مالك الحافظ|| بالتزامن مع التوترات التركية-الروسية في الملف الليبي والتبعات السلبية المتوقعة بسببه على الشأن السوري، أجرى كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون (الذي يملك موقفاً رافضاً للدور التركي في المنطقة) اجتماعاً افتراضياً على شبكة الإنترنت حول العديد من الملفات المشتركة بين الجانبين.
بوتين أكد خلال الاجتماع "زيادة إمكانية التفجر في النقاط الساخنة" في العالم، مشيراً إلى أن التحديات والتهديدات القديمة التي يواجهها المجتمع الدولي لم تختف مع بداية جائحة "كورونا"، بينها الإرهاب والهجرة غير المسيطر عليها وتغيرات المناخ والجوائح المختلفة وليس فيروس "كورونا" فقط، علاوة على تفكك نظام الرقابة على التسليح.
وتابع بوتين مخاطبا ماكرون: "أعتقد أننا سنبحث اليوم كل هذه المواضيع وسنتحدث بشكل أو بآخر عن زيادة إمكانية التفجر في النقاط الساخنة، وسنتحدث على الأرجح عن ملفات أوكرانيا والبلقان وسوريا بالإضافة إلى ليبيا، وأنا أعرف أنها تستدعي قلقك".
من جانبه اقترح ماكرون على بوتين مواصلة العمل حسب الأجندة التي تم تحديدها في الاجتماع بينهما في شهر آب العام الماضي، مشيرا إلى ثلاثة أهداف رئيسية في هذا السبيل، وهي تهيئة الظروف الملائمة للحوار الثنائي ومتعدد الأطراف في مجال الأمن، وإدراج ملفات الأزمات الإقليمية، بينها ليبيا وأوكرانيا وسوريا، على الأجندة، والتعاون طويل الأمن في مجال الرعاية الصحية والاقتصاد وحماية البيئة.
النزاع في ليبيا يضغط على الملف السوري؟
ولا يمكن فصل ما يحدث في ليبيا وتأثيرات الوضع المتوتر هناك على الملف السوري وتجاذباته بين كل من موسكو وأنقرة، بخاصة في ظل ما يتواتر عن محاولات روسية لتجنيد مقاتلين سوريين في الجنوب السوري (معارضون أجروا تسوية برعاية روسيا منذ منتصف عام 2018)، فضلا عن تعزيز العلاقة بين حكومتي الأسد وحفتر، حيث أرسلت الاخيرة عناصر عسكرية وصلت سوريا مؤخراً للتدرب على قيادة طائرات مروحية روسية من طراز "مي-25" في مطار الضمير العسكري، وفق ما أفاد به موقع "نيوز ري" الروسي.
رغم اعتبار المساعي الروسية بإرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا تطورا لافتا ومؤشرا على احتمالية ارتفاع حدة التوتر بين "الشريكين المتنافسين" (روسيا و تركيا)، غير أن إرسال مقاتلين سوريين إلى هناك ليس بالأمر الجديد، حيث سبق لتركيا أن ساهمت بوصول مقاتلين سوريين من بعض فصائل الشمال السوري المدعومة من قبل أنقرة.
اقرأ أيضاً: دوي المدافع في ليبيا يُسمع في سوريا... تجاذبات روسية-تركية؟
ويبدو أن الملف الليبي عمل على تقريب المواقف أكثر بين بوتين وماكرون لا سيما في سوريا. يأتي ذلك بعدما حذر ماكرون، الأسبوع الفائت، من "اللعبة الخطيرة" التي تمارسها تركيا في ليبيا، على حد وصفه.
وأضاف " أود أن أقول أن تدخل أردوغان في ليبيا لا يجب أن يحصل.. تركيا تلعب لعبة خطيرة وتخرق فيها كل الالتزامات التي تعهدت بها في برلين".
وبالعودة إلى الاجتماع الافتراضي لماكرون وبوتين، فقد أعلن الرئيسان، تأكيدهم على ضرورة "محاربة الإرهاب في سوريا بلا هوادة"، و ذكر "الكرملين" في بيان له مساء أمس الجمعة في بيان أصدره بعد انتهاء الاجتماع، إن الجانبين تبادلا الآراء حول الأوضاع في سوريا، حيث أطلع بوتين ماكرون على "الإجراءات التي تتخذها روسيا لإرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد".
وبحسب "الكرملين" فإن الجانبين أكدا على محاربة الإرهاب "بلا هوادة"، واتخاذ خطوات بهدف تحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا، وأشار البيان إلى أن "هذه القضايا ستتم مواصلة مناقشتها بين روسيا وفرنسا على مستوى وزيري خارجية البلدين".
ما حجم وأهمية الدور الأوروبي في سوريا؟
المحلل السياسي أسامة بشير، استبعد خلال حديث لـ "روزنة" أن يخرج الموقف الفرنسي/الأوروبي في سوريا عن الموقف الأميركي، معتبراً أن الموقف الأوروبي بما يخص سوريا؛ مرهون و مرتبط بالقرار الأميركي.
وتابع: "لا يمكن لأميركا أن تسمح للروس بتحقيق نصر في سوريا، ونلاحظ كيف عرقلت أميركا مساعي الروس بأن يكون سوتشي معترف عليه في مجلس الأمن؛ وهذا دليل على أن أميركا لن تقبل بصيغة سوتشي ولا بأي اتفاق روسي بما يخص مستقبل سوريا، ولا تقبل إلا بصيغة جنيف".
بينما نظر الباحث السياسي في العلاقات الدولية، د.طارق وهبي خلال حديثه لـ "روزنة" إلى أن أوروبا بحاجة إلى روسيا، وبالتحديد في ملف الغاز السيبيري، معتبراً أن العلاقات الاقتصادية تحكم مسألة التفاهمات المشتركة حول سوريا كأحد الملفات المتشاركة بين هذه الأطراف.
قد يهمك: كرة لهب يقذفها الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا في الملف السوري
ونوه إلى أن روسيا هي حاجة أوروبية رغم الأزمة الأوكرانية التي لم تحل وبسببها فرض عليها عقوبات أوروبية لا تزال سارية، غير أن تأثيراتها ليست مهمة على الاقتصاد الروسي، وأكمل بالقول "فرنسا وبريطانيا تسعيان لاجتماع لمجلس الأمن حول أزمة كورونا والاتهامات المتتالية ضد الصين؛ و أولها من الولايات المتحدة، وهنا روسيا ستلعب دور الحكم لأول مرة".
وبات تغير الموقف الفرنسي تجاه عدة مسائل في الملف السوري واقترابه مع الرؤية الروسية، أمراً ملموساً خلال الفترة الماضية، حيث أوضح الكاتب و الباحث السياسي؛ د.عبد القادر نعناع، خلال حديث لـ "روزنة" بأنه ورغم محدودية التأثير الأوروبي في المشهد السوري، في ظل عدم توفر أدوات التدخل العسكري، مقابل تدخل رباعي (أميركي روسي إيراني تركي)، حسم أمره مبكراً، إلا أن ذلك لا يعني غياب الدور الأوروبي مطلقاً.
وتابع: "هناك مروحة واسعة من المواقف السياسية الأوروبية، التي تساهم (بحد أدنى) من خلال الضغط على القوى الأربعة المتدخلة أو على (النظام السوري) نفسه أو على القوى الأخرى في المشهد السوري، إضافة إلى دور إنساني وثقافي وتمويلي.. أي أن الأوروبيين حاضرون في المشهد السوري، لكن دون تأثير في مجريات الأحداث، رغم أنهم متضررون أكثر بكثير من القوى الأخرى، عبر استضافة اللاجئين وتوطينهم، دون أن يكونوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عما يجري في سوريا".
الكلمات المفتاحية