تقارير وتحقيقات | 18 04 2025

قرار صادر أمس الخميس، عن وزير العدل في الحكومة السورية الانتقالية، مظهر الويس، يقضي بتشكيل لجنة قضائية لدراسة الأحكام القضائية والإجراءات الصادرة عن "محكمة قضايا الإرهاب" والمحاكم الاستثنائية الأخرى، أثار انتقادات حقوقيين سوريين.
تعتبر الوزارة القرار خطوة نحو تحقيق العدالة وضمان الحقوق الدستورية، فيما يرى حقوقيون ومعارضون أن القرار يضفي شرعية على أحكام محاكم غير قانونية شُكّلت أساساً لقمع المعارضين السياسيين للنظام السابق، ويخالف روح الإعلان الدستوري الصادر حديثاً.
تتناول هذه المادة أبعاد القرار الجديد، وتستعرض آراء قانونيين وحقوقيين، وتسلّط الضوء على الخلفية التاريخية لـ"محكمة قضايا الإرهاب" التي شكلت لعقد من الزمن أحد أبرز أدوات القمع في يد النظام السابق، وفق ما تؤكده تقارير أممية وحقوقية.
اقرا أيضاً: أحمد الشرع يعلن تشكيلة الحكومة السورية
ما أهداف قرار وزير العدل؟
القرار الذي ينص على تشكيل لجنة قضائية متخصصة لدراسة الأحكام والإجراءات الصادرة عن محكمة قضايا الإرهاب والمحاكم الاستثنائية الأخرى، يهدف وفق بيان وزير العدل، إلى تقييم مدى مشروعية الأحكام ومواءمتها مع الضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حقوق جميع المواطنين.
وستتولى اللجنة إعداد تقارير دقيقة تشمل تحليلاً قانونياً لكل حالة، ورفع تقارير دورية إلى مجلس القضاء الأعلى شهرياً مرفقة بمقترحات لإلغاء الأحكام التي يثبت مخالفتها للمعايير القانونية واستخدامها لقمع الحقوق والحريات الأساسية، بحسب البيان.
وجاء القرار بعد أسبوع من انتقادات حادة طالت وزير العدل مظهر الويس، حيث ظهر في صورة وهو يصافح رئيس النيابة العامة بمحكمة الإرهاب سابقاً، عمار بلال، خلال استقبال "الويس" لقضاة وموظفي الوزارة في دمشق.
لاحقاً، أصدرت وزارة العدل توضيحاً قالت فيه إن مصافحة "الويس" لعمار بلال "لا تحمل أي دلالة على التسامح أو المصالحة مع أي من الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات بحق الشعب السوري"، وإنما جاءت خلال تهنئة الوزير لقضاة في عيد الفطر، دون أي معرفة مسبقة بشخص القاضي أو بتاريخه المهني، وفق وكالة "سانا".
متى أنشئت محكمة الإرهاب وما هي؟
أنشئت "محكمة قضايا الإرهاب" في سوريا بموجب المرسوم التشريعي رقم 22 الصادر في 26 تموز عام 2012 وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام السابق والتي اندلعت في آذار 2011.
وفق المرسوم، الهدف المعلن من المحكمة "النظر في جرائم الإرهاب" الموجهة للمدنيين والعسكريين، فيما "لا تنظر المحكمة بالحقوق والتعويضات المترتبة عن الأضرار الناتجة عن الجرائم في الدعاوى التي تفصل بها".
وفي القانون السوري، تحدّد "جرائم الإرهاب" بشكل رئيسي في القانون رقم 19 الصادر في تموز لعام 2012، المعروف باسم "قانون مكافحة الإرهاب".
ويعرّف الإرهاب، وفق القانون، بأنه " كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة، ويرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أوالعوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته".
الهدف غير المُعلن وفق المنظمات الحقوقية، هو رغبة النظام السابق لاستخدام تلك المحكمة كأداة لقمع المعارضة السياسية والناشطين، إذ تم تحويل آلاف المدنيين لمحاكمتهم بتهم تتعلق بـ"الإرهاب"، في ظل غياب معايير المحاكمة العادلة.
قد يهمك: انتقادات جديدة لوزارة العدل السورية وغضب من "الويس" بعد "الويسي"!
انتقادات ومطالبات حقوقية
ولاقى قرار وزير العدل في الحكومة السورية الانتقالية موجة من الانتقادات في الأوساط الحقوقية والقانونية، إذ اعتبره عدد من المحامين والحقوقيين تناقضاً صريحاً مع المادة 48 من الإعلان الدستوري الصادر في آذار الماضي، والتي تنص على إلغاء مفاعيل أحكام محكمة الإرهاب واعتبارها "جائرة"، بما في ذلك استعادة الممتلكات المصادرة.
المحامي ميشال شماس كان من أوائل المنتقدين للقرار، قال إن الخطوة تخالف المادة 48 من الإعلان الدستوري التي نصت على "إلغاء مفاعيل أحكام محكمة الإرهاب الجائرة بما فيها رد الممتلكات" و "تضفي صفة المشروعية" على أحكام محكمة يفترض أن يتم إلغاؤها لا دراستها، محذراً من أن القرار يعيد إحياء منظومة استثنائية كان يفترض دفنها.
وأضاف شماس عبر منشور في "فيسبوك" أن الأمر لا يقتصر على "محكمة قضايا الإرهاب"، بل يشمل أيضاً محكمتي الميدان العسكري وأمن الدولة العليا، اللتين وصفهما بأنهما "أفرع أمنية بهيئة محكمة"، داعياً إلى إصدار قانون صريح بإلغاء أحكامها بدلاً من مراجعتها.
ونصت المادة (48) من الإعلان الدستوري الصادر في آذار الفائت، على أن: " الدولة تمهد الأرضيّة المناسبة لتحقيق العدالة الانتقالية من خلال: إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي ألحقت ضرراً بالشعب السوري وتتعارض مع حقوق الإنسان، وإلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب التي استخدمت لقمع الشعب السوري بما في ذلك ردّ الممتلكات المصادرة".
من جانبه، قال المحامي عارف الشعال في منشور عبر فايسبوك أيضاً، أن القرار "بمحله" مفسراً وجهة نظره بأن "المحاكم الاستثنائية لم تحاكم الثوار فقط" وأن "للجنة جانب تفتيشي على القضاة الذين نظروا في القضايا" وأن "المحكمة مجمدة ولم تلغ حالياً".
وتابع: "هذا القرار يلحظ مراجعة الأحكام الصادرة عن المحاكم الاستثنائية الأخرى غير محكمة الإرهاب، والتي أغفلها الإعلان الدستوري بقصور واضح منه! وهي (المحاكم الميدانية وأمن الدولة) وبالرغم من أن هاتين المحكمتين ألغيتا، ولكن آثارهما باقية (...)".
وأعرب المحامي غزوان قرنفل عن استهجانه للقرار، معتبراً أنه يسير بعكس الاتجاه المطلوب للعدالة الانتقالية.
وقال: "تريدون اليوم التدقيق في الأحكام الصادرة عن محاكم الإرهاب قبل إلغائها؟ وكأن النظام أحال غير المعارضين لتلك المحاكم!". واعتبر أن المتضررين الحقيقيين من هذه الأحكام ما زالوا مكبلين بقيودها بينما ينعم من تسبب بها بحرية القرار والسلطة.
من جهتها، رأت المحامية رنا رمضان، عضوة مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن مجرد التفكير في "دراسة" هذه الأحكام هو مضيعة للوقت، مشددة على أن المطلوب هو رد الحقوق فوراً دون مماطلة من خلال لجنة تقوم بعملية الرد.
وأشارت خلال حديثها مع روزنة إلى خلل بنيوي في المحكمة نفسها، التي لا يقتصر تشكيلها على القضاة بل يضم أيضاً ضباطاً أمنيين، ما يفقدها استقلاليتها.
وأضافت أن المحكمة تأخذ بالاعترافات المنتزعة تحت التعذيب وتتجاهل أصول المحاكمات، بل ولا تسمح للمحكومين غيابياً حتى بالاعتراض على الأحكام أو استئنافها.
وبالمقابل، وصف المحامي عاصي حلاق القرار لروزنة بأنه خطوة إيجابية وضرورية لكشف جرائم النظام السابق، معتبراً أن مراجعة الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة يمكن أن تسهم في فضح التجاوزات التي ارتُكبت باسم القانون.
هذه الخطوة "ليست تبييضاً للماضي بقدر ما هي محاولة لوضع اليد على الأخطاء ومنع تكرارها" ولا سيما أن المحكمة أنشأها النظام السابق لتغطية جرائمه و الاختباء وراءها كواجهة قانونية، لاعتقال الناشطين وإعدامهم بتهمة الإرهاب، وفق قول "حلاق".
ورأى المحامي أن المحكمة بمثابة الملغاة لكن البحث سيكون في ماهية الأحكام الصادرة عنها سابقاً.
لكن القاضي خالد شهاب الدين، كان أكثر حدة في موقفه، إذ طالب بإعلان بطلان أحكام المحكمة بطلاناً مطلقاً ومحاسبة المسؤولين عنها، متهماً إياها بأنها كانت "أداة لقمع الثورة السورية ومعاقبة كل من نادى بإسقاط النظام".
المحكمة أداة سياسية وأمنية لقمع المعارضين
وفق تقرير لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تشرين الأول 2020، أفاد أن "محكمة قضايا الإرهاب تُستخدم كأداة سياسية وأمنية لقمع المعارضين، حيث نظرت في نحو 91 ألف قضية، ولا يزال أكثر من 10,767 شخصاً يخضعون لمحاكماتها.
ووثّق التقرير 3,970 حالة حجز على ممتلكات. وأشار إلى أن المحكمة تفتقر إلى ضمانات المحاكمة العادلة وتخضع لهيمنة الأجهزة الأمنية.
وذكر التقرير 14 سبباً يجعل من "محكمة قضايا الإرهاب" فرعاً أمنياً إضافياً لخدمة النظام السوري بدءاً من الاعتقال التعسفي ثم انتزاع اعترافات تحت التعذيب وإحالة الضبوط التي دونت فيها اعترافات تحت التعذيب من الأجهزة الأمنية إلى النيابة العامة في محكمة الإرهاب، حيث لا تطبق أصول المحاكمات ولا قواعد الإثبات في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والمحاكمة.
وذكر إلى أن النص القانوني الذي تعمل بموجبه المحكمة يتضمن انتهاكات صارخة للقانون الدولي لحقوق الإنسان لأبسط المعايير القانونية، حيث قد تمت صياغة المواد بطريقة فضفاضة تمكن المحكمة من توجيه تهم بكل سهولة.
كما ينص قانون مكافحة الإرهاب الذي تحكم "محكمة الإرهاب" بموجبه نصوصاً تهدف إلى السيطرة على ممتلكات المعارضين السياسيين والعسكريين، وذلك وفقاً للمادة 11 والمادة 12 من نصوصه.