تستمر الطائرات المسيرة التابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة باستهداف قياديي تنظيم "حراس الدين" في إدلب، في تحركات متتابعة تبدو وكأنها تأتي ضمن مخطط أميركي ينوي القضاء على نفوذ ذراع تنظيم القاعدة في سوريا.
و استهدفت الطائرات المُحمّلة بصواريخ من نوع "نينجا" قياديين في "حراس الدين" منذ 3 أشهر بشكل مكثف، كان آخرهم يوم أمس الاثنين، جهادي يدعى "سياف التونسي" محسوب على "الحراس" بـ 4 صواريخ في حي القصور داخل مدينة إدلب، وهو أحد الشخصيات المعادية لزعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، الذي يسيطر على المنطقة بشكل شبه مطلق وفق ما أفادت به مصادر محلية لـ "روزنة".
قصف يوم أمس كان نموذجًا مشابهًا للاستهداف الذي طال قيادي آخر في التنظيم الإرهابي منذ شهر (13 آب)؛ حينما استهدفت طائرة التحالف؛ مركبة كان بداخلها المدرب العسكري ضمن المعسكرات التدريبية التابعة لـ "حراس الدين"، "أبو يحيى الأوزبكي" بالقرب من بلدة سرمدا في ريف إدلب الشمالي مما أدى إلى مقتله على الفور.
قد يهمك: تسخين متزايد في الشمال السوري… تصعيد جديد مرتقب؟
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن صاروخ "نينجا" يضرب الهدف بشكل مركز دون انفجار، ما يتيح تقليص دائرة الاستهداف بشكل حاد، حيث استخدم لأول مرة في عام 2017. و يُعد الصاروخ الأميركي الذي يصنع تحت اسم "R9X" نسخة محدثة من صاروخ "هيلفاير" لكنه مزود خلافًا عن سابقه برأس غير متفجر، يتجاوز وزنه 45 كيلوغرامًا، و يحتوي الصاروخ الجديد على ست شفرات تنطلق عند ارتطام الصاروخ بالهيكل المعدني لتقليل الأضرار الناجمة عن الانفجار.
سياسية أميركية للقضاء على "حراس الدين"؟
الباحث في مركز "جسور للدراسات" والمتخصص في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، اعتبر أن مسألة استمرار استهداف المحسوبين على "حراس الدين" يرتكز على "بنك أهداف" موجود لدى القيادة الأميركية في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذا "البنك لا يمكن تثبيت وجوده دون تعاون على الأرض (وتقديم معلومات) من قبل عملاء متعاونين يسربون مواقع هؤلاء الأشخاص".
وأضاف خلال حديثه لـ "روزنة" بأن التونسي الذي تم استهدافه يوم أمس له علاقة مع "تنظيم القاعدة" وكان له حضور في كل أفغانستان تونس قبل الوصول إلى سوريا، وأردف منوهًا بأن السياسة المتبعة في قصف نفوذ "حراس الدين" ما هو إلا "سياسة من قبل التحالف الدولي قائمة على إعادة تشكيل الوضع (في الشمال) بصورة جديدة؛ من خلال شل فعالية القيادات و أصحاب الأفكار المتطرفة، إضافة إلى منح المجال للقوى المحلية حتى لو كانت تحرير الشام للتخلص من هؤلاء".
و زاد بالقول بأن سياسة الاستهداف المتبعة تتيح للقوى المحلية في إدلب إعادة التموضع من جديد داخل النسيج السوري، كما رجّح أن نتيجة هذه السياسة ستؤدي إلى القضاء على نفوذ "حراس الدين"، لافتًا في الوقت ذاته إلى حالة "الهدنة أو التهدئة" بين "حراس الدين" و "تحرير الشام"؛ وهو الأمر الذي منع وقوع خلافات كبيرة بين الطرفين، بخاصة وأن الأخيرة عملت على التنسيق الدائم مع "الحراس" تحت اسم غرفة عمليات "الفتح المبين"، ما يعني ضبط تحركاتهم من قبل الهيئة وفق وصفه.
منطقة آمنة في إدلب؟
وبخصوص احتمالات سعي واشنطن لتشكيل منطقة آمنة في عموم إدلب تسير شؤونها "هيئة تحرير الشام" بعد القضاء على "حراس الدين" وباقي التنظيمات المتطرفة، اعتبر عرابي أن الهيئة تفرض سيطرتها بالمطلق على إدلب، غير أنه أشار إلى أن ضبابية توصيف واقع المنطقة خلال الفترة المقبلة فيما يتصل بشكل الحل النهائي في سوريا، بين ما يمكن أن تكون عليه المنطقة سواء كإقليم أو منطقة آمنة أو إدارة ذاتية على غرار الإدارة في شرق الفرات.
اقرأ أيضاً: عودة أمريكية إلى إدلب… ما علاقة "تحرير الشام"؟
إلا أنه لفت بأن ما يحصل من سيناريو الاستهداف لـ "حراس الدين" قد يكون من أحد سيناريوهات تعزيز وجود "منطقة آمنة" في إدلب مقبولة دوليًا، بحيث يتم من خلال ذلك التغلب على عرقلة إنشاء المنطقة في ظل وجود تنظيمات جهادية متطرفة.
وتابع بأن "تصفية هذه القيادات و إخضاع جماعة حراس الدين أن تكون ضمن تحرير الشام أو غير معاندة لها، و أن تخضع للإيديولوجيا المحلية وتقطع أي صلة لها مع تنظيم القاعدة؛ ربما يكون ذلك أمر داعم لمسيرة الهيئة في المستقبل".
وكان الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، قال خلال حديث سابق لـ "روزنة" أن الولايات المتحدة الأميركية ستحافظ على استمرارية برنامج وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي ايه" في استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري والمرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي بشكل مباشر.
ويُعرف البرنامج الأميركي الخاص باستهداف قيادات التنظيمات المرتبطة بالقاعدة بإسم "قطع الرؤوس"، و يُعنى بضرب قيادات التنظيمات الإرهابية المتواجدة في الشمال السوري والتي ترتبط مباشرة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي.
قد يهمك.. إدلب: هل تحصل تفاهمات جديدة بين روسيا وتركيا؟
يشار إلى أن تنظيم "حراس الدين" خرج إلى العلن في أواخر شباط عام 2018، بعد إعلان "جبهة النصرة" فك ارتباطها عن تنظيم "القاعدة"، في محاولة لم تنجح في درء تهمة الإرهاب عنها، إذ رفضت شخصيات مؤثرة في الجبهة فك الارتباط مع "القاعدة"، فاتجهت إلى تشكيل "حراس الدين"، الموصوف بكونه أكثر تشدّداً من الجبهة، خصوصاً لجهة رفض أي حلول سياسية للقضية السورية.
ووفق معهد "واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، فإن الفصيل "يُسترشد من قبل شخصيات رئيسية عدة، بمن فيهم القائد الأكبر خالد العاروري لقبه أبو القاسم الأردني (قتل في حزيران الماضي)، وأعضاء مجلس الشورى سامي العريدي؛ أردني الجنسية لقبه أبو محمود الشامي، وبلال خريسات لقبه أبو خديجة الأردني (قتل نهاية العام الفائت)، وفرج أحمد النعنع وأبو عبد الكريم المصري".
وفي أواخر عام 2019، صنّفت وزارة الخارجية الأميركية رسمياً تنظيم "حراس الدين" منظمة إرهابية أجنبية، وعرضت مبلغًا ماليًا في إطار برنامج "المكافآت من أجل العدالة" لقاء معلومات عن ثلاثة من قادتها.
الكلمات المفتاحية