تقارير وتحقيقات | 22 04 2025

بترحيب يشوبه الحذر، استقبلت نسبة من المعلمين السوريين قرار "وزارة التنمية الإدارية" في الحكومة السورية الانتقالية، الصادر مؤخراً، بإعادة المفصولين تعسفياً إلى وظائفهم، الذي شمل أكثر من 14 ألف معلم ومعلمة في مختلف المحافظات السورية.
وبعد سنوات من التهميش والفصل الإداري الذي طالهم بسبب مواقفهم المنحازة للثورة السورية أو انقطاعهم القسري عن العمل خلال سنوات الحرب، أعاد القرار الأمل لكثيرين ممن اضطروا لتغيير مجرى حياتهم بالكامل، معتبرين أن هذه الخطوة قد تمثل بداية إنصاف جزئي لهم، بعد سنوات من الظلم والتجاهل تسبب به النظام السابق لهم.
في المقابل، أُثيرت انتقادات حول آلية تنفيذ القرار، وسط غياب تعليمات تنفيذية واضحة، ومخاوف من التمييز في قبول الطلبات. كما عبّر معلمون عن قلقهم من غموض مستقبلهم الوظيفي، لا سيما فيما يتعلق باحتساب سنوات الانقطاع، والحقوق المالية المتراكمة.
وفي منتصف نيسان الجاري، أعلنت "وزارة التنمية الإدارية" عبر تلغرام، القوائم الأولى لأسماء المعلمين الذين استكملت دراسة ملفاتهم في وزارة التربية، بهدف إعادتهم إلى وظائفهم، والتي تشمل أكثر من 14 ألف حالة، في إطار ما وصفته بـ"إنصاف المفصولين تعسفياً بسبب مشاركتهم بالثورة السورية".
وطالبت الوزارة المعلمين الواردة أسماؤهم في الملف مراجعة مديرية التربية المختصة لمتابعة الإجراءات الإدارية اللازمة. وأكدت في 17 من نيسان، أنّ جميع المحافظات والجهات مشمولة دون استثناء، وأن عملية معالجة الملفات تسير بـ"عدالة وشفافية تامة" لإنصاف المفصولين وإعادتهم إلى مواقعهم الوظيفية.
"العودة كرامة"
معلم اللغة الفرنسية في القامشلي، سيد رقيب عيسى، الذي فصل عام 2018 من وزارة التربية، كان مطلوباً من قبل "إدارة المخابرات الجوية" لمشاركته في الثورة السورية.
يقول لروزنة: "العودة للتدريس أمر إيجابي بمثابة استعادة الكرامة" معتبراً في الوقت ذاته قرار فصله من العمل "إجرام بحقه" وهو الذي خدم في التعليم لأكثر من 30 عاماً.
قدّم عيسى أوراقه إلى مديرية التربية في الحسكة قبل 4 أيام والتي تضمنت تاريخ التثبيت في العمل وتاريخ الفصل والهوية الشخصية. وأخبره الموظفون أنهم سوف يرسلون طلبات العودة إلى وزارة التربية بدمشق، ومن ثم يأتي الرد.
يضيف: "لا أعرف كيف ستكون العودة للتدريس لاحقاً، ولم يشرح أحد لنا ذلك"، إذا كان يعلم عيسى ضمن المدارس الواقعة في المربع الأمني بالحسكة التابعة للنظام السابق، خارج مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وتأتي تساؤلات سيد عيسى، في ظل اتفاق رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد (قسد) مظلوم عبدي، في آذار الماضي، على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية"، دون وضوح حول آلياتها والبدء بتنفيذها حتى الآن.
اقرأ أيضاً: طلاب الرقة والامتحانات.. معاناة متجددة وسؤال بلا جواب: أين سنقدم السنة؟
بحث آليات التنفيذ
عقد اجتماع بين وزير التربية والتعليم محمد تركو، ووزير التنمية الإدارية محمد حسان السكاف، لبحث سبل وضع آلية تنفيذية تضمن عودة كامل العاملين المفصولين إلى عملهم، وذلك عبر مراجعة مديريات التربية في المحافظات، على أن تحدَّد مراكز عملهم من قبل مديريات التربية.
يأتي ذلك وفقاً لمعايير مدروسة "تراعي: الحاجة الفعلية، طبيعة الاختصاص، مكان الإقامة"، وفق ما أعلنت "وزارة التنمية" عبر تلغرام، اليوم الثلاثاء، بينما أوضح وزير التنمية أنه يجري العمل على دراسة ملفات المفصولين الذين لم تعلن أسماؤهم بعد، تمهيداً لمعالجة أوضاعهم.
أسئلة بلا أجوبة
في ظل غياب تعليمات تنفيذية واضحة، تتكرر أسئلة من معلمين رصدنا بعضها "هل تحتسب سنوات الانقطاع ضمن الخدمة؟ هل يحق للمعلمين المطالبة برواتبهم عن السنوات الماضية؟".
علّق المعلم محمد خليل على قرار "وزارة التنمية الإدارية" القاضي بعودة المعلمين المفصولين إلى عملهم، مشيراً إلى أن القرار، ورغم أهميته، يشوبه الكثير من الخلل والغموض في الصياغة والتنفيذ.
ورأى في حديث مع روزنة أن صيغة القرار غير دقيقة، حيث جاء تحت عنوان: "عودة المعلمين المفصولين بسبب مشاركتهم في الثورة"، بينما الواقع أن غالبية المفصولين لم يُفصلوا بسبب مواقف سياسية، بل بسبب الانقطاع القسري عن العمل لأكثر من 15 يوماً متصلة أو 30 يوماً متقطعة، ما اعتُبر قانوناً بحكم المستقيل، وفق قوله.
ويرى من وجهة نظره: "الصيغة الأدق هي: عودة المنقطعين إلى وظائفهم بسبب قيام الثورة".
"خليل" الذي انشق عن سلك التعليم منذ عام 2012 بسبب الثورة، أثار نقاط حول التعليمات التنفيذية للقرار، وبرأيه أنها "مغيّبة تماماً، إذ لم يوضح القرار إن كانت سنوات الانقطاع ستُحسب من الخدمة، أو إن كان سيجري تعويض المعلمين مادياً عن تلك السنوات، وهي أسئلة جوهرية لم يتم التطرق إليها".
و استمرت عملية ما وصفها "سرقة راتبه" دون علمه لمدة ثلاث سنوات، موضحاً: "خلال 3 سنوات كان هناك من يقبض راتبي عني ولا أعلم من وكيف، ولم أفصل من التربية حتى عام 2015 (...) من واجب الدولة ترجّعنا وتعزنا".
قدم المعلم طلب عودة له ولزوجته في مديرية التربية بحلب، وعندما سأل عن الطريقة التي تمكنه من كيفية معرفة نتيجة الطلب، كان الرد: "تابع صفحة (معلمو سورية الحرة) على فيسبوك حتى تجد اسمك؟!".
كما تحدث خليل عن معضلة أخرى، وهي المعلمين الذين فصلوا من مناطق سيطرة النظام سابقاً والتحقوا بمدارس الشمال السوري في إدلب لاحقاً، متسائلاً: "الآن يتقاضون راتباً شهرياً بـ 5 آلاف ليرة تركية أي ما يعدل 170 دولاراً، هؤلاء إن عادوا إلى مناطقهم هل سيعودون لاستلام رواتب لا تتجاوز 20 دولاراً؟!"، دون أن يتسنى لروزنة التحقق من دقة الأرقام التي ذكرها.
وختم بالقول: "رغم أهمية القرار، إلا أن تطبيقه بهذا الشكل قد يظلم الكثيرين مجدداً. المطلوب هو تصحيح المسار، وإنصاف من فُصلوا قسراً وعدالة في الإجراءات لا تمييز فيها بين من عانوا في الداخل والخارج، هناك أشخاص ينتظرون التعليمات التنفيذية لمعرفة إن كان بإمكانهم العودة لوظائفهم أم لا، يريدون تعويضات وزيادة رواتب".
ويبلغ متوسط الرواتب لدى موظفي القطاع الحكومي 400 ألف ليرة سورية (33 دولاراً) وسط وعود حكومية بزيادة الرواتب بنسبة إلى 400 بالمئة، في ظل معاناة أكثر من 90 بالمئة من السوريين من الفقر، بحسب تقارير أممية.
ونشرت "وزارة التنمية" حتى اليوم ثلاث قوائم لعشرات المعلمين المفصولين خلال سنوات الثورة السورية، من أجل إعادتهم إلى سلك التربية والتعليم، وسبقها شكاوى لتسريح موظفين من القطاع العام بإجازات قسرية مأجورة لمدة ثلاثة أشهر.