"لوهلة ظننت أن ابني البالغ من العمر 22 عاماًَ غرق في البحر، عندما جاءني خبر إنقاذه لم أتمالك نفسي من الفرح، وهبه الله روحاً جديدة"، يقول عبد الله، والد أحد الشباب السوريين الذين أنقذته السلطات القبرصية قبالة سواحلها، أمس الأربعاء، من بين 60 مهاجراَ.
وبعد أسبوع على فقدان الاتصال بقارب هجرة غير شرعي انطلق من شمالي لبنان، عُثر عليه أمس الأربعاء، وأنقذت السلطات القبرصية في مياهها الإقليمية 60 شخصاً كانوا على متنه، توفي منهم طفل بعد إسعافه.
وقالت قبرص إنها أنقذت 60 مهاجراً من قارب صغير قبالة سواحلها، بينهم ثلاثة أطفال ورجل، كانوا فاقدين للوعي على متن القارب.
قرّر ابن عبد الله الهجرة بطريقة غير شرعية "أملاً ببناء مستقبل أفضل"، وفق والده، بسبب الظروف المعيشية السيئة في سوريا التي يعاني أكثر من 90 بالمئة من مواطنيها من الفقر.
تحدث والد الشاب لروزنة عن سبب غرق القارب قائلاً: "تعطّل محرك القارب بعد انطلاقه بخمس ساعات ومن ثم أصبح 60 مهاجراً بينهم ابني من المفقودين لمدة أسبوع، لحين إنقاذهم أمس".
الوضع الصحي للمهاجرين!
المتحدث باسم الخدمات الصحية، شارالامبوس شاريلاو، قال لـ"هيئة الإذاعة القبرصية" إن طفلاً توفي، من بين خمسة أطفال أسعفوا إلى المستشفى في قبرص، بعد إنقاذهم من ضمن 60 مهاجراً، حيث أصيب بنوبة قلبية ولم يستطيع الأطباء إنعاشه، وفق صحيفة "أسوشيتد برس".
وأضاف شاريلاو، أن طفلين آخرين، عمرهما 3 و5 سنوات، لا يزالان في العناية المركزة في أحد مستشفيات العاصمة القبرصية، ويتلقى قاصران آخران العلاج في المستشفى، لكن حالتهما ليست خطيرة.
كذلك نقل شخصان بالغان إلى المستشفى بسبب كسور في الساق، وتم نقل السوريين المتبقين إلى مركز استقبال المهاجرين على مشارف العاصمة.
حالة المهاجرين الذين كانوا على متن القارب كانت سيئة جداً، عدد منهم كان فاقداً للوعي حين إنقاذه، وفق ما قال لروزنة المحامي، محمد صبلوح، الذي كان يتابع قضية القارب منذ اختفائه.
وأمرت محكمة قبرصية، أمس الخميس باحتجاز رجل يبلغ من العمر 47 عاماً لمدة ثمانية أيام للاشتباه في قيادة القارب والانتماء إلى شبكة التهريب التي نظمت الرحلة، ويواجه أيضاً تهمة القتل غير العمد فيما يتعلق بوفاة الطفلة.
ووفق السلطات القبرصية، فإن الدلائل الأولية تشير إلى أنّ القارب أبحر من لبنان في الـ 18 من الشهر الجاري.
مرح، لاجئة سورية (فضلت عدم كشف هويتها) تعيش في مدينة طرابلس شمالي لبنان، وتنحدر من مدينة دير الزور شرقي سوريا، أكدت لروزنة أنّ 25 شخصاً من أبناء قريتها كانوا على متن القارب الذي عثر عليه في قبرص.
وعن أسباب السفر بطريقة غير شرعية، توضح مرح: "قرروا السفر عبر تلك القوارب بسبب أوضاعهم المعيشية الصعبة والتضييق الذين كان يحصل في الفترة الأخيرة عليهم، فغالبيتهم يعيشون في لبنان".
ويوجد في لبنان أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري، وفق الحكومة اللبنانية، ويعانون من ظروف معيشية متدهورة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية، إضافة إلى تضييق من قبل الحكومة اللبنانية ومطالبتهم بالعودة إلى سوريا.
أحد المهاجرين الذين كانوا على متن القارب اصطحب معه ابنه البالغ سبع سنوات، وهو مريض كلى بحاجة دائمة للغسيل والرعاية، فوالده قرر اصطحابه معه لعله يحظى بفرصة علاج أفضل، كما تشير مرح لروزنة.
وأطلق مدنيون من ريف دير الزور نداء استغاثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد فقدان الاتصال بأبنائهم، وتوجهوا إلى السلطات القبرصية بضرورة التدخل من أجل مصير 25 مهاجراً عبر القارب من أصل 60 شخصاً.
اقرأ أيضاً: صحيفة: نصف المهاجرين الوافدين إلى قبرص هذا العام سوريون
سبب فقدان القارب
وأبلغت سفينة تجارية عن وجود قارب صيد خشبي صغير قبالة كاب غريكو، في جنوب شرق الشطر اليوناني من قبرص، لترسل السلطات طائرات هليكوبتر للإنقاذ وسفن الدوريات.
وقالت الشرطة، بحسب الإذاعة الرسمية القبرصية، إن القارب غادر لبنان بكمية غير كافية من الوقود ويفتقر إلى نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو أي مساعدة ملاحية أخرى، ولا حتى بوصلة.
الصحفي المتخصّص بقضايا الهجرة، إيهاب الراوي، أشار في حديث لروزنة، إلى أنّ السبب الذي إلى أدى إلى فقدان القارب هو عطل طرأ عليه فجأة أفقده القدرة على متابعة الرحلة.
"العناية الإلهية تدخلت في الوقت المناسب قبل حدوث كارثة، فالمركب كان مغموراً بالمياه لذلك لم يستطع الرادار تتبع أثره والعثور عليه"، يقول الراوي.
ولفت الصحفي إلى أنه زوّد السلطات القبرصية بأسماء بعض من كانوا على متن القارب وهي بدورها أفادته بأنها عثرت على ناجين بأسماء مشابهة للأسماء التي أرسلها.
ووفق "الراوي"، لا وفيات على متن القارب إنما حالات صحية ونفسية سيئة بسبب الجوع والبرد والخوف.
وتقع قبرص على مسافة نحو 185 كيلومتراً غربي لبنان وسوريا، وشهدت الشهور الأخيرة زيادة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين من كلا البلدين إلى قبرص، ما أثار مخاوف الأخيرة من تزايد أعداد المهاجرين وسط تصاعد الحروب في الشرق الأوسط.
وارتفع عدد المهاجرين السوريين الوافدين إلى قبرص عام 2023 لأكثر من الضعف عن العام 2022، إذ بلغت نسبتهم 53 بالمئة من إجمالي المهاجرين، فيما بلغت نسبتهم العام الذي سبقه 23 بالمئة، وفق بيانات صادرة عن دائرة الهجرة القبرصية في تشرين الثاني العام الفائت.
وحسب صحيفة "فيلينيوز" المحلية القبرصية، فإن واحداً من كل اثنين من المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى قبرص عبر البحر عام 2023 هم من السوريين، مقارنة بواحد من كل أربعة العام الذي سبقه.
قارب سابق مفقود؟!
ويأتي خبر العثور على القارب المفقود منذ 18 كانون الثاني بموازاة عدم توفر أي معلومات عن القارب الذي فقد الاتصال به منذ أكثر من شهر، والذي يقل 85 مهاجراً.
وبحسب الصحافي إيهاب الراوي لا معلومات جديدة عن القارب المفقود إطلاقاً، لكنه يرجح أن تكون الجثث التي تم العثور عليها في قبرص التركية و أنطاليا عائدة إليهم.
اقرأ أيضاً: قارب آخر مفقود و6 جثث على الشواطئ التركية… ماذا حصل؟
المحامي صبلوح المتابع أيضاً لقضية القارب المفقود، قال لروزنة، إنه يعمل على موضوع إجراء فحوصات الحمض النووي DNA للجثث التي تم إيجادها في قبرص التركية وفي أنطاليا للتأكد إن كانت تعود لمن كانوا على متن القارب المفقود أم لا.
وأكد المحامي أنه لا توجد أي معلومات حتى الآن عن القارب.
القارب المفقود في الـ 12 كانون الأول كان على متنه 85 راكباً وكان متجهاً إلى قبرص، وانطلق مع 3 قوارب أخرى، وصلت إلى وجهتها بالسلامة، فيما فقد الاتصال ولم يعرف شيء عن مصير ركابه الذين يتوزعون بين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين.
في موازاة ذلك، تفيد المعلومات بأن الرحلات لم تتوقف على رغم الطقس العاصف وما يعنيه من أمواج عالية واحتمالات صعبة، إضافة إلى تزايد خطر هذه الرحلات عموماً، لا سيما أن معظم هذه القوارب لا تتوفر فيها مقومات السلامة والأمان وحتى الطعام والشراب بكميات كافية، إضافة إلى أن المهربين يقومون بتحميل المراكب بأعداد من المهاجرين تفوق قدرتها على الاستيعاب، ما يزيد المخاطر ويهدد حياة كثيرين.