تقارير | 1 03 2024

خلال سنوات الحرب الأخيرة تناقصت أعداد الثروة الحيوانية في سوريا وخاصةً الأغنام، إذ أدت عوامل مثل النزوح وتراجع مساحات الرعي وغلاء الأعلاف والأدوية، لنقص في المواشي وارتفاع في سعرها.
تراجع في الثروة الحيوانية
أوضاع المربين أصبحت صعبة للغاية، وأعداد قطعان ماشيتهم في نقصان مستمر، والمهنة لم تعد تدر مرابحاً مثل الماضي، كما يصف وليد الزين وهو مربي أغنام في منطقة سهل الروج غربي مدينة إدلب.
وشرح لروزنة: "مساحات الرعي قليلة جداً، معظم المنطقة أراضي زراعية وليست مخصصة للماشية، والاعتماد على الأعلاف أمر غير ممكن فأسعارها مرتفعة وبالدولار، والمربين لا قدرة لهم عليها، لذلك تجد أن الكثيرين تخلوا عن المهنة وقسم آخر أصبح يعتمد على التصدير".
من ناحيته يقول رامز المحمدي وهو مربي مواشي أيضاً، أن غلاء ثمن الأدوية البيطرية أثقل كاهل المربين، ورفع من سعر الأغنام، ويصف الأدوية المتوفرة في السوق حالياً بأنها ضعيفة الفعالية، وعدم توفر الفعال منها أدى لحالات نفوق أغنام.
وأكد: "دخل المربين من ألبان وأجبان المواشي، وكانت هناك معامل في الماضي نبيع لها، لكن حالياً لا توجد معامل، نبيع منتجات الأغنام للأسواق المحلية بأسعار بخسة لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج".
وعود بإيجاد حلول
تواصلت روزنة مع محمد أبو وردان رئيس "شعبة الإنتاج الحيوانية" في إدلب، والذي أكد أنهم يعملون على إيجاد حلول لتحسين أوضاع المربين وتنمية قطاع الثروة الحيوانية.
وأوضح: "وجهنا المزارعين إلى زراعة قسم من أراضيهم بالذرة الصفراء والبيضاء التي تستخدم كمواد علفية، لتخفيف الاعتماد على الأعلاف المستوردة، وحالياً لدينا 41 هكتار مزروع ويتم العمل على زيادة هذه المساحات".
وأشار "أبو وردان" إلى أن 1000 طن أعلاف ستوزع على مربي الثروة الحيوانية من قبل المنظمات بالتعاون مع "وزارة الزراعة" في "حكومة الإنقاذ" خلال الفترة القادمة.
وعلى حد قوله: "الوضع يتحسن عما قبل، حتى أسعار الأعلاف انخفضت، العام الماضي كان طن العلف بـ 450 دولار، اليوم تراجع إلى 320، لذلك أعتقد أن هناك تعافي تدريجي في قطاع الثروة الحيوانية".
وتابع أن "الشعبة" تراقب الصيدليات البيطرية، للتأكد من صلاحية الأدوية المتوفرة وضبط أسعارها، لافتاً: "نقوم بجولات مستمرة على الصيدليات والعيادات للتأكد من ضبط الأسعار وعدم التلاعب بها، ونقوم بفحص الأدوية عن طريق إرسال عينات منها لمختبراتنا للتأكد من سلامتها".
الدجاج بديل عن لحم الغنم
مقارنة بسعر لحم الغنم يبدو سعر لحم الدجاج معقولاً، حيث يتراوح بين 100 – 150 ليرة تركية للكيلو الواحد (ما يعادل 3،25 إلى 5 دولار أميركي)، وبالتالي أصبح بديلاً عن لحم الغنم ويعتمد عليه الكثير من الأهالي.
ويقول أبو محمود أحد أهالي إدلب: "عندما كان لحم الغنم بـ 250 ليرة لم نكن نستطيع شراءه، ما بالك اليوم أصبح 350 وأكثر، لذلك أصبحنا نعتمد على الفروج، سعره ما يزال جيد ونأمل ألا يرتفع أيضاً".
بعد تصريحه بأيام، ارتفعت أسعار الفروج بالمحافظة، بما يزيد عن 15 ليرة تركي للكيلو الواحد.
اقرأ أيضاً: إدلب: أسعار الفروج ترتفع بشكل مفاجئ ودعوات لمقاطعة شرائه
وجبات كثيرة اعتاد السوريون أن يكون مكونها الأساسي لحم الغنم أو العجل، ولكن مع ارتفاع أسعارهما تلجأ العائلات لاستخدام لحم الفروج الناعم في هذه الوجبات.
وعن هذا، تقول أم فارس: "الأولاد يحبون الكبة أو السمبوسك، واللحم غالي لا قدرة لنا على شرائه، لذلك أصبحنا نشتري لحم فروج بدلاً من لحم الغنم، الطعم مختلف ومذاقه ليس لذيذاً مثل لحم الغنم طبعاً، ولكنه يفي بالغرض ويسعد الأولاد".
ارتباط اللحم بالمعونات
لم يتذوق عبد الحكيم "أبو رائد" وعائلته طعم اللحم منذ أكثر من أربعة أشهر، بعد أن ارتفع سعر لحم الغنم في محافظة إدلب مؤخراً، ووصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى ما يقارب 12 دولار أميركي.
يعيش "أبو رائد" في إحدى المخيمات بإدلب، يقول إن آخر مرة تناول فيها اللحم كانت تبرعاً من فاعل خير.
وتابع في حديث مع روزنة: "قبل أشهر كانت تصلنا معونات غذائية في المخيم، وكنا نبيع ما يزيد عن حاجتنا منها لشراء اللحم، ولكن الآن لم تعد تصل المعونات، وأصبح أكل اللحم رفاهية لا نقدر عليها".
الدخل البسيط الذي يحصل عليه "أبو رائد" بالكاد يكفي لتأمين أدنى متطلبات الحياة له ولأسرته، ولا يختلف حاله عن حال الكثير من السكان في إدلب سواء النازحين أو المقيمين، في ظل تردي الوضع المعيشي للسوريين.
الرائحة فقط
ومع صعوبة تأمين ثمن اللحم، يشتري البعض كمية قليلة جداً لتنكيه الطعام باللحم، مثل صخر النهار القاطن في مخيم المدينة المنورة شمالي إدلب، والذي يقول: "أنا حالياً عاطل عن العمل، وتأمين اللحم كوجبة رئيسية أمر شبه مستحيل، لذلك أشتري كمية قليلة جداً بما يقارب وزن بيضة الدجاج، لنشم رائحة اللحم بالطعام".
ويضيف صخر بأن أصحاب الدخل بالدولار الأميركي هم من يستطيعون أكل اللحم بشكل طبيعي في الوقت الحالي.
وأوضح وجهة نظره: "يجب أن يكون دخلك 600 دولار شهرياً كي تستطيع تناول اللحم مرتين أو ثلاثة بالشهر، ومعظم الناس هنا دخلهم حوالي 10% من هذا المبلغ، لذلك الغالبية لم يعودوا قادرين على الاستمتاع باللحم".
ويؤكد على هذا أحمد العبد الله الذي يمتلك ملحمة في مدينة إدلب، حيث يشير: "الإقبال على شراء اللحم ضعيف جداً، تستطيع القول إن 80% من زبائننا يشترون لحم بـ 20 أو حتى 15 ليرة تركية، وهذه كمية قليلة جداً بحجم اللقمة، قليلون من يشترون كيلو أو كيلوغرامين مثل السابق".
تصدير الأغنام عامل رئيسي في ارتفاع السعر
من جهته يوضح غياث بكور رئيس "شعبة حماية المستهلك" في مدينة سرمدا بإدلب أن استمرار تراجع قيمة الليرة التركية "المتداولة في المنطقة كعملة رئيسية" مقابل الدولار، أدى لارتفاع سعر اللحم.
وأضاف لروزنة: "أسعار جميع المواد غير مستقرة وليس اللحم وحده، بسبب تذبذب صرف العملات، أيضاً هناك تصدير مكثف للأغنام إلى مناطق ريف حلب الشمالي، وبالتالي انخفضت أعدادها في المنطقة وزاد سعرها".
ولفت إلى إصدار قرار في الآونة الأخيرة يلزم التجار الذين يصدرون الأغنام الذكور باستيراد مقابلها من الأغنام الإناث، من أجل زيادة الإنتاج والتكاثر وحل هذه المشكلة، على حد وصفه.
وتشهد أسواق إدلب تفاوتاً في أسعار اللحم، ما دفع شعبة حماية المستهلك لمراقبة الأسعار.
وعن هذا يؤكد "بكور": "نقوم بإرسال دوريات على محلات بيع اللحوم، وفي حال كانت هناك مخالفة وبيع بسعر مرتفع نقوم بكتابة ضبط ومخالفة صاحب المحل".
ويستمر استنزاف الثروة الحيوانية في سوريا منذ اندلاع الحرب في البلاد، حيث تراجعت أعداد الثروة الحيوانية بمختلف أنواعها بنسبة تتراوح بين 30 – 50 % خلال السنوات الماضية، وفقاً لمديرية الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري.