أجور المنازل تفوق قدرة المستأجرين في الشمال السوري

أجور المنازل تفوق قدرة المستأجرين في الشمال السوري

تقارير | 15 01 2023

نور الدين الإسماعيل

"مع كل تجديد عقد إيجار السكن كان صاحب المنزل يطلب زيادة الأجرة، حتى وصلت إلى 100 دولار أمريكي، ما دفعني للخروج من المنزل والسكن في مخيم بالقرب من مدينة سرمدا"، هذا ما قاله علي منصور المهجر من ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة الدانا شمالي إدلب، وهو شاب يعمل في صيانة الأجهزة الكهربائية.


اقرأ المزيد: الشعور بالبرد يجمع السوريين على اختلافهم والأمم المتحدة تحذّر

وصل علي إلى مدينة الدانا عام 2019، واستأجر منزلاً بمبلغ 50 دولاراً أمريكياً، وافتتح محلاً يعمل فيه ضمن المدينة، ولكن طلب صاحب المنزل المتكرر برفع الأجرة وعدم توفر المبلغ المطلوب من عمله في محله المتواضع، دفعه للسكن في مخيم للنازحين للتخلص من أزمة الأجور والتنقل المتكرر.

ارتفاع الكثافة السكانية في الشمال السوري، نتيجة عمليات التهجير، خلال الأعوام الثلاثة الماضية أدى إلى زيادة الطلب على المنازل، ما نتج عنه ارتفاع مهول في أجور المنازل في عدة مدن شمالي غربي سوريا.

على الرغم من وجود الكثير من المخيمات والجمعيات السكنية التي أنشأتها المنظمات مؤخراً، إلا أن نسبة كبيرة من القاطنين في محافظة إدلب وريف حلب بحاجة إلى منازل للسكن، ما تسبب بارتفاع تدريجي وغير مضبوط على أجور المنازل في عدة مناطق.

 
مراكز المدن


صدم أبو أحمد الذي بدأ رحلة البحث عن منزل في مدينة إدلب قبل أيام، بِردِّ أحد أصحاب المنازل وقد طلب منه مبلغ 100 دولار أجرة البيت االمكون من غرفتين وموزّع، وحين أخبره بأن منزله شبه مهجور وبحاجة إلى ترميم، رد عليه صاحب المنزل "هيك بعدين بيصير بيت نظامي، وبتصير أجرته فوق الـ 125 دولار، وكل ما بصلح فيه بتزيد الأجرة".

كثيرون لم يتمكنوا من استئجار منزل في مدينة إدلب بالرغم من وجود أعمالهم أو وظائفهم في المدينة، ما اضطرهم لاستئجار منزل في مكان آخر، مثل محمد العلي الذي يعمل في راديو "الكل" بمدينة إدلب، يقول لـ"روزنة": "لم أتمكن من الحصول على منزل في مدينة إدلب بسعر مقبول، فاستأجرت منزلاً في مدينة سلقين بـ50 دولاراً، وأذهب إلى إدلب في أوقات الدوام رغم أنها تبعد عن سلقين أكثر من 40 كم".


فروقات كبيرة


تختلف أجور المنازل في الشمال السوري بين المدن الرئيسة والقرى وخطوط التماس مع قوات النظام السوري، بل إنها أحياناً تختلف ضمن المدينة الواحدة.

ففي حين تتراوح أجور المنازل في أحياء الثورة والضبّيط التي تعتبر من الأحياء الراقية في مدينة إدلب بين 100 و 200 دولار للمنزل المكون من غرفتين أو أكثر، تتراوح في مناطق أخرى كالحي الشمالي أو الشيخ تلت أو شارع الأربعين بين 75 وحتى 150 دولاراً. مع الأخذ بالاعتبار عدد الغرف وتجهيز وإكساء المنزل.

بينما تتراوح أجور المنازل في الدانا شمالي إدلب بين 60 و100 دولار، وفي سرمدا بين 75 و 150 دولاراً، وفي كل من معرة مصرين ودركوش بين 50 و 100 دولار، أما في سلقين فتتراوح بين 30 و125 دولاراً بحسب تجهيز المنزل وموقعه، بينما في مدينة الباب تتراوح بين 70 و100 دولار، وأعزاز بين 75 و150 دولاراً، وفي عفرين بأجر وسطي 50 دولاراً في الشهر.

أما ضمن المدن والبلدات القريبة من خطوط التماس فإن المنازل تتوفر بأجور منخفضة، ففي مدينة أريحا تتراوح أجور المنازل بين 300 و500 ليرة تركية (الدولار يساوي اليوم 19 ليرة تركية)، وفي جبل الزاوية وقرى ريف حلب الغربي المحاذية لخطوط التماس مع قوات النظام السوري يقدم الأهالي المنازل للنازحين بدون مقابل، أو بأجور زهيدة بين 100 و 200 ليرة تركية في الشهر.


أسباب ارتفاع الأجور


لا يختلف أحد على أن الكثافة السكانية وزيادة الطلب على المنازل كان سبباً بارتفاع الأجور، إلا أن الزيادة في بعض الأحيان وصلت إلى حد غير منطقي، وغير محسوب، بشكل لا يتناسب مع الدخل الشهري لمعظم سكان المنطقة، والذي لا يزيد سقف الغالبية المحسوبة على أصحاب الدخل المرتفع فيه عن 300 دولار لبعض موظفي المنظمات والمؤسسات العامة.

فبحسب إحصائية أجراها فريق منسقو استجابة سوريا في شهر آب من عام 2020 بلغ إجمالي عدد سكان مناطق شمالي غربي سوريا الخارجة عن سيطرة النظام السوري 4 ملايين و186 ألفاً و704 نسمة موزعين بين محافظة إدلب وأرياف حلب وحماة، بينهم مليونان و98 ألفاً و614 من السكان المقيمين، ومليونان و81 ألفاً و507 من المهجرين والنازحين. 

رائد الخطيب صاحب مكتب عقاري في مدينة إدلب، يعتبر أن قلة توفر المنازل المخصصة للأجرة هو أحد أسباب ارتفاع الأجور، وزيادة الطلب نتيجة ارتفاع عدد المهجرين والنازحين، فيقول في حديثه لـ"روزنة": "بعد الحملة الأخيرة التي شنتها قوات النظام السوري، وما نتج عنها من أعداد كبيرة للمهجرين والنازحين، ولم تعد المنطقة تستوعب كامل الأعداد، إضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء، خصوصاً بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، فقد ارتفع طن حديد البناء من 550 دولار إلى 800 دولار، والإسمنت من 60 إلى 90 دولاراً".

وبحسب رأي الخطيب، فإن الارتفاع في الأجور مرتبط بارتفاع أسعار المنازل وقيمتها أيضاً، فيضيف: "المنزل الذي كان سعره 10 آلاف دولار أصبح سعره لاحقاً 20 ألف أو أكثر، ما جعل صاحبه يرفع أجرته، حيث يرى أن تأجيره بـ500 ليرة تركية فيه إجحاف، وهو غير مقبول".

وللحديث بشكل موضوعي، حسب الخطيب، فإن للجشع دور كبير عند البعض الآخر، فيشتري بيتاً ويؤجره بمئة دولار أو أكثر، فتمسي الأجرة بدل راتب موظف، ليعيش بلا عمل.
 

مساكن بديلة


خلال السنتين الماضيتين سعت عدة جمعيات ومنظمات عاملة في الشمال السوري إلى بناء مخيمات منظمة أو أبنية سكنية ومجمعات تضم نازحين من منطقة واحدة، وتكون تلك التجمعات مخدّمة بشكل كامل للتخفيف عن معظم العائلات غير القادرة على استئجار المنازل، فبلغ عدد المخيمات شمالي غربي سوريا 1270 مخيماً عام 2020.

قد يهمّك: منسقو الاستجابة يوضح خيارات مجلس الأمن لإدخال المساعدات عبر الحدود

حاولت جمعية التعاون تأمين النازحين المهجرين من مدينة كفرنبل في مساكن مؤقتة، بمنطقة باريشا، عبر شراء أرض كبيرة وإقامة مساكن من اللبن مسقوفة بالعوازل، لإيواء ذوي الاحتياجات الخاصة من أهل المدينة، ولاحقاً تم توسعة المخيم بالتعاون مع عدة منظمات من بينها فريق ملهم التطوعي، حتى أصبحت تؤوي اليوم 1300 مسكن، مخدّمة بالمرافق العامة، بحسب ما أخبرنا به مدير الجمعية محمد العكل.

ويعتبر أن فكرة بناء التجمع كانت جيدة من حيث المبدأ، حيث أن غالبية العائلات المقيمة فيه هي غير قادرة على دفع أجور منازل، وهي مجبرة على الإقامة في مساكن مجانية مخدمة. إلا أنها بنيت كحل إسعافي، وهي غير بديلة عن المسكن الأصلي، وأن الظرف والحالة التي فرضت وجودها بشكل مستعجل خلّف بعض النتائج السلبية، كضيق المسكن مع ازدياد في أفراد العائلات وتلاصق المساكن، ما يخلق حالة من فقدان الخصوصية نوعاً ما، لكن لا يوجد بديل أفضل.

واحتلت سوريا المركز الثاني ضمن تصنيف مؤشر أسعار العقارات الذي أصدره موقع NUMBEO لعام 2022، بعد غانا، وبنسبة سعر تصل إلى 70،6% قياساً بدخل الفرد.

ملاحظة: هناك الكثير من الأشخاص قدموا منازلهم للنازحين بدون أجور أو مقابل في مناطق مختلفة من الشمال السوري، وما جاء في التقرير يتناول فقط ظاهرة ارتفاع الأجور بشكل نسبي بعيداً عن التعميم.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض