أزمة المواصلات في اللاذقية.. كيف أثرت مع أحداث الساحل على التعليم؟

أزمة المواصلات في اللاذقية.. كيف أثرت مع أحداث الساحل على التعليم؟

تقارير وتحقيقات | 7 04 2025

داليا عبد الكريم

انعكست تداعيات تحرير سعر المحروقات ورفع أسعار المواصلات لأكثر من أربعة أضعاف في شهر كانون الأول الفائت، على قطاع المدارس في عموم محافظة اللاذقية التي تشهد غياب للمعلمين نتيجة عدم تناسب دخلهم الشهري مع تكلفة التنقل من وإلى مدارسهم.

وجاءت التداعيات في ظل أحداث الساحل التي فافقمت مؤخراً كثير من المشكلات من بينها أزمة التعليم، وهكذا أصبح هذا الواقع يؤرق أبناء المحافظة وخصوصاً لجهة بقاء أولادهم دون تعليم وسط غياب دور وزارة التربية في حل تلك المشكلة.

طلاب بلا تعليم

تقول رشا وهي من سكان إحدى قرى ريف اللاذقية إن "المدرسين في مدرسة أولادها لا يأتون للمدرسة". وبأنّ أولادها يعانون من انقطاعهم عن التعليم لفترات طويلة.

وتضيف، بأنها اشتكت أكثر من مرّة للمدير، الذي كان يخبرها دائماً بأنه لا يستطيع إلزام المعلمات بالحضور وهنّ لا يمتلكنّ أجور المواصلات للوصول إلى عملهنّ.

تحاول رشا وهي خريجة كلية تمريض، متابعة الدروس مع طفليها في المنزل، لكنها مع ذلك لا تستطيع تعويض ما يمكن للمعلمة أن تقدمه، "أدرس أولاي الرياضيات والعربي"، كما أوضحت لـ "روزنة".

وأشارت السيدة إلى أنها اتفقت مع مدرس خصوصي للغة الإنجليزية بمبلغ شهري 25 ألف ليرة لكل منهما، الأمر الذي رتب عليها أعباء مادية كبيرة في وقت لم تحصل على راتبها منذ شهر شباط الفائت.

وفي إحدى قرى ريف جبلة، لا يختلف واقع المدارس عما يحدث في ريف اللاذقية، إذ يضطر الأهالي هناك لمتابعة تعليم أبنائهم مع مدرسين خصوصين لتعويض الفاقد التعليمي، وفق رصد "روزنة".

ومع ارتفاع أجور المواصلات تراجع دوام المدرسين في المدارس، و"أحياناً يمضي أسبوع كامل دون أن يأخذ الطلاب سوى درس واحد بالرياضيات أو العربي"، كما قالت والدة أحد الطلاب.

وفي تصريح سنة 2019 لمدير تربية اللاذقية السابق عمران أبو خليل، لصحيفة "الوحدة"، قال إن عدد مدارس محافظة اللاذقية مدينة وريفاً 1212 مدرسة حلقة أولى وثانية وثانوي وعدد الطلاب 255.378 طالباً (...) وعدد الكادر التعليمي 36.200 معلم ومدرس".

وأوضح "أبو خليل" حينها أن عدد الطلبة والمعلمين يتغير حسب التنقلات من وإلى المحافظة ، فيما "يزيد عدد الموظفين في مديرية تربية اللاذقية على 45 ألف عامل وعاملة من كافة الشرائح والفئات ضمنهم الكادر التعليمي التابع لمديرية التربية"، وفق تصريحه.

معاناة المدرسين

مدير مدرسة ابتدائية في قرية بريف اللاذقية، قال لـ "روزنة": "هناك مشكلة حقيقية في التعليم والتنقل للمدرسين بعد رفع أجور المواصلات (...) يجب مراعاة ظروف المدرسين المادية وفي المقابل الحفاظ على العملية التعليمية وهذا أمر صعب جداً"، وفق وصفه.

الوضع الراهن، دفع طلاب في مرحلة الثانوية العامة لترك إحدى المدارس قبل نهاية الفصل الأول، لأن المدرسين لم يعودوا قادرين على الالتزام بالدوام اليومي، خصوصاً أن معظمهم يعيش في المدينة ويحتاج أجور نقل كبيرة تفوق حجم الراتب، كما قال المدير لـ "روزنة".

وبحسب رصد "روزنة"، يحتاج المدرس/ة في كل يوم دوام إلى 29 ألف ليرة، موزعة على 20 ألف ليرة أجور مواصلات للذهاب والإياب من الكراج الشرقي لمدينة اللاذقية إلى مدرسة الريف، و11 ألف ليرة لباص النقل الداخلي من الجامعة إلى الكراج للذهاب والإياب.

مدرسة محمد سليم ديلانة في اللاذقية - إنترنت

راتب هؤلاء المدرسين/ات لا يتجاوز الـ500 ألف ليرة مع كل مزايا طبيعة العمل وغيرها، وأغلبهم لم يحصلوا سوى على راتب واحد منذ سقوط النظام السابق جراء سياسة حبس السيولة التي اتبعتها "حكومة التصريف" السابقة.

يضاف لذلك، قرارات فصل طالت الكثير من المدرسين والمدرسات، وقرار وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، القاضي بإنهاء ما يسمى بـ "تحديد مركز عمل" للمدرسين. ما خلق أزمة في الكوادر التدريسية أثرت سلباً على واقع التعليم.

وعلى مدار السنوات الماضية، تكررت أزمة المواصلات في سوريا ، إذ دفعت إحداها في 2022 لإطلاق دعوات في اللاذقية بعد إيقاف مخصصات الوقود اللازمة لتشغيل حافلات النقل، لعدم الخروج إلا للضرورة في ظل تقطع السبل بالمواطنين والازدحام بالشوارع.

اقرأ أيضاً: "خليك بالبيت".. أزمة مواصلات في اللاذقية بسبب "مخصصات السرافيس"

الاستدانة خوفاً من الفصل

تدفع لينا (اسم مستعار لمعلمة مدرسة) أجور نقل يومية بمعدل 41 ألف ليرة، للوصول إلى مدرستها في إحدى القرى التابعة لناحية الحفة.

لينا قالت: "أعيش في المشروع العاشر بمدينة اللاذقية، واضطر في أيام دوامي للخروج من منزلي عند الساعة السادسة إلا ربع صباحاً والمشي لمدة نصف ساعة تقريباً للعثور على باص (الدائري الشمالي) الذي لا يبدأ العمل باكراً ولا يصل لنهاية الخط عند منزلي قبل الثامنة صباحاً، وهو موعد بدء دوامي الرسمي في القرية التي تبعد 55 كم عن مركز المدينة تقريباً".

وتوضح لينا -التي فضلت عدم ذكر حتى اسمها الأول خوفاً من أي إجراءات قانونية بحقها-في حديثها لـ "روزنة"، أنها تحتاج في الذهاب والإياب إلى 7000 ليرة للسرفيس، و4000 ليرة لباص النقل الداخلي الذي يقلها إلى الكراج، و25 ألف ليرة لباص القرية النائية حيث تعمل، والذي يتقاضى 25 ألف للذهاب ومثلها الإياب.

مدينة اللاذقية - أرشيف روزنة

تتكبد المعلمة إلى جانب أجور المواصلات، عناء الطريق فهي بحاجة لساعتين في طريق الذهاب ومثلهما في طريق العودة وتداوم 3 أيام في الأسبوع، وأحياناً 4 أيام، وتقول إنها تؤمن تكاليف المواصلات على حساب طعام عائلتها.

يبلغ راتب لينا 488 ألف ليرة ولم تحصل على أي راتب منذ بداية كانون الثاني الماضي، وبحال داومت يومياً فإنها تحتاج إلى 820 ألف ليرة شهرياً، وفي حال اقتصر دوامها على 3 أيام أسبوعياً فتحتاج إلى 492 ألف ليرة أي أكثر من راتبها الحالي كما قالت.

تصر المعلمة على الوصول إلى مدرستها ولو بمعدل 3 أيام أسبوعياً وتتكبد مبالغ كبيرة لأجور المواصلات، خوفاً من طردها من الوظيفة، "لا أريد خسارة عملي الذي أمضيت سنوات أعمل به"، وفق قولها.

تتقاطع قصة لينا مع قصص 5 معلمات التقتهم "روزنة" في مدينتي جبلة واللاذقية، ممن يدرسنّ بالأرياف، تدفع كل واحدة منهنّ يومياً بين 14 إلى 41 ألف ليرة، وكلّهنّ لم يحصلنّ سوى على راتب واحد منذ سقوط النظام.

المعلمات الخمس يستدنّ أو يعتمدنّ على أزواجهنّ أو والدهنّ في الحصول على أجور المواصلات، أملاً بتحسن الوضع وبأنها "مرحلة وبتعدي" على حد تعبير إحداهن التي تداوم 4 أيام أسبوعياً وتدفع في كل يوم دوام 26 ألف ليرة، فهي كزميلاتها لا تريد خسارة عملها.

تسريح الموظفين في مشافي طرطوس.. بين اتهامات "المحسوبية" وشعور "الإنصاف"

تسريح الموظفين في مشافي طرطوس.. بين اتهامات "المحسوبية" وشعور "الإنصاف"

إحباط وعدم رضا

ترى الموجهة التربوية في محافظة اللاذقية، روضة إبراهيم، أن عدم كفاية الراتب حتى لأجور المواصلات يولد لدى المعلمين والمعلمات أزمة نفسية إلى جانب الأزمة المادية، ما يؤدي إلى حالة من الخلل بالنظام التعليمي والالتزام اليومي بالدوام المدرسي.

وتضيف أن هذه المشكلة تولّد لدى المعلمين حالة من الصراع والإحباط وعدم الرضا الداخلي.

وشرحت لروزنة: "المعلم يحب أن يعطي ويرى طلابه يتقدمون ويتفاعلون مع الدرس، ويحب أيضاً أن يشعر بالرضا عن نفسه، لكن حين يصبح عاجزاً عن الالتزام بعمله يصاب بالإحباط خصوصاً أنه ببعض الأيام يهدر الكثير من وقته بانتظار وسائل النقل".

وأكبر مشكلة تواجه العملية التعليمية، وفق إبراهيم، أن "المعلم في ظل حالة الإحباط التي يعيشها سيختفي لديه الشغف ما يؤدي إلى تراجع أدائه التعليمي".

ويعيش نصف سكان سوريا في فقر مدقع، في وقت لا تزال تشهد الليرة السورية تدهوراً مستمراً، وفق تقرير للأمم المتحدة بداية العام الحالي، جاء فيه أنّ الليرة السورية فقدت عام 2023 حوالي ثلثي قيمتها، ما رفع معدل التضخم الاستهلاكي إلى 40 بالمئة خلال 2024.

مدينة جبلة - روزنة

أين مديرية التربية؟

في رده على سؤال "روزنة" حول معاناة المدرسين والطلاب، قال مدير التربية والتعليم في اللاذقية، وليد كبولة، "إن الحلول تقسم إلى إجراءات آنية وأخرى استراتيجية"، موضحاً أن الآنية، تتضمن توزيع الكوادر وفق برامج زمنية مرنة.

وتابع: "ففي بعض المدارس البعيدة، يتم تنظيم البرامج المدرسية بحيث يُقلّص عدد أيام الحضور الأسبوعية للمعلمين، مع تعويض الحصص عبر تكثيف الدوام في الأيام المتاحة، شرط ألا يؤثر ذلك على سير المنهاج".

أما فيما يخص الحلول الاستراتيجية، فيرى "كبولة"، أنها تتم من خلال توطين التعليم (عمل المعلمين في منطقة سكنهم)، ومعالجة طلبات النقل، زاعماً، أن "المشكلة عموماً ليست بكامل مدارس المحافظة إنما في بعض المناطق الريفية والجبلية".

وختم حديثه: "تعوّل المديرية على الحلول الجذرية مثل تحسين الأجور للمعلمين لضمان استقرار العملية التعليمية".

وتشهد مناطق عدة في سوريا منذ سقوط النظام السابق، احتجاجات من موظفين منحوا إجازات مأجورة لثلاثة أشهر، وسط نقاش بين سوريين عن ظاهرة "الموظفين الأشباح" من يتقاضون مرتبات دون الحضور والعمل، واتهامات بقرارات "جائرة" غير مدروسة.

وتحدث وزراء في الحكومة الانتقالية لرويترز، بوقت سابق، عن خططهم لإزالة عدد كبير من "الموظفين الأشباح"، وهم الأشخاص الذين كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل، أو لا شيء على الإطلاق خلال حكم النظام السوري السابق.

"لا للتسريح التعسفي".. احتجاجات عمالية في عدة محافظات سورية

"لا للتسريح التعسفي".. احتجاجات عمالية في عدة محافظات سورية

ماذا عن التعليم بعد 7 آذار؟

أثر أحداث الساحل التي وقعت بعد 7 آذار/مارس الفائت، توقفت العملية التعليمية في أغلب مدارس الساحل السوري، ورغم مرور شهر على تلك الأحداث، إلا أن واقع العملية التعليمية ما يزال معلّق في أغلب المدارس.

وفي السياق، قالت مصادر محلية لـ "روزنة" "إن أغلب الأهالي ما زالوا يمتنعون عن إرسال أولادهم للمدارس خوفاً على حياتهم بعد الانتهاكات التي حدثت مؤخراً".

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير "مقتل ما لا يقل عن 803 أشخاص، بينهم 39 طفلاً و49 سيدة (أنثى بالغة)، وذلك في الفترة الممتدة من 6 إلى 10 آذار/مارس 2025"، خلال أحداث الساحل التي بدأت بهجوم لمجموعات مرتبطة بالنظام السابق.

ووثق التقرير "مقتل ما لا يقل عن 420 شخصاً من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلاً و49 سيدة و27 من الكوادر الطبية، على يد القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية (الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التي تتبع شكلياً وزارة الدفاع)".

ووثق أيضاً "مقتل 172 عنصراً على الأقل من قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع على يد "المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد"، التي قتلت أيضاً ما لا يقل عن 211 مدنياً، بينهم أحد العاملين في المجال الإنساني، بإطلاق نار مباشر.

وبين معاناة المدرسين من انخفاض أجورهم وارتفاع تكلفة المواصلات، إلى جانب ما حصل بعد 7 آذار من انتهاكات وجرائم في الساحل السوري، يبقى الخاسر الأكبر طلاب فقدوا قدرتهم على متابعة تعليمهم في مدارس تعاني أصلاً من غياب المدرسين.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض