تقارير | 25 05 2020
إن مقولة المجتمع المدني مقولة كلية، لا تتجسد واقعياً إلا في دور الأفراد و الجماعات والمؤسسات. تقوم وحدة المجتمع المدني على التعدد بين أفراده واختلاف المصالح بينهم، على أن هذا الاختلاف واقعاً طبيعياً قبل أن يكون واقعاً اجتماعياً وسياسياً يتعايشان على أساس المساواة أمام القانون.
المواطنة هي أحد تجليات نمو المجتمع المدني، الذي ينمو في أجواء الديمقراطية، ليس بوصفها شكلاً للحكم فحسب، بل على اعتبار أنها محتوىً للعلاقات الإرادية الضرورية للتيارات والقوى والأحزاب.
المجتمع المدني في جوهره هو مجتمع الانتاج، إنتاج الثروة المادية والحياة الروحية والثقافة والفكر والأدب والفن والعلاقات الاجتماعية، وإنتاج السياسة بوصفها محصلة ذلك كله. يتجسد ذلك في الدولة وعلاقتها بالمجتمع. فالشعب الذي ينتج وجوده السياسي والاجتماعي والمادي ينتج نفسه ويحدد موقعه في العالم المعاصر.
التعايش في المجتمع يشترط السلم الأهلي، أما في حالة الحرب خاصة إذا امتدت لسنوات كما يحدث الآن في سوريا، فإنها ستترك آثاراً كارثية على حركة المجتمع المدني، لأن الحرب الداخلية تقوم على الانقسام الحاد الذي يزداد عمقاً أثناء عمليات الحشد والتحريض. والخسائر التي تلحق الأرواح تنمي الكراهية والأحقاد والرغبة في الثأر، والتدمير الذي يلحق البنية الاقتصادية نتيجة العنف الشامل ذات تأثير جوهري على حركة المجتمع المدني : حيث أن الحرب الدائرة أدت إلى تدمير وتفكيك قسم كبير من البنية الاقتصادية و إغلاق أعداد كبيرة من المؤسسات الصناعية الخاصة والعامة. وهروب رؤوس الأموال. لقد تراجع الاستثمار الخاص والعام لدرجة أن أكثر من نصف السكان فقدوا مصدر رزقهم، البطالة تجاوزت الستين في المائة في أحسن الأحوال وصل الفقر إلى مستويات كارثية. ثلاثة أرباع السكان تحولوا إلى فقراء، حصل تدهور وتراجع حاد في الدخل والتعليم والصحة، حيث لحق القطاع الصحي الدمار الجزئي والكامل .
في المقابل نما اقتصاد العنف عبر أنشطة غير شرعية عن طريق شبكات عابرة للحدود، قامت ببناء شبكة مصالح داخل سوريا وخارجها. وتنامت شبكات الجريمة المنظمة المنهمكة في النهب والسرقة واستغلال المساعدات الإنسانية والاتجار بالبشر. نشاطات غير إنتاجية اغتنت من خلالها فئات معادية للمجتمع . الأمر الذي أفرز قوى مهيمنة تزكي الاقتتال من أجل الاقتتال، لتدافع عن وجودها ومصالحها . وتشل العمل النقابي والسياسي . وتزرع الخوف في المجتمع.
الوضع الاقتصادي جعل من المجتمع السوري رهينة القوى المسيطرة والقوى الدولية. وأثر ذلك على استقلال المجتمع المدني ، فالنظام في سوريا يستخدم سلاح الحصار والتجويع حتى الاستسلام، والتهجير القسري للسكان من أجل الحفاظ على استمرارهم على قيد الحياة ، في المناطق التي خرجت عن سيطرته ويستخدم أسلوب التهديد بالفصل وقطع الرواتب لمن يخرج عن طاعته.
أصبح الالتحاق بالقتال المصدر الأساسي للمعيشة، كما تسلم قادة العسكر القرار وهيمنوا على الحياة الاقتصادية والسياسية، حتى في المناطق المحررة. ينعكس ذلك في التضييق على حرية التعبير وغياب المساءلة وانتشار العنف وتراجع في فعالية السلطة والفوضى وغياب القانون وانتشار الفساد . كما أنه نتيجة الانقسام في صفوف القوى المسلحة وعزل المناطق عن بعضها ونفوذ قوى متشددة في كثير من المناطق ، يجعل من المجتمع المدني بنى اجتماعية منغلقة على ذاتها مشلولة الفعالية.
كما يتعرض السوريون في هذه المرحلة للخوف والتضييق والعنف والإكراه، التي ينتج عنها هدر قيمة الإنسان وهدر القدرات البشرية والانتماء ، فاحترام الإنسان يأتي في مقدمة أي نشاط أو تنمية. مما يؤثر على قيم المجتمع المدني وحركته.
مقالات الرأي لا تعبر عن رأي روزنة بالضرورة انما تعبر عن رأي كاتبها.