تقارير وتحقيقات | 20 05 2025

قالت منظمة العفو الدولية "امنستي" في تقرير لها، اليوم الثلاثاء، إن الفوضى الناجمة عن التخفيضات الأخيرة في التمويل الأمريكي، يجب أن تؤدي إلى انخفاض سريع في عدد المحتجزين المتهمين من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وعائلاتهم، في مراكز احتجاز ومخيمات شمالي شرقي سوريا.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أغنيس كالامارد: "من غير المقبول أن تعمل إدارة ترامب على إضعاف أحد أكثر المعسكرات تقلباً في العالم من خلال قطع التمويل بشكل مفاجئ".
وأضافت: "إن الفوضى التي أحدثتها تخفيضات ميزانية إدارة ترامب قد تكون لها آثار كارثية على عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال المحتجزين في شمال شرق سوريا (...) لقد حان الوقت لوضع حد نهائي لنظام الاحتجاز غير القانوني هذا".
وأظهر التقرير أن قاطني المخيمات منها الهول وروج "يواجهون بالفعل ظروفاً معيشية غير إنسانية وخطيرة للغاية، مع عدم كفاية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية. إنهم مجبرون على العيش في حياة غير مستقرة ومحفوفة بالمخاطر في كثير من الأحيان، وتتميز بالعنف وأشكال من الانحراف".
وقالت امرأة (28 عاماً) لمنظمة العفو: "نحن نعيش في رعب".
"ويبقى حوالي 46,500 سوري وعراقي وغيرهم من الأجانب في المخيمات ومراكز الاحتجاز (في الحسكة). أغلبية هؤلاء الأشخاص هم من النساء والأطفال. ومن بين الرجال المحتجزين في مراكز الاحتجاز، هناك ما بين 2000 و3100 أجنبي، ونحو 2000 سوري لم تتم محاكمتهم بعد"، حسب التقرير.
فوضى في الهول
وبدأت حالة الفوضى في مخيم الهول منذ 20 كانون الثاني الماضي، عند إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف مؤقت للمساعدات الدولية، إذ اكتشفت بعد أيام مديرة المخيم جيهان حنان غياب 300 موظف في منظمة "بلومونت" الممولة أمريكياً، بينهم من يوفرون الأمن للمكاتب والمستودعات.
ومع غياب موظفي "بلومونت" وهي منظمة غير حكومة مقرها الولايات المتحدة، تحتفظ بقاعدة بيانات سكان المخيم، اضطرت "حنان" لاقتحام مكاب المنظمة لاستكمال عمليات إعادة وترحيل نحو 600 عراقي كان من المقرر ترحيلهم في ذلك اليوم من مخيم الهول.
لاحقاً، استعانت "الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا" بمنظمات غير حكومية أخرى، لتسليم الغذاء والمياه، واستأجرت 40 عنصراً أمنياً لحماية المكاتب، قبل أن تمنح الحكومة الأمريكية "بلومونت" إعفاءاً يسمح لها باستعادة بعض تمويلها، وفق التقرير.
وعادت المشاكل إلى الظهور في نيسان مع تعليق التمويل لمدة 24 ساعة لمنظمة غير حكومية تسلم الطعام إلى المخيم، قبل أن تصفها إدارة ترامب لاحقاً بالخطوة الخاطئة.
وخفضت الحكومة الأمريكية ما لا يقل عن 117 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للمشاريع في شمال شرق سوريا، ومع ذلك، فقد تمت استعادة بعض التمويل منذ ذلك الحين، وفق آخر الإحصاءات المتوفرة، حسب "امنستي".
قلق وتعليق مشاريع
وعبر أشخاص للمنظمة الدولية عن قلقهم إزاء إعلاق مراكز صحية وتقليص عدد سيارات الإسعاف لخدمات الطوارئ، فضلاً عن فقدان البرامج ما يسمى بـ"مراكز إعادة تأهيل الأولاد المنفصلين قسراً عن عائلاتهم" في المخيمات، مع تأثر برامج المساعدة لمغادري المخيم، خاصة داخل سوريا.
كذلك، علقت خمسة مشاريع كانت مقررة في مخيم روج بداية آذار بعد سحب التمويل، وسط خشية أشخاص وقلقهم الشديد من تمكن تنظيم "الدولة" بتجنيد أشخاص في المخيمات.
ممثل منظمة قال: "مع تقلص الخدمات في المخيمين وتزايد جوع الناس وعدم قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية، يصرخ سكان الهول وروج [لداعش]: تعالوا واقتلونا"، ونفذت "الإدارة الذاتية" حملة أمنية في الهول بسبب ما وصفته "زيادة محاولات تهريب عائلات داعش واستمرار عمليات التجنيد".
وعلى الرغم من استعادة بعض التمويل المخصص لجمعية الهول، "فإن حالة عدم اليقين الناجمة عن هذه التخفيضات تسببت في أضرار لا رجعة فيها لمشاريع مختلفة. وأوضح ممثل إحدى المنظمات الإنسانية أنه بمجرد انتهاء عقود الموظفين، تصبح عملية إعادة التوظيف وإعادة إنشاء البرامج صعبة"، وفق التقرير.
وتواجه الأمم المتحدة تحديات تمويلية في ظل عدم قدرة عدد من المنظمات غير الحكومية الوصول لأموالها لعدم تسجيلها لدة الحكومة السورية في دمشق "وهي العملية التي تعارضها بعض المجموعات بسبب متطلبات التسجيل الصارمة".
"حالة خطيرة من عدم اليقين"
وختمت "امنستي" تقريرها بالتشديد على أن "الفوضى الحالية الناجمة عن سحب التمويل الإنساني الأمريكي تخلق حالة خطيرة من عدم اليقين"، داعية الحكومة الجديدة و"الإدارة الذاتية" لمعالجة ما وصفته "نظام الاحتجاز غير الإنساني"، وضرورة عدم الأمم المتحدة والتحالف لتقليل عدد المحتجزين.
وتصف المنظمة في تقريرها عملية احتجاز "الإدارة الذاتية" بدعم من التحالف لعشرات الآلاف، بأنها تتم "بشكل غير قانوني ولم تتاح لهم الفرصة للطعن في احتجازهم، وتعرض بعضهم للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة".
ويمثل السوريون والعراقيون نحو 80 بالمئة من نسبة المحتجزين في مخيم الهول، بينما يأتي الباقون من نحو 60 دولة، في ظل استعادة العراق أكثر من 5600 شخص من الهول، واستمرار تواجد نحو 16 ألف شخص سوري كانوا في مناطق سيطرة النظام السابق أو فصائل المعارضة، وفق التقرير.
وتقول "امنستي": "خروج سكان مخيم الهول أمر إيجابي. ولكن لا ينبغي ببساطة نقل هؤلاء الأشخاص من مركز احتجاز إلى آخر، كما هو الحال في مركز الجِدّة في العراق، حيث وثقت منظمة العفو الدولية العام الماضي حالات تعذيب واختفاء قسري".
ومن الأولويات الأكثر إلحاحاً "تقليص حجم المخيمات. قبل أن تتمكن العائلات من مغادرة المخيمات، يجب على الأطفال والشباب المنفصلين عن عائلاتهم أن يجتمعوا مع أحبائهم"، تقول المنظمة داعية الدول استئجار رحلات فورية لإعادة رعاياها من الأطفال ومقدمي الرعاية لهم والضحايا المحتملين للاتجار بالبشر.
وضمن توصياتها في التقرير، قالت إنه ينبغي التحقيق مع البالغين المتبقين ومحاكمتهم بتتهمة ارتكاب جرائم أو إطلاق سراح الباقين "وينبغي للحكومة السورية والدول الأخرى المساعدة في إعادة توطين أولئك الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم"، وفق قول المنظمة.
وتابعت: "إن ضحايا الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش يستحقون العدالة. وحتى لو أعيد الأشخاص إلى أوطانهم للمحاكمة، فسوف تبقى هناك مجموعة متبقية من السوريين ومواطني بلدان أخرى غير قادرين على العودة إلى أوطانهم".
ودعت "العفو الدولية" الحكومة السورية الجديدة، بدعم من "الإدارة الذاتية" والمجتمع الدولي، أن تطلق خطة للمحاكمات تتوافق مع المعايير الدولية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، أجاب على أسئلة موفد روزنة في قصر الاليزيه ، حول ملف استعادة باريس ودول الاتحاد الأوروبي لعائلات عناصر تنظيم "الدولة" من مخيمات شمالي شرقي سوريا، وإمكانية اتخاذ خطوات جدية بهذا الشأن.
وقال "ماكرون" قبل أيام خلال المؤتمر الصحفي: "بخصوص المقاتلين الأجانب المحتجزين حالياً في سوريا، الأولوية بالبداية هي تحقيق الاستقرار في سوريا وضمان الأمن في هذه السجون، ونحن نعمل على هذه المسألة، واتفاق 10 آذار (الشرع-عبدي) مهم جداً لضمان الاستقرار".
وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده هي شريك موثوق لتحقيق العدالة (في سوريا)، ولضمان أمن الفرنسيين والفرنسيات والسوريين والسوريات على طول عملية التقدم بملف المقاتلين الأجانب المحتجزين وعائلاتهم.
وأضاف في رده على سؤال موفدنا: "العديد من المقاتلين الأجانب سيحاكمون في سوريا والبعض سابقاً حوكم في العراق والبعض سيحاكم في فرنسا. هذه عملية ستكون مطولة وسندخل لاحقاً في تفاصيلها (...) سيكون هناك لاحقاً، سلسلة نقاشات فنية وتعاون قضائي وأمني بين البلدين".
وتجاهل الرئيس "ماكرون" الإجابة بشكل مباشر حول الخطوات الفعلية لعائلات عناصر التنظيم من نساء وأطفال في مخيمات الحسكة، كما جاءت في سؤالنا، وتحدث فقط عن العناصر الأجانب المحتجزين في السجون شمالي شرقي سوريا.
وسبق أن قالت السفارة الأمريكية في سوريا، ببيان في أيلول الماضي، أن الولايات المتحدة ما زالت أكبر جهة مانحة منفردة للمساعدات الإنسانية استجابة للأزمة السورية.
وقد ساهمت بحوالى 1,2 مليار دولار للاستجابة لما يحصل في سوريا وتداعياته في المنطقة في السنة المالية 2024، بالإضافة إلى أكثر من 18 مليار دولار منذ بدء الأزمة منذ 13 عاماً، حسب البيان.