تقارير | 27 01 2025

"لم تعد حاويات القمامة تكفي، فكل زاوية في البلدة تحولت إلى مكب للنفايات، تنبعث منها روائح كريهة وتتكاثر فيها وحولها الحشرات والجرذان، أصبحنا نخشى على صحتنا وصحة أطفالنا"، بهذه الكلمات وصفت ماريا، إحدى سكان جديدة الفضل، خلال حديثها لـ"روزنة"، معاناة الأهالي بسبب تراكم النفايات، في ظل غياب حلول جذرية تحد من تفاقم المشكلة وتداعياتها الصحية.
تعاني عدة مناطق في دمشق وريفها، من بينها جديدة الفضل، حي التضامن، مخيم اليرموك، وبلدة يلدا، من تراكم النفايات بشكل غير مسبوق، في ظل تعطل عمليات الترحيل بسبب نقص الوقود والمعدات، ما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة، الحشرات، والقوارض، ما يثير مخاوف صحية متزايدة بين السكان.
في بعض الأحياء، تراكمت أكوام القمامة قرب المنازل والمدارس والمحال التجارية، ما دفع الأهالي إلى إطلاق نداءات متكررة للجهات المعنية، دون استجابة فعالة حتى الآن.
مشكلة قديمة متجددة
لم تكن أزمة تراكم النفايات في دمشق وريفها جديدة تماماً، إذ اعتاد السكان على تأخر البلديات في جمع القمامة بين الحين والآخر.
لكن الأزمة الحالية وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وفق الأهالي، ففي السابق، كانت عمليات الترحيل تتم عادة كل أسبوع أو أقل وفقاً لكل منطقة، ما كان يحد جزئياً من تفاقم المشكلة.
واليوم مع غياب دور المؤسسات الرسمية أدى إلى تعطل آليات العمل في العديد من البلديات، حيث تم استبدال إداراتها وكوادرها دون توفير الدعم اللازم لاستمرار الخدمات الأساسية.
أكوام النفايات وشح المياه يفاقمان المعاناة
تعاني بلدة جديدة الفضل بريف دمشق، والتي تتبع إدارياً لمحافظة القنيطرة، من أزمة مركبة تجمع بين تراكم النفايات وشح المياه، ما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان.
يؤكد الأهالي أن بعض الأحياء لم تصلها المياه منذ أكثر من شهر، ما جعل النظافة الشخصية والمنزلية تحدياً حقيقياً، وساهم في تفاقم خطر انتشار الأوبئة والأمراض.
وفي حديث لـ"روزنة" وصف محمد عبد الله، أحد سكان البلدة، الوضع قائلاً: "ما نعيشه غير معقول، بعض الأحياء لم تصلها المياه منذ شهر، بينما القمامة تنتشر في كل مكان".
في ظل توقف عمليات الترحيل، تحولت الحاويات المخصصة لجمع القمامة إلى مكبات مفتوحة، حيث يضطر السكان إلى إلقاء النفايات بجوارها بعد امتلائها بالكامل.
وعبّرت مها، من سكان حي الموالي، عن قلقها قائلة لـ"روزنة": "أكوام القمامة تزداد يومياً، وأصبحت تقترب من منازلنا، الوضع يشكل خطراً على صحتنا وصحة أطفالنا، ونخشى انتشار الأمراض بسبب القوارض والحشرات".
محاولات أهلية
حاول عدد من الأهالي تنظيم حملات أهلية لتنظيف الأحياء، في ظل غياب الحلول الرسمية، ساعين لإيجاد بدائل لتخفيف الأزمة، إلا أنهم اصطدموا بعقبات كثيرة.
وقال لـ"روزنة" خالد، من سكان شارع المدارس: "قبل أسبوعين، حاولنا تنظيم حملة لترحيل النفايات، وكان هناك استعداد من السكان، لكن بدون آليات ووقود لا يمكننا فعل شيء".
واعتبر أنهم متضررون ومستعدون للمساعدة، مضيفاً: "لكن لا يمكن تحميل المواطن عبء شراء الوقود أو استئجار معدات النظافة".
ووفق محمد أحمد، وهو أحد سكان البلدة، فإن سبب المشكلة يكمن في عدم توفر وقود لآليات البلدية، واقترح "بدلاً من الاكتفاء بالشكوى، يمكننا التعاون لحل المشكلة، إذا ساهم كل حي بمبلغ بسيط، يمكننا شراء المازوت وتشغيل الآليات، لأن الوضع لم يعد يحتمل".
فكرة محمد قوبلت برفض آخرين، معتبرين أن ترحيل النفايات مسؤولية الجهات المختصة، وليس واجباً على الأهالي، خاصة في ظل الأزمة المعيشية الخانقة التي يعانون منها.
مخيم اليرموك.. واقع صعب مع عودة السكان
في مخيم اليرموك، الذي بدأ يشهد عودة تدريجية للأهالي، تتزايد شكاوى السكان من تراكم القمامة في الشوارع الرئيسية، وسط توقف عمليات الترحيل منذ أيام.
وأكد لـ"روزنة" سامي وهو من سكان مخيم اليرموك، أنه ومع عودة السكان، زادت كمية النفايات، في المقابل لا يوجد أي دور فعلي للبلدية التي لا تقوم بدورها.
وقال سامي: "حتى لو تغاضينا عن المنظر، الروائح لا تحتمل، بالإضافة إلى انتشار الكلاب حول الحاويات".
وكشف علاء، وهو صاحب بسطة مشروبات في شارع اليرموك، أن آخر مرة تم فيها ترحيل النفايات كانت قبل عشرة أيام، إلا أن الوضع لا يزال متدهوراً.
يقول علاء في حديث لـ"روزنة": "قبل عشرة أيام، تم نقل القمامة عبر سيارة كبيرة إلى المكب، لكن منذ ذلك الحين لم يحدث أي ترحيل جديد. البلدية لا تعمل بسبب نقص المخصصات، سواء مالية أو من حيث المعدات والوقود. نخشى أن يبقى الوضع على هذا الحال لفترة طويلة، خاصة مع تزايد عدد السكان، مما يعني المزيد من النفايات يومياً".
المشكلة ذاتها في حي التضامن
عاد بعض السكان للاستقرار بحي التضامن، في مناطق بستان الزراعي، شارع دعبول، ومدرسة التضامن الثانية، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام مشكلة، فالشوارع مليئة بالنفايات دون أي تحرك رسمي لحل الأزمة.
من جهته، يوضح محمد قطف، أحد سكان الحي، لـ"روزنة" أن القمامة لم تعد مجرد مشكلة بيئية، بل أصبحت تعيق الحياة اليومية للسكان.
وقال محمد: "بالنسبة للبلدية، وضعها سيء، ما عم تفوت على كل الحارات، تنظف ببعض الحارات من أول التضامن فقط، بحجة عدم وجود كوادر وموظفين. يعني القمامة شي كثير، لدرجة أنو طرقات مسكرة منه".
وأضاف: "نحن، بعض الأشخاص، بنجيب (بوك) ونعبيله مازوت حتى نفتح الطريق، ولحد اليوم ما في أي تجاوب من الجهات المعنية".
يلدا.. الروائح الكريهة تؤثر على الحياة اليومية
في بلدة يلدا، تزداد معاناة السكان بسبب تراكم النفايات، حيث أصبحت أكوام القمامة تملأ الشوارع، خاصة قرب الحاويات التي لم ترحل منذ فترة طويلة.
وبحسب رائد وهو صاحب محل خضار في البلدة، فإن يواجه أمام محله التجاري كميات كبيرة من القمامة، محيطة بالحاوية التي لا تبعد عنه سوى ثلاثة أمتار.
يقول رائد: "لم أتأثر فقط بالرائحة والمنظر السيء، حتى الزبائن باتوا لا يرغبون بالوقوف أمام محلي للشراء بسبب الرائحة".
ووصفت سهام، من سكان البلدة، الروائح المنبعثة بأنها "أصبحت لا تطاق. لم أعد قادرة على فتح النوافذ، الروائح لا تحتمل".
وتطالب سهام بإيجاد حلول سريعة من قبل الجهات المختصة، معبرة عن قلقها مضيفةً: "للأسف، هذا واقع معظم الشوارع. هذه الأوضاع ستؤدي إلى انتشار الجرذان والحشرات، التي تحمل الأمراض لنا ولأطفالنا. نريد حلاً جذرياً، لا أن يتم ترحيل القمامة ليوم واحد ثم تترك لشهر كامل".
وبانتظار حل يخفف من الواقع الصعب، ينتظر أهالي تلك الأحياء الجهات الرسمية للتحرك العاجل، معبرين عن تخوفهم من نتائج ذلك الإهمال، ومحملين إياها المسؤولية الكاملة.