"نبيع لنعيش".. كيف تأثر "سوق المساعدات" شمالي سوريا بنقص الدعم؟

تأثير انخفاض المساعدات الإنسانية شمالي غربي سوريا - تصميم روزنة

تقارير وتحقيقات | 24 01 2024

نور الدين الإسماعيل

خلال السنوات السابقة، انتشرت في مناطق شمالي غربي سوريا محال تجارية وبسطات لبيع بعض المواد المخصصة كمساعدات، والتي تبيع بضائعها بأسعار أقل من البضائع التجارية، ما ينعكس على البائع والمشتري بالفائدة.

تراجعت العام الفائت عمليات المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة، قياساً بالسنوات السابقة، على الرغم من أن العام الماضي شهد أكبر كارثة إنسانية تتعرض لها سوريا والمنطقة في زلزال 6 شباط.

ومع بداية العام الجاري، أعلن "برنامج الغذاء العالمي" إيقاف مساعداته الغذائية المقدمة إلى سوريا، والتي تشمل غالبية المشاريع، مع الاستمرار ببعضها الآخر، ما انعكس على سكان شمالي غربي سوريا، بمختلف شرائحهم.

"نبيع بعضها لنستكمل احتياجاتنا"

الحاجات المتراكمة التي تواجهها غالبية الأسر في شمالي غربي سوريا دفعت بعض المستفيدين من مشاريع المساعدات السابقة لبيع بعضها، من أجل تأمين ما يلزمهم من احتياجات أخرى.

بأسىً، يضطرُّ سمير الذي يقيم في مخيم بمنطقة حارم، لبيع البقوليات (عدس حمص فول) إضافة إلى بعض المواد الأخرى الفائضة عن الحاجة، خلال الفترة الماضية، من أجل أن يشتري بثمنها ما ينقصه في المنزل.

ويضيف الشاب الثلاثيني: "يوجد في كل سلة شهرية ما يقارب 5 كغ من العدس والفول والحمص، نبيعها بينما نحتفظ بالمؤونة التي تكفينا فقط، من أجل شراء الشاي أو السمن أو الخضروات".

الأمر ذاته أخبرنا به لؤي، وهو يعيش في نفس المخيم (طلبا عدم الكشف عن اسمه)، أنه يعتمد على السلة الغذائية بشكل أساسي، "إلا أن هناك احتياجات أخرى لا توفرها السلة، وأضطرُ لشرائها من الأسواق، فمن أين آتي بثمنها وأنا بدون عمل في معظم الأيام"؟

وعبّر عن أمله في أن تستمر تلك المساعدات لأنها تعينهم "بعض الشيء" على تأمين احتياجاتهم اليومية، "على الرغم من قلة كميتها".

وتكشف أم علي لـ"روزنة" أنها باعت سلة المطبخ (أواني منزلية ومفروشات) التي حصلت عليها قبل شهر بقيمة 80 دولاراً، من أجل شراء وقود للتدفئة، بعد أن علمت أنها لن تحصل على مساعدات للتدفئة هذا العام.

مساعدات يستفيد منها الغالبية

لا يحصل جميع سكان مناطق شمالي غربي سوريا على المساعدات، على الرغم من وجود نسبة كبيرة من المحتاجين للمساعدات الإنسانية، والذين يضطرون لشراء احتياجاتهم من البضائع الأرخص ثمناً.

تلك المحال التجارية والبسطات كانت تشكل وسيطاً بين المستفيد من السلة الغذائية والمشتري الباحث عن البضاعة الأقل ثمناً، والتي تساعده في توفير المصروف الشهري، في ظل الواقع الاقتصادي المتردي.

يقول أحمد (اسم مستعار) وهو موظف في إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة: "أثر وقف المساعدات الغذائية على مختلف الشرائح من سكان شمالي غربي سوريا، علماً أن تلك المساعدات غير مخصصة للبيع ويمنع بيعها أساساً، إلا أنه لا يمكننا ملاحقة بائعيها أو مشتريها، وليس لنا سلطة عليهم، وصراحةً لا نلومهم".

ويوضح حديثه قائلاً: "نحن نعيش في هذه المنطقة، ولسنا منفصلين عن أهلنا وندرك واقعهم المعيشي جيداً، الحاجة إلى أساسيات الحياة الأخرى تجبر بعض الأهالي على بيع الفائض عن حاجتهم لشراء غيرها".

"دخلي المتواضع يدفعني للشراء"

منذ أن سكن شادي (اسم مستعار) في مدينة إدلب، قبل 4 أعوام، حين وصل نازحاً من ريف إدلب الجنوبي، أجرى جولة على محلات بيع المساعدات الإنسانية ليصل إلى البضاعة الأقل ثمناً، ويكون زبون المحل الدائم، بما يتناسب مع راتبه كمعلم (125 دولاراً).

يقول شادي لـ"روزنة": "أنا لا أحصل على مساعدات إنسانية، لا أدري ما هو السبب، ولكن كنت مستفيداً من شراء ما تحتاجه أسرتي من المواد الأساسية عبر هذه المحلات التي توفر البضاعة بأسعار مقبولة".

انخفاض نسبة دخول المساعدات الغذائية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي أدى إلى ندرة تلك البضائع في الأسواق، ما جعل رحلة بحثه عنها شاقة وانعكست بزيادة مصروفه الشهري، وفق قوله.

بدوره، لجأ عبد الله، قبل شهر من الآن، لشراء قطعتي موكيت من قياس (3×2) متر، بسعر 550 ليرة تركية (18 دولاراً تقريباً) للقطعة الواحدة، من أحد محلات بيع المفروشات المخصصة للمساعدات.

يخبرنا عبد الله أن نفس القطعة تباع في المحلات الأخرى بسعر 1100 ليرة تركية "أي أنها بنصف القيمة تماماً، وأنا في الأساس غير قادر على شرائها من المحلات التجارية بسبب ارتفاع ثمنها، بينما أتقاضى من عملي في مطعم شاورما 150 دولار شهرياً".

وأضاف الشاب الذي يقيم في مدينة إدلب، بأنه اشترى بطانية "مخصصة كمساعدات" من القياس الكبير لطفله الصغير بسعر 400 ليرة تركية، بينما يبلغ سعرها في المحلات التجارية 750 ليرة تركية.

"لم تعد متوفرة"

على كرسيه الخشبي القديم، يجلس محمد (اسم مستعار) أمام محله المتواضع في أحد الأحياء بمدينة إدلب، والذي يبيع فيه بعض المفروشات المخصصة كمساعدات إنسانية، في ظل تراجع حركة البيع والشراء.

وكشف البائع أنه يحصل على البضاعة من أشخاص متفرقين يبيعون الفائض عن احتياجاتهم، للاستفادة من ثمنها.

وبحسب ما أخبرنا فقد توقف عن بيع البضاعة المكونة من المساعدات الغذائية بسبب توقف بيعها من قبل المستفيدين، بعد تراجع الكميات المقدمة من الأمم المتحدة، قبل الإعلان الأخير عن توقفها بشكل كامل.

ووفق رأيه زاد من حجم الكارثة توقف أحد الأمراء السعوديين عن دعم نسبة كبيرة من المخيمات، والتي كان يؤمّن لها سللاً غذائية شهرية، بالإضافة إلى الكفالات المالية الشهرية للأيتام، إلا أنه أوقف جميع مشاريعه في المنطقة، منذ حزيران الماضي.

وبحديث مقتضب أخبرنا ثائر (اسم مستعار) وهو صاحب محل "بقالة" أنه كان يعتمد في السابق على البضائع المخصصة من المساعدات التي يبيعها المستفيدون، إلا أنها تراجعت بشكل كبير جداً مؤخراً، ما دفعه للاعتماد على البضائع التجارية النظامية، مع ما يتوفر من تلك المواد التي يبيعها بأسعار أقل، "إن وجدت".

تراجع كمية المساعدات

قبل أن يعلن برنامج الغذاء العالمي إيقاف مشاريعه في شمالي غربي سوريا، كان قد أجرى 6 تخفيضات على وزن السلة الغذائية، والتي انخفضت منذ عام 2020 من 77,28 كغ إلى 37 كغ في نيسان الماضي.

وبمقارنة التقريرين السنويين الصادرين عن معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهو المعبر الوحيد المخصص لدخول تلك المساعدات، يتبين كمية الانخفاض الكبيرة التي أجرتها الأمم المتحدة على المساعدات خلال العامين الأخيرين.

وبحسب التقرير السنوي لعام 2023، الصادر عن المعبر مطلع العام الجاري، فقد دخلت إلى شمالي غربي سوريا 4046 شاحنة مقدمة من الأمم المتحدة، محمّلة بـ 98 ألف طن، بما فيها المخصصة لزلزال 6 شباط ، في حين دخلت 7600 شاحنة في عام 2022، مقدمة من الأمم المتحدة ومحملة بـ 175 ألف طن.

وفي تقرير سابق نشره فريق منسقو استجابة سوريا، منتصف الشهر الجاري، وصف الوضع في شمالي غربي سوريا بأنه يشهد "انهياراً اقتصادياً (...) بالتزامن مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية".

وأكد التقرير على عدم قدرة الأهالي في المنطقة على تأمين احتياجاتهم اليومية ضمن الحد الأدنى، في ظل "الزيادة الملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين في المنطقة".

ووفق التقرير فقد ارتفع حد الفقر المعترف به إلى قيمة 9,314 ليرة تركية، بينما ارتفع حد الفقر المدقع (الشديد) إلى قيمة 6,981 ليرة تركية، في حين وصلت أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى 4.6 مليون شخص.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض