تقارير | 14 10 2024

مع تصاعد الأحداث الأمنية والاقتصادية في سوريا، يتزايد نزوح المدنيين من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى مناطق "الجيش الوطني السوري" بريف حلب الشمالي.
الهاربون من قسوة الحياة تحت وطأة الحرب والمعاناة اليومية يبحثون عن ملاذٍ أكثر أماناً، إلا أنهم يواجهون واقعاً مغايراً مليئاً بالابتزاز والانتهاكات الجسيمة من قبل جميع الأطراف المسيطرة على المعابر بين تلك المناطق.
الابتزاز والتحرش: انتهاكات صارخة بحق المدنيين
تشير مصادر محلية مطلعة لـ"روزنة" إلى أن المدنيين الذين يعبرون معبر "عون الدادات" وغيره من المعابر المنتشرة بين مناطق سيطرة "الجيش الوطني" و"قسد"، يتعرضون لعمليات ابتزاز شديدة تتنوع بين فرض الإتاوات المالية، التحرش اللفظي والجسدي، وحتى التعامل التعسفي من قبل القوات المسيطرة على تلك المناطق.
مع ارتفاع أعداد النازحين نتيجة القصف الإسرائيلي على لبنان، أصبح المعبر بؤرة لتلك الانتهاكات، إذ يفرض على المدنيين دفع مبالغ ضخمة تصل إلى 300 دولار للعبور الآمن، وفق شهادات عدة حصلت عليها "روزنة". هذه الأموال تدفع للمهربين المرتبطين بالفصائل المسيطرة، الذين يتقاسمون أرباحهم مع العناصر العسكرية.
الاتجار بالبشر: واقع خفي في المعابر
وفقاً لمصادر محلية، ما يحدث في هذه المعابر يمكن وصفه بـ"الاتجار بالبشر"، حيث تتعامل القوات المسيطرة على تلك المعابر مع المدنيين كبضائع يتم الاتجار بها. يتم إجبار النازحين على التعامل مع المهربين لدفع مبالغ مالية ضخمة لقاء العبور، في حين يتم منعهم من المرور عبر المعابر الرسمية إذا لم يدفعوا الإتاوات المطلوبة.
"الزكوري"، أحد الشخصيات النافذة في معبر "عون الدادات"، يتولى إدارة حركة المرور بين "قسد" و"الجيش الوطني"، ويُشرف على التحصيل المالي من المدنيين الذين يسعون للمرور. تُفرض عليهم إتاوات تصل إلى 100 دولار للشخص الواحد، في ظل غياب أي رقابة دولية أو مساءلة قانونية.
دور الفصائل العسكرية: مهربون بغطاء شرعي
تعمل الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري بريف حلب الشمالي على تأمين طرق بديلة للمدنيين الراغبين في العبور، ولكن بتكلفة باهظة. ويدير المهربون الذين يعملون تحت غطاء هذه الفصائل تلك الطرق مقابل مبالغ مالية تصل إلى 87 دولاراً للشخص الواحد، بحجة تأمينه وتجاوز الحواجز العسكرية.
ولا تنتهي الانتهاكات عند المعابر، بل تمتد إلى داخل مناطق سيطرة الجيش الوطني حيث تُفرض إتاوات أخرى على الحواجز المنتشرة على الطرقات، حيث يطلب من المدنيين دفع مبالغ مالية أو حتى التخلي عن ممتلكاتهم الشخصية للمرور الآمن.
انتهاكات جسدية وتحركات مشبوهة
بينما تُحاصر العائلات في المعابر، تمارس قوات الأمن التابعة للفصائل "الجيش الوطني" أساليب ترهيبية تصل إلى التحرش اللفظي والجسدي بالنساء والأطفال. تتحدث التقارير عن قيام العناصر بتبادل الشتائم الجنسية أمام المدنيين، ومحاولة التقرب من النساء دون خوف من أية محاسبة.
تُشرف الفصائل العسكرية على العديد من الحواجز التي تعد بؤراً للابتزاز، حيث يتم توقيف العائلات لساعات طويلة، مما يضطرهم إلى التعامل مع المهربين مرة أخرى لدفع مبالغ إضافية لتسريع إجراءات العبور.
النتائج الإنسانية المدمرة
تزيد هذه الانتهاكات من معاناة المدنيين الفارين من ظروف قاسية في مناطق سيطرة قسد والنظام السوري، ليجدوا أنفسهم ضحية لممارسات لا إنسانية على المعابر. يُجبر النازحون على دفع أموال لا يملكونها، ويتعرضون لظروف قاسية تشمل التحرش والابتزاز والانتهاكات الجسدية.
يُعد هذا الوضع تحدياً كبيراً أمام المنظمات الإنسانية، التي تحاول توفير الحماية للمدنيين في ظل انعدام الأمن والرقابة على المعابر الحدودية.
خاتمة: مع استمرار الأزمات الإنسانية في سوريا وتفاقمها، يظل المدنيون هم الفئة الأكثر تضرراً، ويُبرز هذا التحقيق واقعاً مريراً يجب أن يلقى اهتماماً عاجلاً من قبل الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لضمان حماية المدنيين من الانتهاكات التي يتعرضون لها في طريقهم إلى البحث عن الأمان.