تقارير | 29 08 2023

"الوظيفة الحكومية أصبحت اليوم عبارة عن سجن وموت بطيء، بدل أن تكون أماناً لحياتنا، لا تكفينا قوت يومنا… أي مهنة هي اليوم أفضل من الوظيفة الحكومية" تقول نيفين (34 عاماً)، معلمة مقيمة في مدينة حلب.
حصلت نيفين، معلمة اللغة العربية، بعد معاناة على إجازة سنوية "استيداع" لمدة عام بدون أجر، منذ العام الفائت، بسبب استحالة موافقة مديرية التربية على طلب الاستقالة في ظل تدني الأجور.
"الدروس الخصوصية أفضل من الوظيفة والراتب الحكومي" تقول نيفين التي تسعى إلى تحسين وضعها المعيشي هي وابنتها وزوجها.
لا يحق لنيفين التي توظفت قبل خمس سنوات تقديم استقالتها إلا بعد 30 عاماً من الخدمة في التعليم، لم يكن لديها حل سوى التقديم على إجازة بدون راتب "استيداع" لمدة عام ومن ثم تجديدها سنوياً من أجل الحصول على الاستقالة بعد عدة سنوات.
ويشتكي المعلمون السوريون من عدم كفاية رواتبهم التي لا تتجاوز وسطياً 150 ألف ليرة سورية حتى الآن (11 دولاراً) ، في وقت يبلغ متوسط تكاليف الأسرة السورية شهرياً أكثر من 6 مليون ليرة سورية، فيما يبلغ الحد الأدنى 4 مليون ليرة سورية، بحسب "مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة" في تقرير صادر مطلع تموز الفائت.
ووفق المؤشر، فإنّ تكاليف الحاجات الضرورية، مثل السكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة وأدوات منزلية واتصالات وغيرها، بلغت 1 مليون و600 ألف ليرة.
اقرأ أيضاً: الأسد يصدر مرسومين بزيادة الرواتب والأجور للموظّفين والمتقاعدين
"راتب لا يغني ولا يستر"
"كانت غايتي عندما قدمت على الوظيفة الحكومية الحصول على راتب دائم في الصيف والشتاء، وكما يقولون راتب دائم أفضل من لا شيء، وفي حال لم يغنِ يستر، لكن رواتبنا لا تغني ولا تستر وإنما تفضح" تقول نيفين لروزنة.
راتب نيفين لم يتجاوز الـ 140 ألف ليرة سورية (10 دولارات) ولا يكفي ثمن مواصلات:، تتحدث بيأس: "أرهقتني الوظيفة، أتوق للسفر والابتعاد عن ذل المعيشة".
وتضيف: "أعرف كثيرون ممّن خدموا لمدة 29 عاماً رُفضت طلبات استقالاتهم، فكيف نحن الموظفون حديثاً، الاستقالة لها شروط".
"وزارة التربية" لدى حكومة النظام السوري، أصدرت في الثامن من حزيران الفائت، تعميماً منعت خلاله قبول طلبات الاستقالة لكل الفئات التابعة لها، باستثناء بعض الحالات، بينها ألّا تقل خدمة العامل في الوزارة عن 30 عاماً، وأن يكون العامل قد أخذ إجازة لمدة عامين متتالين بلا أجر.

حتى الإجازة شروطها المعقّدة
كما أن الاستقالة لها شروطها، أيضاً الإجازة بلا أجر لها شروطها الخاصة، والتي حُرم معلمون كثيرون منها بسبب عدم توفر تلك الشروط والظروف المساعدة لتحقيقها.
وحدّدت "رئاسة مجلس الوزراء" أهم ضوابط منح الإجازة الخاصة بلا أجر، منها أن تكون "الإجازة للحصول على شهادة علمية أعلى" و"أن يستند منح الإجازة إلى بعد اجتماعي حرصاً على عدم تفكك الأسرة (حالات لم الشمل)".
لم يكن الحصول على إجازة سنوية أمراً سهلاً، في كل عام تتغير الشروط، وفق نيفين، حيث اضطرت العام الفائت للتسجيل على"دبلوم تأهيل تربوي" من أجل الحصول على الإجازة، و جدّدت طلب الاستيداع هذا العام بهدف الوصول إلى الاستقالة.
وتوضح: "يجب تجديد الاستيداع عدة مرات حتى تقبل مديرية التربية الاستقالة… لا أريد تلك الوظيفة الحكومية، منذ يومين اشتريت بنطالاً لابنتي (7 سنوات) بقيمة 90 ألف ليرة، أي ما يعادل ثلثي الراتب".
في حال عدم الحصول على الاستقالة، تخطّط نيفين للحصول على إذن سفر أثناء إجازتها غير مدفوعة الأجر، علّها تستطيع البدء بحياة جديدة، تقول: "العودة إلى الوظيفة عبارة عن موت بطيء، شهرياً أحتاج إلى مليون ونصف المليون ليرة سورية، في الحد الأدنى لتأمين الاحتياجات المعيشية".
وتشير نيفين إلى أنه " من خلال الإجازة أستطيع الحصول على إذن سفر بشكل أسهل من أجل مغادرة البلد والبدء بحياة جديدة، أما أثناء الخدمة لا تمنح مديرية التربية إذن السفر"، وتصف إذن السفر بأنه "شيء مستحيل وعبارة عن موافقات تبدأ من مدير المدرسة وتنتهي بمديرية التربية والمحافظ".
أعمال متعددة
سامي (35 عاماً) حاصل على دكتوراه في اللغة العربية، حصل حديثاً على إجازة سنوية "استيداع" من وزارة التربية، وكان شرط الأخيرة هذا العام أن يكون لدى الشخص دكتوراه، وأن يكون هناك فائض في تخصّصه، وقد حددت وزارة التربية قسمي "اللغة الإنكليزية والعربية" من الأقسام التي لديها فائض في أعداد المتخرّجين، وفق قوله.
يسعى سامي بعد الحصول على إجازة سنوية من مديرية التربية إلى الحصول على جواز سفر والهجرة خارج البلاد.
يقول سامي لروزنة: "أعمل حالياً في عدة وظائف بديلة عن الوظيفة الحكومية، مدقّق لغوي في مكتبة، ومدقق في دار نشر، والتدريس في مدرسة خاصة، إضافة إلى الدروس الخصوصية، حتى أستطيع تأمين بعض متطلبات الحياة القاسية".
اقرأ أيضاً: "من حقي أن أعيش".. سوريون رفضت حكومة النظام طلبات استقالاتهم!
أيضاً في درعا
قال "تجمع أحرار حوران" نقلاَ عن مديرية التربية في درعا، إنّ "الإقبال على الإجازات في هذه السنة كان كبيراً جداً، حيث بدأ التقديم عليها من بداية حزيران الماضي وانتهت في منتصف شهر آب الجاري، وذلك لتبدأ الإجازة الفعلية مع بداية العام الدراسي، ليتفرغوا خلالها إلى أعمال أخرى يكون مردودها المالي أفضل من الأجور الحكومية".
ويلجأ معلمون في درعا إلى تقديم الإجازات لمدة تتراوح بين شهر إلى سنة، بدون أجر، بهدف البحث عن فرص عمل قادرة على تلبية الاحتياجات المعيشية، وفق تقرير لـ"تجمع أحرار حوران".
ووفق التقرير، يلجأ المعلمون إلى أعمال لا تناسب شهاداتهم التعليمية، كالعمل في البقاليات وأعمال البناء.
العديد من المعلمين قدموا استقالاتهم إلى مديرية التربية والجواب جاء "مع عدم الموافقة".
وفي وقت سابق من شهر حزيران الفائت، كشف تقرير صادر عن "الاتحاد العام لنقابات العمال" لدى حكومة النظام السوري، عن ازدياد أعداد المستقيلين ومقدمي طلبات الاستقالة ضمن القطاع العام خلال النصف الأول من العام الجاري.
ووثّق تقرير "الاتحاد" استقالة 400 موظف في محافظة السويداء وحدها منذ مطلع العام الجاري، إضافة إلى 300 آخرين من محافظة القنيطرة، معظمهم من قطاع التربية.
ورجّح رئيس "الاتحاد العام لنقابات العمال" في سوريا أن يشهد القطاع الحكومي "آلاف طلبات الاستقالة من العمل الوظيفي من أجل البحث عن عمل آخر لدى القطاع الخاص، أو من أجل الهجرة خارج البلاد"، لافتاً إلى أنّ راتب الشهر الواحد، "أصبح لا يكفي مصروف يوم واحد فقط".
ورفع رئيس النظام السوري بشار الأسد، منتصف آب الجاري، الرواتب للموظفين والمتقاعدين، بنسبة 100 بالمئة، ابتداء من الشهر المقبل، تزامناً مع قرار برفع المحروقات لأكثر من الضعف، وهو ما قوبل بالانتقاد، واعتبر سوريون أن الزيادة من عدمها سواء.
وكانت آخر زيادة للرواتب والأجور في سوريا عام 2021، حيث صدر 3 مراسيم تشريعية، الأول رواتب وأجور العاملين في الدولة بنسبة 30 بالمئة، والثاني نص على زيادة رواتب المتقاعدين بنسبة 25 بالمئة، في حين قضى الثالث باحتساب التعويضات على أساس الراتب الحالي.
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري مؤخّراً احتجاجات متفرقة، في عدة مناطق مثل السويداء ودرعا والساحل السوري، بسبب تردي الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق، في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء إلى نحو 15 ألف ليرة سورية في السوق السوداء.
ووفق "برنامج الغذاء العالمي": "هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، و2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع".
وبحسب تقرير لـ"البنك الدولي" في تشرين الأول عام 2022، فقد انكمش إجمالي الناتج المحلي في سوريا بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020، ودفع الانخفاض الكبير في نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي البنك الدولي إلى إعادة تصنيف سوريا كبلد منخفض الدخل منذ عام 2018.