بحماية القضاة
نشرت وزارة العدل السورية بياناً، أكدت فيه و"فور ورود خبر الاعتداء على القاضي "أحمد حسكل" كثّفت وزارة العدل تواصلها مع الجهات المعنية، إذ تواصل وزير العدل شخصياً مع وزير الداخلية، الذي استنكر الحادثة بشدة، ووجّه بالإسراع في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
وأضافت في البيان الذي نشر بعد نحو ساعة من تداول مقطع الاعتصام ظهراً في القصر العدلي: "تم على الفور توقيف المتورطين في الحادث، وفُتح تحقيق عاجل، وأحيل الملف إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة".
وأكدت "الوزارة" التزامها الكامل بحماية القضاة وتعزيز استقلال القضاء، كما حذرت مما وصفته "الانسياق وراء الشائعات والأخبار المغلوطة، حيث لم يسبق للقاضي "أحمد حسكل" العمل في محاكم الإرهاب الملغاة".
وختم البيان الذي نشر عبر المعرفات الرسمية ووكالة "سانا"، بالتشديد على أن "سبل المحاسبة والعدالة تتم عبر القنوات القانونية الصحيحة، داعية إلى عدم اللجوء لأي إجراءات خارج نطاق القانون".
إدانة وتضامن
وتحولت الحادثة إلى قضية رأي عام، إذ عبر حقوقيون وناشطون وصحافيون عن تنديدهم بالاعتداء على القاضي.
وقال الحقوقي والمحامي ميشيل شماس عبر حسابه في فايسبوك، إن "الاعتداء على القاضي من قبل عناصر الشرطة كمن يهدم أساس بيته"، واستنكر في منشور آخر ما قال إنه تبرير البعض لما حصل.
كذلك، اعتبر المحامي فراس عابدين إن عدم محاسبة العناصر الأمنيين المعتدين على القاضي في حلب "سيكون هذا الأمر هو المسمار الأول بنعش العدالة في سوريا".
واعتبرت الناشطة كاترين حداد في منشور لها، إن سوريا في خطر لو كان القضاة في خطر، داعية إلى تنفيذ إضراب في القصر العدلي "حتى تقديم المعتدين إلى العدالة".
ولم يصدر عن وزارة العدل السورية عبر معرفاتها الإلكترونية الرسمية، أي تعليق حول الحادثة حتى ساعة نشر المادة.
وفي نيسان الماضي، أثار مقطع مصور للصحافي السوري لؤي أبو الجود من أمام القصر العدلي في حلب، موجة استنكار وغضب، بعد أن أعرب عن "مفاجأته" من وجود القاضي حسين فرحو على رأس عمله، الذي سبق أن حكم عليه وآخرين بالسجن لمدة طويلة بسبب تظاهرهم ضد النظام السابق.
وبعد ساعات من تداول المقطع، أصدرت نقابة المحامين فرع حلب، قراراً بـ"وقف الترافع أمام القاضي حسين فرحو في كافة القضايا المعروضة أمامه، وذلك لحين اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة ضده، بما في ذلك التحقيق معه من قبل الجهات المختصة".
واتهمت النقابة "فرحو" بتورطه "في ارتكاب جرائم جسيمة ضد الشعب السوري في إطار دوره الوظيفي، والتي تمثل انتهاكاً للقيم الإنسانية وحقوق الشعب السوري في العدالة والمساواة"، مستندة على معلومات ووقائع واطلاع على تقارير وشهادت موثقة تدينه.
وأكدت النقابة في قرارها الصادر أمس، والذي نشرته عبر حسابها في فايسبوك، تجميد أي نشاط قانوني أو محاماة أمام القاضي "فرحو" من قبل المحامين الممارسين في حلب، داعية المحامين إلى الالتزام بالقرار.
وسبق أن أثيرت موجة استنكار واسعة لدعوة وزارة العدل في حكومة تصريف الأعمال، القضاة ومحامي الدولة والعاملين في الوزارة ممن انشقوا أو فُصلوا بسبب مواقفهم من الثورة السورية، إلى تقديم طلبات للعودة إلى وظائفهم السابقة.
ورأى كثيرون بعد القرار في آذار الماضي، أن شروط العودة لا تضمن استقلال القضاء، بل جاءت أشبه بـ"محاكمة جديدة" لمن قرروا الانشقاق سابقاً، و بخاصة مع اشتراط تقديم "إثبات الانشقاق" وتوضيح الأعمال التي زاولوها منذ مغادرتهم مواقعهم الرسمية.