تقارير وتحقيقات | 2 02 2024

محمد سليمان

في القنيطرة جنوبي سوريا، لا ينظر الأهالي إلى الشتاء على أنه فصل البرد والمطر فقط، ولكن كموسم ينتظره الكثير لجمع الفطر البري أو "الفطاريش و الفطريش" حسب التسمية المحلية، إذ تحوّل جمعها في السنوات الماضية من هواية مميزة إلى مصدر دخل موسمي.

في الأيام المناسبة لجمع الفطر، يتسابق العديد من سكان المحافظة، وأحياناً عائلات بأكملها، إلى الأحراش أو الأراضي البور للحصول على وجبة لذيذة من الفطر بعد فرز أنواعه، منهم محمود الذي يتجه مع ساعات الصباح الأولى من بلدته الصمدانية ليتجول بين الأراضي بحثاً عن الفطر البري.

يقول محمود لروزنة إن رحلة إيجاد منطقة يتواجد بها "الفطريش" قد تستغرق أربع ساعات، موضحاً: "أصل من بلدتي إلى البلدات المجاورة لمدينتي البعث وخان أرنبة، إذ تتركز أماكن البحث في منطقة القنيطرة المهدمة، أتجوّل بين الأراضي رفقة عدد من أفراد عائلتي، وهدفنا العثور على الفطاريش".

وأشار إلى أن طبيعة أراضي القنيطرة مناسبة لنمو "الفطاريش"، كما يلفت أن موسم جني الفطر يبدأ مع هطول الأمطار في شهر تشرين الثاني من كل عام، حتى نهاية فصل الشتاء.

ونوّه خلال حديثه: "لكن الكمأ (فقع الفطر) لا يظهر إلا بعد المطر المترافق مع البرق، حيث ينمو بين الأشواك وقرب الشجر وبين الصخور".

وعن الصعوبات التي تواجه جامعي الفطر خلال بحثهم عن أنواع محددة، يشرح محمود أن البحث يبدأ خلال يوم أو يومين من هطول المطر المترافق مع البرق، ما يجعل المهمة صعبة "فالبحث لساعات طويلة والمشي لمسافات في مساحات واسعة من الأراضي، لأن الفطر لا ينبت في أماكن متقاربة، ما يجعل الكمية التي يحص عليها جامع الفطر مرتبطة بالحظ دوماً".

تتراوح أسعار الفطر البري في أسواق محافظة القنيطرة بين 15 إلى 25 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد.

وقالت سهام (اسم مستعار) من سكان بلدة الكوم، إنها تبيع  بين ثلاثة إلى أربعة كيلوغرام بعد كل يوم تجمع فيه الفطر، معتمدة على نوع "الفطر الغنامي" أو "فطر بوز العجل"، باعتباره الأكثر طلباً في السوق المحلية.

وأضافت: "لا أجد صعوبة في بيع ما أجمعه من الفطر بالسوق، على عكس المحال التجارية التي يشترونها منّا بأسعار أقل. في السوق الأمر يحتاج لوقت قليل، فالكمية ليست كبيرة والطلب على الفطر الغنامي جيد، وهو الأأغلى مع فطر الهملص بسعر 25 ألف ليرة لكل منهما، فيما يباع فطر بوز العجل بعشرين ألف ليرة".

الهدف من رحلة جمع الفطر البري ليس دوماً بغرض التجارة وتحقيق الأرباح، فهي أيضاً رحلة للتسلية والمنافسة بين الأصدقاء، كما يخبرنا أيمن من سكان بلدة رويحينة.

وأوضح مبتسماً خلال ذكر التفاصيل: "نمشي أنا وأصدقائي بنسق منتظم ونمشط الأرض بحثاً عن الفطر في الأراضي البور غير المحروثة، الكلمات الوحيدة التي تسمع في هذه الرحلة: هي فقعة، أي أن الشخص وجد فطراً، يقابله صمت لمن لم يحالفهم الحظ بالعثور على الفطر. أما الكمية فتختلف في كل مرة لوجود عدد كبير من الأهالي يشاركونا الهدف ذاته".

من جانبه، يعتبر الرجل السبعيني، أبو ياسين، أن الفطر البري "هدية من السماء" لمذاقه المميز واختلافه عن فطر المزارع، واصفاً بإعجاب: "البعض هنا يشبه الفطر البري باللحم، وآخرون يعتبرونه بديلاً للحم في أراضي القنيطرة. لذيذ بمختلف أنواعه، الغنامي وبوز العجل والهملص وفطر الشجر والكلخ".

وعن الألذ بينها، قال: "معظم الأهالي يفضلون الغنامي، أما بالنسبة لي ففطر الكلخ هو الأفضل، لانه يتميز بحجمه الكبير ومذاقه المميز، لكنه قليل مقارنة بالأنواع الأخرى".

وبعد انتهاء رحلة جمع الفطر والعودة إلى المنزل، تبدأ السيدة أم ياسين بتحضيره.

تشرح لروزنة: "طبخه لا يحتاج سوى لزيت الزيتون والبصل، ذلك بعد غسله وتقطيعه. أطبخه مع الزيت مضاف له الملح والفلفل، وبعض الأنواع تحتاج للسلق قبل طبخها بزيت الزيتون، خاصة فطر الشجر".

وختمت حديثها: "لا تكتمل المتعة إلا بشوي بعض قطع الفطر على مدفأة الحطب وإضافة القليل من الملح، فتلك التجربة تعتبر تجربة شتوية مميزة للغاية".