الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجراً بتوقيت الموت.. عامٌ على لحظات لن تنسى

الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجراً بتوقيت الموت.. عامٌ على لحظات لن تنسى

آثار الدمار في منطقة بسنيا بريف حارم - روزنة

مدونات | 6 02 2024

نور الدين الإسماعيل

تجاوزتْ الساعة 12 بعد منتصف الليل، وعقارب الساعة تقترب من دق ناقوس الذكريات على توقيت كارثة القرن، هكذا أطلق الكثيرون وصفاً على كارثة الزلزال التي أزهقت أرواح آلاف السوريين، في زلزال 6 شباط.

أطفالي الصغار نائمون، بينما أنا أراقب جدران المنزل خشية الاهتزاز في أية لحظة، لا يوجد قاعدة علمية ثابتة أو قانون يؤكد تكرار الكوارث في ذكراها السنوية، كما أنه لا يوجد ما يمنع حدوث ذلك.

النوم الهارب من الجفون تعانده الذاكرة المثقلة بالرعب والذكريات المؤلمة، وليس ثمة شيء يهدئ من تلك المخاوف سوى الاستيقاظ والاستعداد، نعم الاستعداد لشيء ربما قد يحدث في أية لحظة، وأتمنى أن لا يحدث مطلقاً في أي زمان أو مكان.

شريط الذاكرة

مجبراً، تعود بي الذاكرة إلى اللحظات الأولى للزلزال قبل عام تماماً، عندما استيقظت والظلام الشديد يخيم على المنزل، على صراخ زوجتي وهي تقول لي "زلزال.. زلزال.. انهض لنحمل الأطفال إلى الشارع".

من المفارقات والسخرية المرة، قبل حدوث زلزال 6 شباط بـ10 أيام كنت قد نشرت خبراً في "روزنة" عن احتمال تعرض سوريا لزلزال متوسط الشدة، نقلاً عن "المركز الوطني للزلزال" التابع لحكومة دمشق.

عندما نشرت الخبر لم أكن أعي ما هو المعنى الحقيقي للزلزال سوى ما تعلمته في المدرسة، وسمعت عنه في نشرات الأخبار عن زلزال إزمير 1999، وزلزال مرمرة في المغرب في نفس العام، وكنت حينها في الـ19 من عمري، إلا أنني لم أتعرّف إلى المعنى الحقيقي للزلزال سوى في تلك الليلة.

الأرض تهتز تحت قدميّ، المنزل يميل، ربما تتباعد الأرض متراً أو هكذا أحسست، وكأن مارداً قد أمسك بها، وبدأ يحركها ما جعلني أفقد توازني، فسقطت أرضاً، لأستعيد توازني مرة أخرى وأحمل أطفالي وننزل إلى الشارع جميعاً.

لحظات قليلة عادت حالة الرعب من جديد، زلزال آخر، يا إلهي، الأرض لم تتوقف بعد، ما الذي يحدث، الشارع يغص بالأهالي تحت الأمطار الغزيرة، بكاء الأطفال من حولنا يثير الألم، وأصوات النساء الخائفات يزيد المشهد رعباً.. وما الذي يمنع الرجال من الصراخ في تلك اللحظة.. لست أدري؟!

انطلقت لأطمئن على أمي، وأنا أدعو أن تكون بخير، لست أدري حالها، لكنني أتمنى أن تكون بخير، بينما أواجه الأهالي في الشوارع والطرقات سكارى وما هم بسكارى، الكل خائف.. الكل هلِعٌ.. والكل يبحث عن مكان آمن يلجأ إليه مع أطفاله.

حبست دموعي مضطراً عند رؤية أمي بخير، محاولاً تهدئتها وهي التي تبكي في الشارع ظانةً أنها فقدتنا، ضممتها ثم ركبنا السيارة واتجهنا إلى كورنيش إدلب الذي يشكل طوقاً حول المدينة، حيث لا أبنية تسقط ولا أسقف تنهار.

بعد مضي أكثر من ساعتين داخل السيارة، والأمطار لم تهدأ لحظة واحدة، وأنا أحاول إقناع العائلة بالعودة وأن الأمر مرّ بسلام ولا يوجد ما يخيف "لقد انتهى كل شيء، سنعود".

عدنا إلى المنزل خائفين، الكهرباء مقطوعة، والإنترنت لا يتوفر في معظم شبكات المدينة الخاوية على عروشها، إلا أنني تمكنت من الحصول على شبكة من عند جاري لأُطمئن زملائي ومن سأل عني وأخبرهم أنني بخير، ولأبدأ بالتعرف على الحجم الحقيقي للكارثة التي صدمت العالم.

ما بعد الكارثة

قبل أيام قليلة زرت مقبرة أهل مدينتنا في منفاهم بجبل باريشا، لأتفاجأ بأعداد الوفيات التي دُوّن على شواهد قبورها "الفاتحة لروح المرحوم/ة توفي/ت في 6 شباط"، يا إلهي، كانوا جميعهم معنا، وكان لكل واحد منهم أحلامه وأمنياته ومشاريعه المستقبلية، وفي لمح البصر، رحلوا جميعاً.

وثق فريق "منسقو استجابة سوريا" مقتل 4256 شخصاً وإصابة 11774 في زلزال سوريا، كما وصل إلى الداخل السوري 2240 جثماناً لأشخاص قضوا في زلزال تركيا، و67 حالة ضمن المفقودين الذين لم يعثر على جثامينهم، ودفنوا تحت الركام.

وتسببت الكارثة بنزوح 311662 شخصاً إلى مناطق أخرى اعتقد هؤلاء أنها أكثر أمناً، بعد أن عاشوا اللحظات المؤلمة في منازلهم التي تصدعت وتضررت بفعل الزلزال.

عشرات الآلاف باتوا بلا مساكن، في حين عادت أسر كثيرة لتعيش في منازلها المتصدعة في ظل عدم حصولهم على مساكن من المشاريع الكثيرة التي أُعلن عنها لإعادة تسكين المتضررين من الزلزال، والتي لم ينتهِ معظمها حتى اللحظة.

كانت المرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 التي لم ينقسم فيها السوريون، ليكون الحزن مشتركاً، والخوف واحداً من شيء ليس سورياً هذه المرة، فكان الجميع ضحايا لهذا الشيء، والذي أعاد للأذهان شعار "الشعب السوري واحد"، قبل أن يبدده سلاح المتقاتلين بأجنداتهم ومصالحهم المختلفة.

عامٌ من الحزن والخوف يطوي صفحته على أكثر المناطق السورية التي شهدت كوارث بشرية وحروباً وقصفاً لتكمل عليها الكوارث الطبيعية، وكأن الموت قد وقّع معها عقداً لا ندري متى ينتهي وكيف، وعلّنا حينها نجد إجابة على تساؤلات أطفالنا التي تقول: "لماذا نحن فقط يا أبي كُتب علينا الشقاء"؟!

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض