تقارير وتحقيقات | 7 02 2025

توجه وليد إلى الصراف ليستبدل آخر 100 دولار لديه بالعملة السورية، كانت قيمتها تعادل 8800 ليرة لكل دولار، أخذ الرجل نقوده وذهب إلى السوق لشراء مواد غذائية، ولكنه تفاجأ بأن كثيراً من الأسعار ما تزال ثابتة على سعر الصرف القديم "أكثر من 10 آلاف ليرة مقابل الدولار".
لا يلتزم أغلب التجار بالتسعيرة الحقيقية لليرة، ويبيعون وفق هواهم دون حسيب أورقيب، يقول وليد (39 عاماً) لروزنة، ويضيف "لا وجود لعناصر الضابطة التابعة للبلدية في مراقبة أسعار السلع في الأسواق، كل تاجر يبيع كيفما شاء، الأسعار غالية ومتفاوتة، وإذا استمر الوضع على هذا الحال سنشحذ قريباً!".
البنك المركزي في وادي والسوق في وادٍ آخر!
تشير نشرة المصارف والصرافة الصادرة عن "مصرف سورية المركزي" إلى استقرار سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة مقابل 13 ألف ليرة، إلا أن الوضع لدى الصرافين في المدن السورية مختلف تماماً، حيث وصل سعر الصرف إلى 8800 للشراء و9200 للمبيع.
يتعامل التجار وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء، ولا يلتزم كثر حتى بهذه التسعيرة، مثلما يقول أبو هويدي أحد سكان الرقة، لروزنة، والذي يصف ما يقوم به تجار في مدينته بـ "التشليح"!
"معظم الأسعار على الصرف القديم، تذهب إلى الصراف وتصرف بـ 8800، وعندما تشتري غرض من التاجر يضرب المبلغ بـ 11 ألف! هذا استغلال واحتيال واضح"، يوضح أبو هويدي أن أسعار الخضراوات تراجعت، ولكن المشكلة تكمن في أسعار المواد الغذائية مثل الزيت والسكر والأرز وغيره.
اقرأ أيضاً: الليرة السورية تترنح صعوداً وهبوطاً: لعبة الصرافين تتفاقم والبنك المركزي غائب
ثبات في بعض القطاعات رغم تحسن الليرة!
حتى القطاع الصحي لم يسلم من تأرجح الليرة السورية، وفق وليد الذي اشتكى من أجور المعاينات الطبية التي لم تنخفض مع انخفاض سعر الصرف.
عندما ذهب إلى الطبيب اكتشف أن أجر المعاينة ما يزال على حاله منذ أن كان الصرف 15 ألف، يقول لروزنة: "كثير من الأطباء والصيادلة لم يخفضوا التسعيرات، أجرة المعاينة 75 ألف ليرة، لم تتغير لدى هذا الطبيب! وكذلك الأمر بالنسبة للأدوية في الصيدليات".
أما أبو هويدي فقد قرر إطفاء المدفأة مبكراً، وذلك بسبب ارتفاع سعر مازوت التدفئة، ويقول: "ليتر المازوت قبل تحسن الليرة كان 7500، اليوم 7000! كانوا يضربون السعر على الدولار أما اليوم فلم يعودوا يتحدثون بالدولار !".
ويشير أيضاً إلى أنّ سعر الاشتراك في الأمبيرات "مولدات الكهرباء" لم يتغير أيضاً، تسعيرة 6 آلاف ليرة سورية لكل أمبير أسبوعياً ما تزال معمول بها لغاية اليوم، ولم تفرض البلدية أي تسعيرة جديدة.
من جانبها تقول بتول وهي صحفية إن أسعار باقات الإنترنت في شمال شرق سوريا ما تزال ثابتة على وضعها، ما زاد الأعباء على السكان.
وتضيف لروزنة "سعر باقة 9 غيغا كان بـ 28 ألف عندما كان الصرف 15 ألف، اليوم سعر الباقة ما يزال 28 ألف والصرف انخفض إلى النصف تقريباً! شركة آرسيل التي تزود المنطقة بالإنترنت تمارس أعلى درجات الاستغلال في الوضع الحالي، ولا يوجد رادع لهم".
أين الرقابة؟
يقتصر دور مراقبة الأسواق في الرقة ومناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سوريا على المواد الغذائية فقط، حيث تتولى البلدية ذلك عبر "إدارة حماية المستهلك" التابعة لها، والتي أكدت أنها تقوم بتسيير دوريات يومية لمراقبة الأسعار، وفق محمد الهواش مسؤول مكتب الشكاوى في "الإدارة الذاتية".
يقول الهواش لروزنة، إن عدم استقرار صرف الدولار تسبب بما يحدث من تخبط في الأسواق، ويضيف "استغلال الوضع يكون من صغار التجار والبقاليات، أما المستودعات والمحلات الكبرى تبيع وفقاً للدولار، هذا ما يؤثر على المجتمع".
وشكل مكتب الشكاوى مؤخراً لجنة لتحديد أسعار عدد من السلع الأساسية، مثل الشاي والسكر واللحم والدجاج والزيت والسكر، وفق الهواش، مشيراً إلى أنهم " سيراقبون بيع هذه السلع خلال الأيام القادمة بعد صدور التسعيرة مع هامش ربح بسيط للتاجر".
وأوضح الهواش أنهم يتعاملون بجدية مع شكاوى السكان، وهناك مخالفات وغرامات بحق التجار الذين يستغلون الوضع ويرفعون الأسعار بما لا يتناسب مع سعر صرف الدولار.
أين البنك المركزي؟
لمواجهة التخبط في سعر صرف الليرة السورية صعوداً وهبوطاً، قال المصرف المركزي مؤخراً، إنه اتخذ عدة قرارات لدعم الليرة السورية، ومنها تسليم الحوالات الخارجية بالقطع الأجنبي، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر في المصرف دون ذكر اسمه.
وقال المصدر إنّ هذه الخطوة "تهدف إلى جذب المزيد من العملات الصعبة إلى السوق الرسمية وتقليل الاعتماد على السوق السوداء".
وكشف المصدر، أنّ المركزي بصدد إصدار قرارات جديدة خلال اليومين المقبلين، لتضييق الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي، منها تخفيض السعر في النشرة الرسمية لجعله أقرب إلى السعر المتداول في السوق السوداء.
وبذلك، يبقى السوريون الخاسر الأكبر من عدم استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي، إذ رغم انخفاض سعر صرفها إلا أن ذلك لم ينعكس إيجاباً عبر انخفاض أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية. يضاف إلى ذلك، خسارة كثير من السوريين مدخراتهم من الدولار جراء نقص السيولة بالليرة السورية.
ووفق "الأمم المتحدة" يحتاج نحو 16.7 مليون شخص، ما يزيد عن ثلثي سكان البلاد، إلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية، وهناك سبعة ملايين نازح داخلياَ، فيما تستمر معدلات سوء التغذية المزمن في الارتفاع.
وصنف تقرير الأمم المتحدة، سوريا في المرتبة 158 من أصل 160 دولة في "دليل الإسكوا" لتحديات التنمية في العالم لعام 2024، مشيراً إلى مشكلات متجذرة في الحوكمة، والتدهور البيئي، وانتشار الفقر بشكل واسع.