شهدت العاصمة دمشق خلال الأيام الماضية انعقاد مؤتمر اقتصادي بعنوان "خصب – خطوات صناعة وبناء" ينتهي اليوم السبت، جمع عدداً من الخبراء ورواد الأعمال السوريين من داخل البلاد وخارجها، إلى جانب شخصيات حكومية وأكاديمية، ناقشوا خلاله قضايا الاقتصاد في مرحلة ما بعد الحروب بما يخدم إعادة الإعمار.
وبالتزامن يعقد المؤتمر في عواصم أخرى، ويشارك فيه مغتربون عبر الانترنت أو بشكل شخصي من خلال لقاءات محلية متزامنة في مكان تواجدهم خارج سوريا.
جسور تواصل
المؤتمر، الذي نظمه سوريون مغتربون، يسعى إلى بناء جسور تواصل فعالة بين السوريين في الداخل وبلدان الاغتراب للعمل معاً "لإعادة بناء سوريا بشكل مستدام وتنموي" من خلال فتح المجال أمام شراكات اقتصادية جديدة، ودعم المبادرات الريادية والتشبيك بين أصحاب الخبرات ورواد الأعمال والمستثمرين، في وقت تُطرح فيه تساؤلات جادة حول كيفية إعادة الإعمار.
وبحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يُقدّر عدد اللاجئين السوريين المسجّلين حول العالم بحوالي 6.3 مليون شخص حتى منتصف عام 2024، بينهم مستثمرون ورواد أعمال.
تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2025 الصادر في شباط الماضي، يشير إلى أن 14 عاماً من النزاع أدت إلى تراجع في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في سوريا، وأنه في ظل معدلات النمو الحالية، لن يعود الاقتصاد السوري إلى مستوى ما قبل الحرب قبل عام 2080 ، إذ تسببت الحرب في خسارة نحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لسوريا.
وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا 62 مليار دولار في عام 2010، لكنه انكمش لأكثر من النصف، خلال سنوات الحرب. ولكي يستغرق التعافي 10 سنوات، يتعين على النمو الاقتصادي السنوي أن يرتفع ستة أضعاف، وفق التقرير.
ويعتبر منظمو المؤتمر أنّ "ريادة الأعمال ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل وسيلة لتحقيق التغيير الإيجابي وبناء مجتمع جديد قائم على التعاون والازهار"، وفق الموقع الرسمي لـ"خصب".
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذّر.. لا تعافٍ اقتصادي في سوريا قبل عام 2080
من أبرز محطات اليوم الأول للمؤتمر الذي انطلق الأربعاء الفائت، كانت مشاركة وزير الاتصالات والتقانة السوري، عبد السلام هيكل، في جلسة بعنوان "قصص نجاح في بيئات ما بعد النزاع".
وتناولت الجلسات في اليوم الأول واقع الاستثمار في سوريا، وآليات تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومناقشات حول ريادة الأعمال في المرحلة الانتقالية.
وطرح المشاركون تجارب حول تأسيس الشركات في بلدان أخرى والتسهيلات الممنوحة لهم، وفق مراسل "روزنة"، وجرى التركيز على أهمية الشفافية والملكية الآمنة من أجل تهيئة بيئة استثمارية جاذبة.
وسلطت عدة تقارير أجنبية الضوء خلال السنوات الماضية على نجاح المستثمرين السوريين في الخارج، واستعرضت قصصهم الملهمة في إعادة بناء مشاريعهم أو تأسيس أعمال جديدة رغم التحديات.
اقرأ أيضاً: من عامل إلى صاحب شركة تجارية.. قصة نجاح سوري في غازي عنتاب
كذلك ناقش المشاركون في الفعالية دور النساء والشباب في تحريك الاقتصاد المحلي عبر مبادرات تدعم المشاركة المجتمعية الفاعلة.
وشارك في المؤتمر كمتحدثين أساسيين، الدكتور كرم شعار، مستشار خبير البنك الدولي، وهلال أرناؤوط المدير التنفيذي لشركة إيبلا الدولية للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وسامي الخيمي سفير سوريا السابق في بريطانيا.
رؤية المنظمين: ربط الداخل بالخارج وتمكين المبادرة السورية
نادين عبود، من منظمي المؤتمر، قالت لروزنة” إن "خصب" يهدف إلى ربط الداخل السوري بالخارج الاستثماري، وجذب المستثمرين ورجال الأعمال المغتربين لدعم الاقتصاد المحلي".
وأضافت: "نعمل على بناء جسور تواصل بين الجاليات السورية والداخل، من خلال حوارات عملية حول الحوكمة، البيئة القانونية، والمناخ الاقتصادي، مع التأكيد على تسريع التشريعات التي تسهّل الاستثمار وتضمن الشفافية".
وتعرّف الحكومة، وفق قاموس جامعة "كامبريدج" البريطانية، بأنها الطريقة التي تدار بها المنظمات أو الدول أو المشاريع على أعلى مستوى، والأنظمة اللازمة لتحقيق ذلك.
وفي السياق الاقتصادي أو الإداري، الحوكمة تعني، وضع قواعد واضحة لكيفية اتخاذ القرارات، وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين الجهات المختلفة، ومتابعة الأداء وضمان المحاسبة إذا حصل خلل أو فساد، والتأكد من أن العمليات عادلة وشفافة وتخدم الصالح العام.
المؤتمر، وفق عبود، ليس مناسبة رمزية، بل خطوة أولى في سلسلة من المؤتمرات واللقاءات الدورية التي ستُعقد لاحقاً في دمشق وعواصم أخرى، بهدف بناء توأمة اقتصادية ومجتمعية طويلة الأمد.
نوار نجمة، أحد المشاركين في المؤتمر، باعتقاده أن هذه المبادرات تحمل طابعاً استباقياً، قائلاً لروزنة: "هي جسر تواصل ضروري بين الدولة والسوريين في الخارج، خصوصاً رواد الأعمال. وجود الحكومة في هذا النوع من المؤتمرات يعكس رغبة في الانفتاح والمشاركة".
واعتبر نجمة أن الوقت الآن هو وقت المبادرة، حتى قبل رفع العقوبات الدولية، موضحاً أن الحراك الاقتصادي الذاتي سيكون له أثر كبير في إعادة بناء الثقة، وإقناع المجتمع الدولي بقدرة السوريين على النهوض بأنفسهم.
قد يهمك: ماري ملحم ..قصة نجاح سورية بدأت مشروعها من الصفر
وتقول الأمم المتحدة إنّ العقوبات المفروضة على سوريا تعرقل جهود إعادة الإعمار وتزيد من معاناة المدنيين، خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، وفق تقرير لها مطلع العام الجاري، حيث طالبت برفع العقوبات.
وأشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" شهر شباط الفائت، إلى أن العقوبات الشاملة التي تفرضها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ودول أخرى تعيق استعادة الخدمات الأساسية في سوريا، وتزيد من معاناة ملايين السوريين في الحصول على الحقوق الأساسية، بما فيها الكهرباء والمستوى المعيشي اللائق .
إحياء الحوار الغائب
رائد الأعمال فراس عناية، أحد المشاركين في المؤتمر، أشار إلى أهمية هذه الفعاليات في خلق بيئة حوار بنّاءة، وقال لروزنة: "اللقاءات بين ممثلي الحكومة، رواد الأعمال، والمنظمات مهمة جداً. هي تحيي الحوار الغائب، وتخلق فرص تشبيك حقيقية. لفتني الحضور الشبابي في اليوم الأول، وكلما كبرت هذه المؤتمرات، كلما كبر معها النتاج الحقيقي لمجتمع سوري جديد".
ووفق مراسل روزنة شاركت عدة منظمات مجتمع مدني في المؤتمر.
معرض فني
وتضمن المؤتمر أيضاً معرضاً فوتوغرافياً للفنان عمار عبد ربو، سلّط الضوء على الذاكرة السورية من خلال وجوه وقصص تعكس أثر الحرب على الإنسان والهوية، إلى جانب معرض لفن الموزاييك التقليدي، كرمز للاستمرارية والجذور الثقافية.
وأحيت فرقة "غاردينيا" النسائية أمسية موسيقية جمعت بين التراث والأصوات الحديثة، لتعكس روح التعدد والتجديد.
ويعتبر مؤتمر "خصب - خطوات صناعة وبناء" هو الإصدار الأول من سلسلة مؤتمرات ولقاءات دورية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين السوريين في الداخل والخارج، وفق الموقع الرسمي.
وتعرّف "خصب" عن نفسها بأنها |منصة مستدامة للمشاريع الاقتصادية في سوريا تهدف لبناء جسور التواصل والتوأمة وربط رواد الأعمال - المستثمرين - ذوي الخبرات في الداخل و الخارج و تمكين شراكات استراتيجية بناءة، من خلال مؤتمرات دورية يعقد أولها بشكل متزامن في دمشق و افتراضية اونلاين".
ويتطلب الطريق إلى الأمام في سوريا لإعادة الإعمار استراتيجية شاملة تعالج إصلاح الحكم، والاستقرار الاقتصادي، وتنشيط القطاع، وإعادة بناء البنية الأساسية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.