تقارير وتحقيقات | 2 04 2025

وقعت الإدارة السورية الجديدة ممثلة بلجنة مكفلة من "رئاسة الجمهورية"، اتفاقاً أمس الثلاثاء مع "المجلس المدني لحيي الأشرفية والشيخ مقصود" في مدينة حلب.
ونص الاتفاق على 14 بنداً بهدف "تعزيز العيش المشترك، والحفاظ على السلم الأهلي، وتحقيق أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة، وانطلاقاً من الإيمان بأن التوافق بين مختلف مكونات الشعب السوري هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الراهنة".
ومن أبرز البنود انسحاب "القوات العسكرية" من الحيين إلى شمالي شرقي سوريا، إضافة إلى "تبييض السجون بين الطرفين في محافظة حلب، وتبادل الأسرى الذين تم أسرهم بعد التحرير".
وشدد الاتفاق على أن الحيين يتبعان لحلب إدارياً وتعد "حماية واحترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية" لقاطنيه أمراً ضرورياً لتعزيز التعايش السلمي، كما تتحمل وزارة الداخلية مع قوى الأمن الداخلي، مسؤولية حماية السكان ومنع أي اعتداءات أو تعرض بحقهم.
وأكد الاتفاق أيضاً، أن السلاح يحصر بيد وزارة الداخلية ويمنع ملاحقة أي شخص كان ملاحقاً قبل الاتفاق "ولم تكن يداه قد تلطخت بيد السوريين"
في المادة التالية، نقدم أسئلة رصدناها حول الاتفاق، وأجوبة عنها.
بداية، ماذا نعرف عن حيي الشيخ مقصود والأشرفية؟
يقع حيا الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، ويقطنهما في تقديرات غير رسمية بين 200 إلى 250 ألف سوري وسورية، غالبيتهم من الأكراد أو الأكراد الإيزيديين وآخرين من العرب والسريان، بينما أشار "المجلس المدني" سابقاً لتواجد آلاف العائلات النازحة للحيين.
يقع حي الشيخ مقصود على تلة مرتفعة استراتيجة شمالي مركز مدينة حلب، ويشرف على طريق الكاستيلو الذي لعب دوراً استراتيجياً خلال معارك فصائل المعارضة ضد قوات النظام السابق في 2016.
يحد "الشيخ مقصود" من الجهة الشرقية أحياء بستان الباشا والهلك وعين التلك وكانت من ضمن كتلة الأحياء الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة تدريجياً منذ 2012، قبل أن تستعيد السيطرة عليها قوات النظام السابق في نهاية 2016، بعد اتفاق التهجير.
أما الجهة الغربية لحي الشيخ مقصود فيقع حي الأشرفية الذي كانت تسيطر عليها "الوحدات الكردية" أيضاً، وفي دراسة أممية لاستعمالات الأراضي في حلب سنة 2014، صنفت نسبة واسعة "الشيخ مقصود" بفئة السكن العشوائي بقسميه الغربي والشرقي.
خريطة لأحياء حلب - unhabitat.org
من يسيطر على الحي؟
تسيطر "قوات حماية الشعب" الكردية (المكون الرئيسي في "قسد") بشكل كامل على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، منذ نهاية 2016.
كانت تحيط حواجز للنظام السوري السابق بحيي الأشرفية والشيخ مقصود، وتتهم "الإدارة الذاتية" قوات الفرقة الرابعة بحصارهما مرات عديدة طيلة السنوات الماضية، عبر منع إدخال المحروقات والطحين، ردت حينها "قسد" بحصار مماثل للمربع الأمني في القامشلي.
اقرأ أيضاً: "حزب الاتحاد الديمقراطي" يطالب النظام بوقف الحصار والانفتاح للحوار
وبعد انطلاق الثورة السورية، شهد حي الأشرفية مظاهرات بين عامي 2011 و2012 ضمن الحراك السلمي المطالب بإسقاط النظام السابق.
وعلى مدار أربع سنوات، تبادلت "وحدات الحماية" وفصائل المعارضة الاتهامات حول المسؤولية عن مقتل مدنيين في الحي ومساندة الأولى لقوات النظام عند فرض سيطرتها على الأحياء الشرقية قبل التهجير في 2016.
ما شكل تواجد "قسد" و"الإدارة الذاتية"؟
تسيطر "وحدات حماية الشعب" على حيي الشيخ مقصود والأشرفية وبني زيد، وسط انتشار عناصر ومقار "الأسايش" (قوات الأمن الداخلي)، فيما يتولى "المجلس المدني" الشؤون الخدمية والإدارية في الحيين منذ 2019، بتنسيق مع "الإدارة الذاتية" دون تبعية معلنة.
يوجد في الشيخ مقصود مدارس ومراكز صحية مدعومة من "الإدارة الذاتية"، ومقرات لمجلس سوريا الديمقراطي وحضور سياسي قوي لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" (المكوّن الرئيسي في الإدارة الذاتية).
زيارة وفد من "الإدارة الذاتية" إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية في 2023 - موقع الإدارة الذاتية (لقطة شاشة - روزنة)
على عكس مناطق سيطرة "الإدارة" في شمالي شرقي البلاد، لم تكن ترفع رايات لـ"قسد" خلال الاحتفالات الشعبية والسياسية وتخريج الدفعات العسكرية في حيي الشيخ مقصود، حيث تقتصر الرايات غالباً على رايتي "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة".
رايات "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" الكرديتين حي الشيخ مقصود - صفحة "عدسة الشيخ مقصود" في فايسبوك
ما الذي حصل بعد سيطرة "إدارة العمليات" على حلب؟
مع سيطرة فصائل "إدارة العمليات العسكرية" على مدينة حلب في اليوم الأول من كانون الأول الماضي، أصدرت بياناً تعرض فيه خروج "الوحدات المقاتلة التابعة لقسد" بالسلاح بشكل آمن من مدينة حلب، باتجاه شمالي شرقي سوريا.
وأكد البيان حينها، إن "إدارة العمليات" مسؤولة عن حماية وأمن الأكراد في حي الشيخ مقصود، باعتبارهم جزء لا يتجزأ من سوريا ولهم كامل الحقوق.
بيان لاإدارة العمليات العسكرية - معرفات إلكترونية رسمية
بالمقابل وقبل يومين من سقوط النظام وهروب بشار الأسد، أصدر "المجلس العام لحيي الشيخ مقصود والأشرفية" بياناً في السادس من كانون الأول، أكد فيه سعيهم "إلى بناء سوريا المستقبل بمشاركة كافة الأطياف دون تمييز أو تعصب".
واستنكر البيان ما وصفه "سياسة تفريغ الحيين عبر تحريض الشعب ودفعهم إلى الذهاب لعفرين دون ضمانات دولية"، مطالباً الأهالي البقاء في الحيين كما ناشد الأمم المتحدة لإيصال كافة مستلزمات الحياة إلى الحيين، حسب موقع "الاتحاد الديمقراطي" (pyd).
تلاوة بيان للمجلس العام لحيي "الشيخ مقصود والأشرفية" - إنترنت
وحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وسعت "وحدات الحماية" انتشارها في الأحياء المجاورة لحيي الشيخ مقصود والأشرفية بعد سيطرة "إدارة العمليات" على حلب، كما "عززت وجودها من خلال نشر مجموعات عسكرية صغيرة عند المداخل والشوارع".
وأوضحت الشبكة أن توسع "الوحدات" امتد إلى أحياء السريان، الميدان، الهلك، بعيدين، الحيدرية، والمناطق المؤدية إلى دوار الجندول والخالدية المطلة على دوار الليرمون، إضافة إلى أجزاء من حي بستان الباشا"، مع رصد مناطق محيطة أبرزها الكاستيلو.
أيضاً، أشار التقرير إلى "تمركز القناصة (التابعة لوحدات حماية الشعب) بشكل مكثف في المناطق المكشوفة، في خطوة تهدف إلى تعزيز سيطرتها وتأمين مواقعها الاستراتيجية".
عشرات القتلى برصاص القناصة ومختفين قسراً.. ما الموثق؟
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 65 مدنياً، بينهم طفل وسيدتان واثنان من العاملين في المجال الإنساني، برصاص قناصة "قوات سوريا الديمقراطية" (عناصر وحدات الحماية)، خلال الفترة بين 30 تشرين الثاني 2024 و30 كانون الثاني 2025.
كذلك، سجّلت الشبكة بالفترة المذكورة "عشرات حالات الاختفاء القسري لأشخاص لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة، وذلك بعد دخولهم أو اقترابهم من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية".
ولفت تقرير الشبكة إلى صعوبات كبيرة "واجهت فرق الهلال الأحمر السوري، والدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في الوصول إلى جثث الضحايا وسحبها. وقد تم تسجيل استهداف مباشر لعناصر هذه الفرق أثناء محاولتهم انتشال الجثث".
خريطة لسيطرة "وحدات حماية الشعب" في حيي الشيخ مقصود ومجال رصد قناصتها بعد سقوط النظام - الشبكة السورية لحقوق الإنسان
بعد الاتفاق.. أين تنتشر "قسد"؟
مع توقيع الاتفاق الذي يقضي في بندة السادس، بسحب "القوات العسكرية من الحيين، إلى شرق الفرات (الجزيرة السورية)"، ينتهي أي تواجد لـ"قوات سوريا الديمقراطية" أو "وحدات حماية الشعب" في مدينة حلب.
وتحتفط "قسد" بتواجد عسكري في مناطق تتبع إدارياً لمحافظة حلب، كمحيط سد تشرين من الناحية الشرقية وأجزاء من مسكنة ودير حافر، إضافة لعين العرب "كوباني"، ذلك بعد انسحابها إثر سقوط النظام من مدينة منبج وتل رفعت.
أما إدارياً، ووفقاً للبند الرابع عشر في الاتفاق الموقع أمس، يبقى "المجلس المدني" في الحيين لإدارة المؤسسات الخدمية والتعليمية والإدارية "إلى حين توافق اللجان المركزية المشتركة على حل مستدام".
ما أبرز ردود الفعل؟
توالت ردود الفعل الأولية بعد توقيع الاتفاق في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وغلب عليها الترحيب الحذر، وتساؤلات حول تفاصيل الاتفاق وإمكانية نجاحه.
بالمقابل، استنكر ناشطون من محافظة الرقة إخراج عناصر "وحدات الحماية" إلى مناطق سيطرة "قسد" في الجزيرة السورية، مشيرين إلى انتهاكات ارتكبها عناصر "الشبيبة الثورية" الذين وصلوا إلى مدينتهم بعد خروجهم بطريقة مماثلة من تل رفعت إثر سقوط النظام.
واعتبرت حملة "الرقة تذبح بصمت" أن الاتفاق يعتبر تكراراً لسيناريو "تجميع" عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" بالرقة في 2014 "حيث تترك الرقة لمصير مجهول وسط تجاهل تام لمعاناة أهلها من جديد"، وفق قول القائمين عليها.
بيان من حملة الرقة تذبح بصمت - حساب الحملة في فايسبوك
وتبقى بنود الاتفاق الذي وقع بين رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بحاجة إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع في ظل التحديات التي تواجه التقدم في بنوده وأهمها المتعلقة بدمج الأخيرة.