انفجار الرمل الجنوبي في اللاذقية: ضحايا بلا مأوى ووعود لا تُنفذ

انفجار الرمل الجنوبي في اللاذقية: ضحايا بلا مأوى ووعود لا تُنفذ

تقارير وتحقيقات | 9 04 2025

ياسين الرملاوي

بعد مرور أكثر من شهر على انفجار مأساوي في حي الرمل الجنوبي باللاذقية، لا تزال عشرات العائلات تعيش بلا مأوى، وسط غياب الدعم الحكومي الكافي ووعود منظمات لم تتحقق، في وقت تتفاقم فيه معاناتهم تحت أنقاض الذكرى والمنازل المنهارة.

تستمر معاناة عائلات ضحايا الانفجار الذي حدث في حي الرمل الجنوبي باللاذقية منتصف شهر آذار/مارس الفائت، إذ فقدت تلك العائلات منازلها وذويها نتيجة انفجار أسلحة غير آمنة.

وتشكو العائلات من نقص الدعم والمساعدات، ويطالبون الجهات الحكومية تقديم المساعدة الفورية وإعادة بناء ما دمره الانفجار، في حين أن بعض الوعود المقدمة لهم لا ترقى إلى مستوى احتياجاتهم العاجلة، وفق ما أفاد عدد منهم لـ "روزنة".

ماذا حدث؟

قُتل نحو ستة عشر مدنياً بينهم خمس أطفال وخمس نساء نتيجة انفجار ثلاثة صواريخ من مخلفات الحرب ضمن مبنى مأهول ومكون من أربعة طوابق كان يقوم أحد بائعي الخرداوات بتفريغه من المواد المتفجرة الموجودة بداخله للاستفادة منها مادياً.

الانفجار حينها أدى إلى انهيار المبنى وتصدع بنائين آخرين بالقرب من مكان وقوعه، ووثق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) مقتل 16 مدنياً، بينهم 5 نساء و5 أطفال، في حين وصل عدد الجرحى إلى 18، بينهم 6 أطفال وذلك بعد انتهاء عمليات البحث والإنقاذ.

وبعد إخراج بعض العائلات الناجية من تحت الأنقاض، يعيش الآن بعضها لدى أقارب لهم، وآخرون مشردون بعد ما تدّمرت منازلهم ولم يجدوا مكانا لائقاً للسكن وسط ظروف إنسانية صعبة.

على أنّ بعض العائلات لا تزال تذهب إلى مكان المبنى المنهار في محاولة منها لإخراج بعض أثاث منازلها لتعويض ما خسرته، وسط عجزها عن شراء احتياجاتها من جديد، وفق ما رصدت "روزنة".

وفي محاولة للوقوف على واقع تلك العائلات المتضررة، التقت "روزنة" مع عدد منهم للحديث عن معاناتهم وأوضاعهم الإنسانية وأهم مطالبهم بعد ما يقارب الشهر من وقوع الانفجار.

تشتت عائلي

سوسن، ربة أسرة من العائلات المتضررة نتيجة الانفجار تحدثت لـ "روزنة" بأن عائلتها المكونة من 3 أطفال تشتت في عدة أماكن، قائلة: "أودعت أطفالي الثلاثة كل منهم عند عائلة من أقاربي"، وذلك بسبب وضعها الاقتصادي السيء وعدم قدرتها على استئجار منزل.

وتوضح بأنها حاولت استئجار منزل لعائلتها إلا أنها اصطدمت بأسعار الإيجارات المرتفعة وعدم قدرتها على دفع تلك التكاليف "ليس لدي عمل ثابت ولا راتب"، قالت.

وكانت سوسن، تعيش بـ "الدَين"، قبل حدوث الانفجار، إذ تراكمت عليها الديون حتى تستطيع تسديد ثمن منزلها الذي انهار جراء الانفجار، و"تبخر كل شيء تملكه"، وفق وصفها.

وأكدت السيدة أن أثاث منزلها المنهار تعرض للسرقة كما غيرها من أصحاب المنازل المنهارة من قبل لصوص "مجهولين"، وحدثت تلك السرقات نتيجة عدم وجود حراسة على البناء المنهار خلال الأيام الأولى بعد الانفجار.

أما، أحمد وهو أحد سكان الحي الناجين أيضاً، فَقَد اثنين من أخوته نتيجة الانفجار، "كنت في العمل وإخوتي وعند وصولنا إلى البناء حدث الانفجار"، وعندما استيقظ في المشفى علم أن أخويه قد توفيا، كما قال لـ"روزنة".

لجأ أحمد إلى أقاربه لعدم استطاعته تأمين ثمن إيجار منزل بسبب وضعه الاقتصادي "المنعدم"، فحاله تتشابه مع سوسن لجهة عدم قدرته على استئجار منزل.

ومن بين الجهات التي عملت على معاينة الأضرار وإسعاف الجرحى ورفع الأنقاض، منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري، التي تنسق من خلالها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعمالها في سوريا.

وتضمنت على مدار الأعوام الماضية، جهود الصليب الأحمر والهلال الأحمر تقديم خدمات "إعادة الروابط العائلية"، حسب موقع الصليب الأحمر، وهو ما يتقاطع مع مطالبات بعض الأسر المتضررة من الانفجار، كما تقدم المنظمة الدولية تجهيز مراكز إيواء للنازحين داخلياً.

ماذا عن الاستجابة الإنسانية؟

لم ترقى استجابة الجمعيات والمنظمات لمستوى تداعيات الانفجار، حسب قول سوسن، موضحة: "حصلنا على بعض المساعدات الغذائية، لكن المطلب الأهم هو المأوى (...) حتى الآن كل وعود المساعدات لا ترتقي إلى حجم الأضرار التي تعرضنا لها".

وتطالب سوسن -المعيل الوحيد لعائلتها- الجهات الحكومية بإعادة بناء منازلهم لعدم قدرتهم مرة أخرى على دفع تكاليف شراء منزل بعد فقدانها المأوى الوحيد الذي يجمع عائلتها.

إلى ذلك، وصف أحمد استجابة المنظمات الأهلية والمجتمعية بالـ"محدودة" تراوحت بين وعود بتأمين مساكن مؤقتة "كرفانات" وهو ما لم يتم تنفيذه حتى الآن، وفق قوله.

تعليقاً على ذلك، قال مصدر من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في اللاذقية، إن مسؤولي المديرية زارو العائلات المتضررة وقدموا دعم مالي لهم، على أن يتم تأمين أماكن للسكن في كتل الغراف 2 كخيار أول.

وأضاف المصدر لـ "روزنة"، أن هناك خيارين آخرين لمساعدة العوائل عبر برنامج لمتابعة هذه العوائل والتخفيف عنهم قدر المستطاع في الأيام القادمة، دون توضيحه لماهية هذا البرنامج وآلياته.

لكن، ووفقاً لعدد من المتضررين ومنهم "سوسن" و"أحمد، لم يتم إيواء أي متضرر بسكن بديل عن سكنه المنهار.

ويخشى من أن يتكرر "سيناريو تعويضات متضرري الزلزال"، كما أهملت حكومة النظام السابق وتأخرت بتأمين سكن وصرف تعويضات لمتضرري زلزال 6 شباط 2023، ما تركهم في حالة من الحسرة والتنقل بين منازل الأقارب والعجز لدفع الإيجارات أو إعادة الإعمار.

بعد أكثر من 6 أشهر: متضررو زلزال اللاذقية.. بلا سكن مؤقت رغم الوعود الحكومية

سكن مؤقت لمتضرري الزلزال - تعديل روزنة

تضرر منازل مجاورة

لم تقتصر تداعيات الانفجار على سكان البناء الذي وقعت به الحادثة، إنما طال الأبنية المجاورة، على ما أخبرنا به أحد سكان الحي، أبو زكريا.

وقال: "تضرر منزلي ومنزل أختي بشكل كبير جراء الانفجار الذي حدث"، مشيراً إلى منازل مهددة بالسقوط جراء التصدعات الموجودة بها، ورغم ذلك ما يزال يقطن في منزله المتصدع لعدم قدرته على استئجار منزل آخر بسبب أسعار الإيجارات المرتفعة.

وسط كل ذلك يأمل فريد من السلطات المعنية إيجاد حلول مناسبة ومحاسبة كل من يعبث بمخلفات الحرب التي كانت سبباً بتدمير منازلهم وإزهاق أرواح نتيجة طمع وجشع تجار الخرداوات.

في المقابل، فَقَد مصطفى خرمندا -أحد سكان الحي ومنزله محاذي تماماً لمكان الانفجار- قدرته على البقاء في منزله، "لا أستطيع العيش بمنزلي حاليا نتيجة التصدعات التي لحقت به"، يقول.

وبينما ينام وأولاده الذكور في سيارتهم أمام منزلهم، تبيت زوجته وبناته عند أقاربهم لحين إيجاد حلول لإيوائهم.

قد يهمك: إيجارات المنازل في سوريا بعد سقوط النظام.. لمحة عن الأسعار والشروط

حي الرمل الجنوبي؟

حي الرمل الجنوبي أو مايعرف محلياً بـ"حي الرمل الفلسطيني" نظراً لوجود مخيم للاجئين الفلسطينيين فيه، يمتد على مساحة ما يقارب الـ1500 م2، بكثافة سكانية كبيرة، ويقع في الجهة الشرقية من مدينة اللاذقية، وتجاوز عدد سكانه 250 ألف نسمة عام 2011.

عانى الحي على مدار السنوات الماضية في عهد النظام السوري السابق من تهميش كبير على مستوى الخدمات نتيجة الاحتجاجات التي انطلقت منه في مطلع العام 2011 ما دفع النظام بمساعدة الفرقة الرابعة لتطويق محيط الحي بحواجز أمنية مشددة من اليوم الأول للمظاهرات التي انطلقت في اللاذقية.

يعاني الحي من غياب الخدمات البلدية وأهمها النظافة والصحة والكهرباء والمياه، بالإضافة الى الصرف الصحي مع إهمال الجانب الأمني الذي أدى إلى انتشار المخدرات بين شباب الحي بشكلً كبير.

وبعد سقوط النظام السابق ما يزال الحي يعيش ذات المعاناة من نقص الخدمات وسط وعود حكومية بتحسين واقع الحي ومعالجة المشاكل التي يعاني منها سكانه.

وسط كل تلك المآسي والوعود المتكررة، لا يزال سكان حي الرمل الجنوبي ينتظرون تدخلاً فعليًا يعيد إليهم الحد الأدنى من الأمان والسكن، ويضع حدًا لمآسٍ جديدة قد تنجم عن مخلفات حرب لم تنتهِ بعد.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض