تقارير وتحقيقات | 24 03 2025

بعد اتفاقٍ وُصِف بالتاريخي، وقّعه أحمد الشرع رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية، ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية في العاشر من آذار الماضي، خرج السوريون للاحتفال في معظم محافظات البلاد، فرحين بالتأكيد على وحدة البلاد، وزوال شبح الحرب.
لكن مع صدور الإعلان الدستوري المؤقت بعد ثلاثة أيام من توقيع الاتفاق شجبت "الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا" الإعلان الدستوري، واعتبرته يتنافى مع التنوع السوري، وشبيه بحقبة حزب البعث، إضافة لرفض الإعلان من أطراف أخرى وجدت أنها لم تشارك به.
وبينما يرى مراقبون بأن اتفاق "الشرع - عبدي" يوحد الصفوف، يعتبر آخرون أن هذا الاتفاق غير قابل للتطبيق، ما يفتح مشروعية السؤال عن مدى الجدية في تطبيقه من قبل الموقعين عليه.
اتفاق ضبابي وهش
حسام القس عضو المنظمة الآثورية للديمقراطية، يرى في حديثه لـ "روزنة"، أن بنود الاتفاق عامة ولم يتم التطرق بعد للمسائل الخلافية، وأبرزها دخول قسد للجيش ككتلة واحدة أم كأفراد.
ويقول: "للآن غير واضح، مستقبل البنى الإدارية والأمنية التابعة للإدارة الذاتية"، ويتساءل إن كانت ستدمج بالوزارات في دمشق، أم تبقى على حالها "إذ لا شيء واضح، وكل طرف يدعي أنه تمكن من فرض شروطه على الآخر وفق التحليلات الصادرة عن مناصري الطرفين".
وبحسب "القس" فأن أهم ما قد يهدد الاتفاق هو مسألة الجيش، "فهو لغاية الآن ليس جيشاً وطنياً"، إنما مبني على "أساس طائفي" على حد تعبيره.
وتابع: "الإعلان الدستوري أخل بمبدأ المواطنة المتساوية بين السوريين، وهو ما يؤثر على وحدة أرضاً وشعباً بدون وجود حكومة تشاركية ودستور يكرس التنوع، وجيش وطني من كل الأطياف".
من جانبه، اعتبر قصي حيدر وهو ناشط مدني، الاتفاق أقرب إلى كونه تكتيك سياسي مؤقت وليس تحول استراتيجي جاد ومستدام.
ويعلل ذلك كنتيجة لغياب الثقة بين الطرفين، واعتبار الحكومة المؤقتة بدمشق لـ"قسد" كيان مؤقت، مقابل إدراك الأخيرة أن "الشرع" مستعد للانقلاب عليها إذا تغيرت الظروف.
وأكد "حيدر" أن عدم وضوح التفاصيل يعطي انطباع بأن الاتفاق مجرد إطار عام دون التزامات جدية من الطرفين.
وأوضح قراءته: "التوقيت يشير إلى أن الاتفاق جاء كرد فعل على ضغوط معينة، وليس كجزء من استراتيجية طويلة الأمد، وهذا يعني أنه من الممكن أن ينهار بمجرد زوال الضغوط أو تغير الظروف الإقليمية".
بين أقصى اليسار وأقصى اليمين
بينما تتبنى "وحدات حماية الشعب" العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية" نهجاً يسارياً اشتراكياً، تعد نواة الجيش الجديد قوى عسكرية إسلامية منها "هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها"، فـ كيف سيتم دمج الطرفين بجيش واحد ومؤسسات واحدة.
جلال الحمد مدير منظمة "العدالة من أجل الحياة"، قال: "قد يكون انضمام (قسد) ككتلة واحدة إلى الجيش هو الحل لمنع أي صدام بين المقاتلين اليساريين فيها، واليمينيين بالجيش السوري الجديد، خصوصاً مع انعدام الثقة بين الطرفين، بسبب الاختلافات الأيديولوجية، والنظرة المسبقة لكل طرف عن الآخر".
وأضاف "الحمد" في حديث مع روزنة، أن هناك تيارات من الطرفين رافضة للاتفاق، منها تيار في "قسد" مستاء بسبب أحداث الساحل "ويتخوفون من عودة ممارسة الانتهاكات تجاه الأكراد".
وأيضاً، هناك جزء من الفصائل ممتعض من الاتفاق، مثل فصائل "الجيش الوطني السوري" التي ما تزال تقاتل "قوات سوريا الديمقراطية"، وطيف من إدارة الرئيس أحمد الشرع الذين يرغبون بالقتال وحل ملف شمال شرق سوريا بالوسائل العنيفة، وفق قوله.
وحسب "الحمد"، تبقى احتمالية نقض الاتفاق واردة إذا شعر أحد الطرفين أنه أقوى ويستطيع فرض شروطه على الآخر، مشيراً إلى أن الاتفاق يأتي استثماراً من قبل الشرع وعبدي للحظات معينة.
وشرح أن الشرع حاول استثمار الاتفاق لتوجيه رسائل إيجابية بعد أن فشل في ترويج روايته الخاصة بأحداث الساحل، و"قسد" استثمرت بالاتفاق الذي كانت معظم بنوده موجودة بعد سقوط النظام بعشرة أيام وكان الشرع لا يقبله، وبعدما حدث في الساحل وافق عليها.
ويعتقد "الحمد"، بأن التدخل الدولي دفع باتجاه توقيع الاتفاق، ومن مصلحة الطرفين الاستمرار في الاتفاق.
اقرأ أيضاً: وساطة أميركية حاسمة.. كيف ساعدت واشنطن بتوجيه الاتفاق بين دمشق و"قسد"؟
هل يلتم شمل محافظات الجزيرة؟
على مدار 13 عاماً من الحرب، تعاقبت قوى عدة بالسيطرة على محافظات شرقي البلاد، الرقة ودير الزور والحسكة، واليوم ما تزال هذه المحافظات تحت سيطرة أطراف عدة.
الرقة تتشارك السيطرة عليها ثلاث قوى، "قسد" في مركز المحافظة ومعظمها، و"الجيش الوطني" الذي أصبح تابعاً لوزارة الدفاع ولكنه يحافظ على استقلالية إدارية نسبية في منطقة تل أبيض، و"الحكومة السورية الانتقالية" في معدان جنوب شرق الرقة.
يقول ياسر الخلف وهو ناشط مدني إن "سكان المنطقة الشرقية ينتظرون على أحر من الجمر تنفيذ اتفاق الدمج".
ويضيف: "هناك إرادة شعبية بأن يتلم شمل الرقة ودير الزور والحسكة مع باقي سوريا، لأن الناس عانت كثيراً بسبب غياب دوائر الدولة الرسمية، فعقود زواج وملكيات وعقارات لم تثبت إلى اليوم".
كذلك "هناك نفوس مكتومة لم يتم تسجيلها في السجلات الرسمية، والطلاب يعانون الأمرين لتقديم الامتحانات، نتمنى أن يتم تطبيق الاتفاق بأسرع وقت لتعود دوائر الدولة للمنطقة"، حسب "الخلف".
من ناحيته يبدي مصطفى الخلف من سكان تل أبيض تفاؤلاً حذراً بخصوص الاتفاق، متمنياً تطبيقه لتنتهي معاناة الأهالي مع التهريب.
وأوضح أن منطقة تل أبيض ورأس العين "معزولة عن سوريا، لا منفذ لها إلا مع تركيا، والناس تذهب إلى الداخل السوري عن طريق التهريب، وهذا يشكل مخاطر كبيرة بسبب حقوق الألغام".
ويوم الأربعاء الفائت، أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" أنها اتفقت مع وفد دمشق على ضرورة وقف النار في كامل سوريا، وذلك خلال لقاء جمع القائد العام لقواتها مظلوم عبدي ولجنة من الإدارة السورية.
وجرى خلال الاجتماع مناقشة آلية عمل اللجان والتي من المقرر أن تبدأ العمل بشكل مشترك مع بداية شهر إبريل/نيسان القادم.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام من إعلان الرئاسة السورية أن "قسد" التي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق البلاد وقعت اتفاقا للانضمام مع مؤسسات الدولة الجديدة.
وتضمن الاتفاق بنود منها ضمان حقوق السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية، وحق الأكراد بالمواطنة، ووقف إطلاق النار، ودمج المؤسسات في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، وغيرها من البنود، على ألا يتجاوز تطبيق الاتفاق نهاية العام الحالي.