تقارير وتحقيقات | 26 01 2024

"خوف وقلق وتوتر" مشاعر دفينة لدى سوريين يحاولون تجاوزها أو إخفاءها مع أولى لحظات تناثر الثلوج على ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا منذ صباح اليوم الجمعة، إحدى الولايات المتضررة من زلزال شباط 2023، ضمن 11 ولاية.
تحوّل الثلج الأبيض المرتبط بالسعادة والمرح والخير في كل عام إلى مصدر للقلق والخوف، والبعض تمنى أن لا تثلج هذا العام لما عانوه من كارثة زلزال شباط، حيث كانت الثلوج تغطي كل مكان في الجنوب التركي، وبعض المناطق الشمالية في سوريا.
ومنذ دخول الشتاء، يتخوّف سوريون من أن تحل كارثة ما كلما اقتربت الذكرى الأولى من كارثة الزلزال، وبخاصة مع تساقط الثلوج.
"لا أتمنى رؤية الثلج مجدداً"
"ارتبط الثلج بالنسبة لي بالزلزال (...) لست سعيدة باللون الأبيض، ولأول مرة أشعر وكأنه يخنقني ويبعث التوتر لدي" تقول نور، سيدة سورية مقيمة في ولاية غازي عنتاب.
وما زاد توترها أكثر عودة الهزات الارتدادية، بدرجة عالية، والتي غابت لفترة، رغم استمرارها منذ مطلع العام الفائت حين وقوع الكارثة.
وتشرح السيدة السورية كيف أعادت الهزات الارتدادية لها لحظات رعب وقوع الكارثة قبل سنة "تذكرت كيف خرجنا هاربين من منازلنا لنجد الدنيا غارقة بالثلوج، ما أعاق حركتنا من المكان الذي كنا فيه".
آثار الدمار في ملاطيا جنوبي تركيا على خلفية زلزال 6 شباط / رويترز
وأمس الخميس، ضرب ولاية ملاطيا زلزال بقوة 5.2 درجة شعر بها أهالي الجنوب التركي، بما في ذلك ولاية عنتاب، تلاه عدة هزات ارتدادية.
تخاف نور من حدوث فاجعة جديدة، في هذا الجو البارد، إذ تتمنى توقف هطول الثلج بسرعة، موضحة السبب: "في حال حدوث شيء ما لا نستطيع الحركة بسهولة، أصبحت أشعر به وكأنه حصار، يحاصرك بالمكان الذي أنت فيه، يصعب الخروج منه".
وتختم حديثها مع روزنة: "لا أتمنى رؤية الثلج مجدداً".
اقرأ أيضاً: اكتئاب الشتاء .. الأعراض وسبل الوقاية والعلاج
مصدر الخير انتهى!
في جلسة نسائية صباحية، في إحدى منازل السوريات، كان الثلج الحديث الذي تصدّر جلستهن.
"هذا الجو كان يعني لي الكثير من السعادة والفرح، كيف لي آن أراه مصدر خير من بعد الآن؟"، تتساءل سما، خلال الجلسة، لترد صديقتها هلا: "ينتابني القلق منذ بدء تساقطه أيضاً".
من جانبه، قال حازم، شاب مقيم في ولاية غازي عنتاب، لروزنة: "تلاشى لدي الخوف على مدار العام، لكن أخاف من أي يصيب أفراد عائلتي أي حالة توتر بسبب هذا الجو نتيجة ارتباطه بكارثة 6 شباط (…) أتمنى السلامة للجميع".
"في دمشق كانت الثلوج كالعيد"
يتحدث سليم الشاب السوري المقيم في غازي عنتاب، عن شعوره عند هطول الثلج في العاصمة دمشق، عندما كان يقيم فيها، إذ تشكل مشاهدة المدينة مكسوة باللون الأبيض، فرحة كفرحة العيد، على حد وصفه.
لكن، الحال تغير الآن، يفسر لنا: "منذ عام وحتى اليوم ارتبط الثلج بالألم، أي شيء مرتبط بالزلزال يعيد لنا ذكرياتنا الأليمة، ويصبح شيء غير مرغوب فيه، بما في ذلك الثلوج".
ويتساءل الشاب: "هل نستطيع التعايش مع الثلج مرة أخرى بفرح كما في السابق؟".
ما علاقة الثلوج بزلزال شباط؟
ما بين أواخر كانون الثاني وأوائل شباط العام الفائت، ملأت الثلوج الولايات الجنوبية، ومنح الطلاب عطلة رسمية، والعديد من العمال والموظفين توقفوا عن العمل لأيام بسبب كثافة الثلوج آنذاك وصعوبة تحرّك وسائل النقل.
لكن في الرابعة من صباح الإثنين، في السادس من شباط، وقعت الكارثة غير المتوقعة، زلزالان متتاليان بدرجة 7.8 ريختر لمدة لا تقل عن دقيقة، ضربا الجنوب التركي والشمال السوري، توفي على إثره أكثر من 50 ألف شخص، وتهدّمت آلاف المنازل، والبنى التحتية، فضلاً عن الأضرار النفسية التي لا تزال ترافق الذين عاشوا الكارثة إلى اليوم.
تتحدث يمنى، إحدى السيدات اللواتي عشن الكارثة: "خرجنا هلعين مع أطفالنا، كما جميع الناس، ماهي إلا ثوان وكنا جميعاً في أسفل البناء، الثلوج تحيط بنا، تغمر الشوارع والسيارات وكل مكان، طقس بارد جداً، ولا بيت لنا".
وتضيف: "تعثرنا، لا نعلم إلى أين نهرب، الكارثة في كفة، والطقس في كفة أخرى، لهذا ارتبط لدينا الثلج بالخوف والهلع والمعاناة، شعرنا بالبرد ينهش عظامنا عن سنوات آنذاك".
قد يهمك: عندما يعود بك الزلزال للصفر مرةً أخرى.. سوريون فقدوا كلّ شيء
اكتئاب الشتاء!
وبعيداً عن كارثة شباط، يعاني كثيرون من مزاج معكر وربما عزلة، مع دخول فصل الشتاء، الأمطار، البرد، أو الثلج، ويدرج تداول مصطلح اكتئاب الشتاء أو الاضطراب العاطفي الموسمي والاكتئاب الموسمي.
انخفاض ممارسة الأنشطة في الشتاء، مثل الخروج بنزهات، اللقاءات، الزيارات، الرياضة، يؤدي إلى خمول وتعكر في المزاج، وتعكر المزاج بدوره يؤدي ايضاً إلى التقليل من ممارسة الأنشطة أو انقطاعها، فيدخل الشخص في دائرة سلبية.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى المؤلمة لكارثة الزلزال، يحاول العديد ممّن تحدثت إليهم روزنة، تجاوز المحنة، متمنين في الوقت ذاته أن يتخلصوا مع الأيام من المشاعر السلبية التي ارتبطت بالثلج والجو الشتوي.
ونصح العديد ممن عايشوا الكارثة بالتحدث مع اختصاصيين نفسيين لتجاوز الأزمة النفسية المرتبطة بزلزال 6 شباط، أملاً في إيجاد السلام النفسي.