تدهور الزراعة بريف إدلب: الجفاف يعمق معاناة المزارعين

تدهور الزراعة بريف إدلب: الجفاف يعمق معاناة المزارعين

تقارير وتحقيقات | 5 05 2025

بشار الفارس

تسببت التقلبات المناخية (الجفاف) والكوارث الطبيعية (زلزال شباط 2023) في تلف الأشجار الزراعية وتشققات في الأراضي في ريف إدلب الذي يعاني من تراجع إنتاجية المحاصيل، بالإضافة إلى نقص المياه والتكاليف المرتفعة للري.

تفتقر المنطقة إلى الدعم الحكومي ودعم المنظمات المختصة وسط زيادة معاناة المزارعين الذين باتت مزارعهم غير قابلة للاستصلاح وسط خسائر كبيرة في مصادر رزقهم مع تراجع الإنتاج الزراعي، وارتفاع تكاليف إعادة التأهيل، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية وقلقهم المستمر حول مستقبل الزراعة في المنطقة.

وتقول الأمم المتحدة "إن سوريا من بين أكثر الدول عرضة لأحداث المناخ القاسية، وثالث أكثر دولة عرضة للجفاف في العالم"، ووفق بيان أصدرته في عام 2021، فإن الظروف القريبة من الجفاف في شمال وشمال شرق البلاد تعني أن نحو 40% من المناطق الزراعية المروية لم يعد يمكنها الاعتماد على توافر المياه، وأن أكثر من مليون شخص في خطر التعرض للجوع.

اقرأ أيضاً: زراعة القمح في إدلب يهدّدها "دعم حكومي".. وخسارة أليمة للمزارعين

خسارة مصدر العيش

عمر أبو محمد 44 عاماً، هو واحد من مزارعي ريف إدلب (قرية عين البكارة) تعرض لخسارة أشجار الرمان والخوخ اللذان كانا مصدر معيشته. يقول لـ "روزنة": "منذ 6 شباط 2023 نعاني من الخسارات في الأراضي الزراعية وذلك بعد انهيار أراضينا بسبب الزلزال، وفقدان معداتنا الزراعية ومنها المحركات التي كانت تضخ المياه والتمديدات لها. جرفتها مياه النهر أثناء الفيضان الذي استمر لمدة شهرين في ذلك العام".

ويتابع: يبست أشجار الرمان بنسبة 60% بعد أن كانت مصدر رزقي لي ولعائلتي على مدار الأعوام السابقة. وبينما كانت أراضيه تكسبه ما يقارب 3000 دولار أمريكي، لا يتوقع أن يتجاوز الدخل لهذا العام 300 دولار أمريكي، "خسارتنا كبيرة"، كما قال.

وتتألف أرض أبو محمد من عشرة دونمات مزروعة بأشجار الرمان والخوخ ويبلغ عدد الأشجار فيها 450 شجرة إلا أنه لم يبقى منها سوى 150 شجرة نتيجة التقلبات المناخية التي تتعرض لها المنطقة والمتأثرة بكارثة الزلزال منذ 6 شباط 2023.

ويعيش 89 بالمائة من العائلات في شمال غرب سوريا تحت خط الفقر، بينما بلغت نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع ما نسبته حوالي 40% من مجموع السكان في المنطقة ذاتها، وفق تقرير "فريق منسقو استجابة سورية"، نُشر في عام 2023.

تحديات التغير المناخي

في شمال غرب إدلب، يعيش سكان ريف سلقين المعرفة بريف العاصي تحديات زراعية صعبة على إثر التقلبات المناخية التي تتعرض لها المنطقة ومنها الجفاف الذي أثر على المواسم الزراعية والعواصف الهوائية التي أسقطت محاصيل الخوخ المتأثر بالجفاف.

كما أدت تشققات الأراضي وعدم استقرارها نتيجة الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 شباط 2023 إلى إرتفاع منسوب مياه نهر العاصي وغمر جميع الأراضي على أطرافه، وفق ما قال مزارعي البلدة لـ "روزنة".

المزارع حسن الجاسم 39 عاما يملك أرض على ضفة نهر العاصي تعرضت إلى انخفاض بمقدار متران بقلب الأرض وما تبقى منها متمزق ومتشقق، ورغم محاولته استصلاح الأرض إلا أنها منذ عامين غير قابلة للزراعة.

ويوضح لـ "روزنة" بأنّ "كافة أنواع المواسم سيئة لهذا العام، ولم ينجح منها شيء والأشجار للأسوأ وبحاجة للري ولا نستطيع السقي بسبب التكلفة الباهظة"، وفي حال قرر الجاسم سقاية أشجار الرمان ضمن ثمانية دونمات، فتبلغ التكلفة 80 دولار لكل سقاية واحدة"، وفق قوله.

وتشير العديد من الدراسات العلمية، إلى أن موجات الجفاف التي تواجهها سوريا ما هي إلا جزء من تداعيات التغير المناخي المستمر والمتفاقم، وبينما كانت احتمالات حدوث الجفاف في سوريا تقتصر في السابق على مرة واحدة كل نحو 250 عاماً، ارتفعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة لتصبح مرة كل 10 سنوات، أو أقل، خاصة مع ارتفاع معدل درجات الحرارة في سوريا لأكثر من 1.14 درجة مئوية.

وفي عام 2021، طال الجفاف سداً رئيسياً في شمال غربي سورية (سد الدويسات) للمرة الأولى منذ إنشائه قبل نحو ثلاثة عقود، جراء تراجع مستوى الأمطار والاهتراء وتزايد اعتماد المزارعين على مياهه، وفق ما قال مسؤول محلي ومزارعون لوكالة "فرانس برس" حينذاك.

وكانت تخزن بحيرة سد الدويسات 3.6 ملايين متر مكعب من المياه، وفق البنك الدولي، وتستخدم بشكل أساسي لري المناطق الزراعية المجاورة، إذ كانت تروي البحيرة، 1500 دونم من الأراضي ويستفيد منها ما بين 700 إلى 800 من عائلات المزارعين.

ويتوقع خبراء مناخ أن يكون لتغير المناخ تأثيراً شديداً على موارد المياه في سوريا، ما سيقلل إجمالي المياه المتاحة سنوياً بنسبة 32% في العام 2050. وفي الوقت نفسه، سيزداد الطلب على المياه بنسبة 15% نتيجة للنمو السكاني.

استصلاح دون نتيجة

يحاول المزارعون استصلاح أراضيهم الزراعية، إلا أنهم فشلوا في ذلك لعدم معرفتهم الكافية بالتعامل مع الأرض والتربة إضافة إلى التكلفة الباهظة التي أنفقوها دون الحصول على نتيجة. وهذا ما حصل مع الجاسم الذي "حاول استصلاح أراضيه وتكلف عليها ما يقارب 2500 دولار وما زالت تحتاج أيضا إلى ما يقارب 3000 دولار كي انتهي من إصلاحها".

بينما فشل المزارع عمر في استصلاح أراضيه بسبب قلة إمكانياته المادية التي تكفي لإكمال الاستصلاح.

وأضاف: "نحتاج الى مشاريع ري تصل إلى أشجار الزيتون"، بينما المزارعين ليس لديهم القدرة على ذلك، إذ يحتاجون للدعم الحكومي الغائب، وفق قوله.

ويوضح أنه في الأعوام السابقة "كنا نسقي الزيتون في الصهاريج لكن كانت تبدأ سقايته في الشهر السابع من كل عام ولا تكلفنا سوى القليل لأنه يكون مروي من مياه الأمطار، أما اليوم من الشهر الرابع العطش بدأ يظهر على الزيتون وهناك بعض المزارعين بدأوا في سقايته".

وكل تلك المعاناة للمزارعين ما تزال مستمرة وسط غياب الجهات المعنية عن واقع المشكلة وعدم تقديم الدعم وتنفيذ حلول تحافظ على أراضيهم الزراعية.

فيضان العاصي وغمر الأراضي

المهندس الزراعي موسى البكر تحدث عن نسبة الأمطار في المنطقة وكيف أثر الجفاف على المزروعات قائلاً: "إنّ معدل الأمطار في العام الفائت تراوح بين 350 إلى 450 ميلي، أما العام الحالي فقد كان معدل الأمطار بين 150 إلى 200 ميلي. وهذا الأمر أثر بشكل سلبي على الأشجار والنباتات، وفق حديثه.

ويتابع البكر حديثه لـ "روزنة": بأنّ ما حدث بعام الزلزال، هو انخفاض بمستويات الأرض أدى إلى انخفاض مترين ببعض الأراضي ومنها أكثر، وخاصة الأراضي المجاورة لنهر العاصي، وفي هذه الأراضي كان هناك الكثير من الأشجار المعمرة مثل الحمضيات واللوزيات والتي تتراوح أعمارها من 15 عام إلى 40 عام، وهذه الأشجار تأثرت بشكل كبير بالزلزال إضافة إلى الجفاف هذا العام، وبعضها قد انتهت بشكل كامل".

وأضاف: "بأن فيضان نهر العاصي أدى الى غمر الأراضي الذي استمرت لعدة أشهر، وهذا الأمر سواء حدث في فصل الصيف أو الشتاء له آثار سلبية على التربة، وهنا حدثت المشكلة التي أدت، وفق البكر إلى انخفاض خواص التربة بالإضافة لزيادة التملح بشكل كبير.

وشدد البكر: على أنّ "هذا العام لم يكن هناك إنتاج زراعي فعلي بسبب العوامل السابقة والحالية، يضاف إليها مشاكل الأرض التي تحتاج إلى استصلاح وعدم قدرة المزارعين على ذلك بسبب التكلفة الباهظة، فضلاً عن غلاء الأشجار لزراعتها من جديد ومتابعتها يحتاج إلى عدة سنوات، كي تعطي إنتاج".

ارتفاع منسوب مياه نهر العاصي في المناطق التي يمر فيها شمالي غربي محافظة إدلب,

لا دعم للمزارع

منذ أيام الزلزال وحتى اليوم لم يتلقى المزارعين أيّ دعم، ولم يكن هناك دور للمنظمات في دعمهم ما زاد من خسائرهم، كما قال البكر، مشيراً إلى أنّ الخسائر لم تقتصر على الأشجار والأراضي والزراعة فقط، بل طالت المواشي لغياب المراعي الطبيعية لها ما دفع المربين الإعتماد على شراء الأعلاف لها، ليشكل ذلك خسائر اضافية.

إلى ذلك، يبحث الكثير من المزارعين عن عمل بديل يوفر لهم ولعائلاتهم قوت يومهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة فـ "الأمل بتحسن الواقع الزراعي بات يتضاءل مع غياب الاهتمام بالزراعة وإعادة تأهيل التربة وتوفير المساعدة اللازمة للمزارعين"، بحسب المزارع أبو محمد.

وتضرر القطاع الزراعي في سوريا بفعل سنوات الحرب، إذ أصبحت البلاد تحتل المرتبة السادسة عالميا في انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2024، إلى جانب وجود نحو 12 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي.

المزارعون في إدلب محاصرون ما بين تغير المناخ وزكاة تحرير الشام

المزارعون في إدلب محاصرون ما بين تغير المناخ وزكاة تحرير الشام

ويعاني القطاع الزراعي في سوريا من ضعف الإنتاج، نتيجة صعوبات وعقبات كثيرة خلّفتها الحرب، والتي تسببت بتضرر الأراضي الزراعية والمحاصيل ونزوح المزارعين وتهجيرهم، إضافة إلى توقف التصدير أو صعوباته.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض