تقارير | 23 11 2022

توقفت نايلة 32 عاماً عن الإنجاب بعد ولادة طفلها الثاني قبل ثلاث سنوات، واتخذت قرارها مع زوجها بعدم الحديث عن الفكرة ريثما تنتهي الأزمات المعيشية، ويصبح في مقدورهما إعالة طفل ثالث.
تقول نايلة وهي خريجة جامعية تعمل في القطاع الخاص بالعاصمة دمشق، إن إقناع زوجها بالفكرة كان صعباً نوعاً ما خصوصاً أنها أنجبت طفلتين دون مولود ذكر، وهو ما يسبب إرباكاً لها ولزوجها من عائلته، التي لا تتوقف عن التدخل والإلحاح عليهما بإنجاب طفل ذكر.
اقرأ أيضاً: سوريا: ضربة قاضية يوجهها الفقر ضد "خرجية" الأطفال
نايلة كانت حاسمة تماماً في الموضوع، وأخبرت زوجها أن طفلاً ثالثاً يعني توقفها عن العمل، وبالتالي خسارة العائلة المردود المالي القادم من راتبها الشهري، إضافة إلى زيادة أعباء مادية جديدة، ما دفعه للموافقة على مضض.
وليس بعيداً عن نايلة، سمير 44 عاماً، يرفض إنجاب زوجته لطفل جديد بعد طفله الأول الذي يبلغ من العمر اليوم أقل من 11 عاماً، ويؤكد أنه وزوجته اتفقا في البداية على إنجاب طفل ثم الانتظار ريثما يتمكنان من تأمين المستقبل بالكامل، لكن الأزمات المعيشية لم تكن ضمن خططهما حينها، لذا قررا عدم إنجاب طفل جديد.
يضيف سمير الذي يعيش في محافظة طرطوس: "حكومة فاشلة، عجزت عن تأمين مازوت التدفئة، وتعجز عن إنهاء أزمة حليب الأطفال التي تعود كل عام، حياتنا كلها ذل بذل، فكيف من الممكن أن أورط روحاً جديدة في هذه الحياة".
لا يخفي سمير رغبته بطفل آخر، وهو اليوم يحاول الهجرة، ويؤكد أنه في حال نجح بالخروج من سوريا، فإنه بالتأكيد لن يمانع في إنجاب زوجته لطفل جديد.
الولد بيجي لكن "بيسرقوا له رزقته"
"الولد بيجي وبتجي رزقته معه"، المثل الذي لم يعد يواكب الحياة في سوريا كما تقول إلهام، وهي موظفة حكومية في منتصف عقدها الثالث، وترى أن "الولد في سوريا بيجي وبيسرقوا له رزقته".
تضيف إلهام وهي أم لطفلة وحيدة عمرها أقل من عام ونصف، إنها لا تفكر إطلاقاً في الإنجاب مجدداً، فمصاريف الطفلة الصغيرة "هدت حيلنا" على حد تعبيرها، وتضيف: "في حال تعرضت لنزلة برد عادية، فإننا ندفع 15 ألف معاينة طبيب، وما لا يقل عن 20 ألف أدوية، وهذا دون أن نأتي على ذكر مستلزمات الطعام الذي تحتاجه في فترة النمو، علماً أن كيلو الحليب الذي بات بـ 3000 ليرة لا يكفي أكثر من يوم ونصف، ولا عن الألبسة التي بتنا نطلبها من ملابس صغار أقاربنا الذين لم يعودوا يستخدمونها".
"لا مستقبل هنا" تقول إلهام، التي لا تتوقف عن التفكير في احتياجات طفلتها، وكيف سيتم تأمينها، بينما لا يتجاوز راتبها مع راتب زوجها 225 ألف ليرة شهرياً (أقل من 50 دولار).
انخفاض معدل الولادات
ذكر المكتب المركزي للإحصاء، أن عدد الولادات المسجلة خلال عام 2020 بلغ، 334549 مولوداً، استناداً إلى بيانات سجلات الأحوال المدنية.
وفي آخر إحصائية عن عدد المواليد في سوريا كشف عنها عميد كلية الطب في جامعة دمشق صلاح الشيخة في عام 2015 لصحيفة "الوطن" المحلية، قال إن عدد الولادات في سوريا انخفض من 500 ألف ولادة سنوياً قبل الحرب، إلى حوالي 200 ألف طفل سنوياً خلال عام 2015، مشيراً إلى أن سوريا قبل الحرب كانت تعتبر من الدول عالية الإنجاب.
كلفة معيشة الطفل الرضيع
في بيان صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، في 7 أيار، قالت أديل خُضُر، المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، إن ملايين الأطفال السوريين يعيشون في خوف وحاجة وعدم يقين، سواء في داخل سوريا أو في دول الجوار.
عائلات سورية كثيرة أجبرتها الأوضاع الاقتصادية المتردية على اتخاذ قرار الحد من الإنجاب، لعدم قدرتهم على كفاية طفل أو طفلين، احتياجاتهم.
ندى، موظفة حكومية، وزوجها، لم يدخرا أي جهد لكفاية طفلهما البالغ من العمر أكثر من 5 أشهر بقليل، والذي يحتاج أسبوعياً لحفاضات مجموع سعرها 43500 ليرة. وتؤكد ندى أنها الأقل جودة، لكنها الأقل سعراً أيضاً، يضاف إليها 3 علب حليب خاص بالرضع، سعر العلبة الواحدة 19 ألف ليرة، ويصعب تأمينها جداً في ظل أزمة الحليب الحالية، أي أن طفلها يحتاج أسبوعياً 100500 ليرة سورية فقط حفاضات وحليب.
تتمنى ندى لو أنها تستطيع إطعام طفلها الوجبات المغذية، إلا أنها لا تستطيع حتى إضافة الفواكه بشكل يومي إلى طعامها، فمن أين لها أن تأتي بمبلغ 400 ألف ليرة شهرياً ثمن حفاضات وحليب، وراتبها لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة.
قد يهمّك: كيف تدبر العائلات مستلزمات الأطفال المدرسية في سوريا؟
وتمنح حكومة النظام تعويضاً لأول ثلاثة أطفال يضاف على راتب والدهم أو والدتهم، بمقدار 1500 ليرة للطفل الأول، و1000 ليرة للطفل الثاني و750 ليرة للطفل الثالث، وفي حال تم جمع هذه المبالغ مجتمعة فإنها لا تشتري أكثر من قطعة بسكويت من النوع الجيد، اليوم.
وقالت منسقة برنامج التغذية التابع لوزارة الصحة في السويداء، حنان جمول، إن سوريا دخلت في أزمة تغذية من نوع آخر، هو سوء التغذية المزمن، الذي يتسبب به غياب العناصر الغذائية المهمة مثل اليود والكلس وفيتامين "د" والتي تتواجد في أغذية لا تستطيع غالبية العائلات تأمينها لأطفالهم مثل البيض والفواكه واللحوم بنوعيها، إضافة إلى مشتقات الألبان.
ووفقاً لجمول، فإن نسبة حالات فقر الدم لدى الأطفال 20 بالمئة، وحالات سوء التغذية بين الحوامل وصلت إلى 22 بالمئة، محذرة من ظهور أجيال ببنية جسدية ضعيفة وقامات مقزّمة جراء الوضع المعيشي السيء.
إقبال على موانع الحمل
يقول الصيدلاني سامر (اسم مستعار)، إن الإقبال على موانع الحمل ازداد بشكل كبير خلال العامين الماضيين، لدرجة أن أسعار "الواقي الذكري" تضاعفت عدة مرات، وبشكل خاص، مؤخراً، حيث وصل ثمن العلبة التي تحوي 3 قطع إلى 3000 ليرة، وكان سعرها ألف ليرة فقط، قبل أكثر من شهر بقليل، بينما يبلغ ثمن العلبة التي تحوي 12 قطعة 10 آلاف ليرة، لافتاً إلى أن السعر يتفاوت ومن الممكن أن يصل إلى 15 ألف ليرة.
وبحسب الصيدلاني فإن حبوب منع الحمل ماتزال الأكثر طلباً، رغم ازدياد الطلب على الواقي الذكري مؤخراً بدرجة أكثر مما مضى، لافتاً إلى أن سعر علبة حب منع الحمل 3500 ليرة وهي تكفي شهراً كاملاً، بينما يرتفع سعر النوع الأجنبي منها إلى أكثر من 20 ألف ليرة وهو مرغوب أكثر من النوع المنتج محلياً.
وكان مدير مكتب الإحصاء المركزي السابق، شفيق عربش قد قال لإذاعة "شام إف إم" المحلية منتصف العام الجاري، إن معدل الفقر في البلاد وصل إلى 90 في المئة، خلال عامي 2020 و2021، مؤكداً أن (حكومة النظام) لم تنشر الإحصائية الرسمية حول هذه المسألة.
وقالت الأمم المتحدة، إن نسبة الفقر في سوريا تزيد عن 90 في المئة اليوم، بينما يعاني حوالي 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 4.5 مليون عن العام 2021 الماضي.
وانطلاقاً من بيان الأمم المتحدة الذي تلته أديل خضر، والذي قالت فيه إن "أكثر من 6.5 مليون طفل في سوريا يحتاجون إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ أكثر من 11 عاما". يبدو أن الواقع يسير نحو الأسوأ، نتيجة الظروف الاقتصادية، ما يجعل نظرة من قرروا الحد من الإنجاب صائبة، على الأقل في الوضع الراهن.