تقارير | 26 04 2022

لم يختر طريق البحر بإرادته، فهو الطريق الوحيد الممهّد أمامه، ليكون موعد الخروج في الرحلة البحرية هو موعد فراقه لزوجته وأبنائه الثلاثة، بعد غرق المركب، ويكون هو الناجي الوحيد من عائلته.
اللاجئ السوري أحمد سبسبي وعائلته قرروا الخروج من لبنان في سبيل الخلاص من الأزمات، التي عصفت بهم لأكثر من 8 سنوات خلال إقامتهم بذلك البلد، غير آبهين بمخاطر رحلات الموت المتجهة نحو أوروبا من ميناء طرابلس.
قبالة ساحل طرابلس شمالي لبنان، حمل قارب هجرة غير شرعي أكثر من 84 شخصاً، من جنسيات مختلفة، بينهم سوريون، وغرق مساء السبت الفائت، أُنقذ منهم 45 شخصاً، وفق الأمم المتحدة، وتم انتشال 7 جثث.
يروي معروف سبسبي شقيق الناجي أحمد، لروزنة تفاصيل ما قبل الحادثة وسبب هجرة أخيه، ويوضح أنّ الوجهة كانت نحو إيطاليا بعدما ساءت أحواله المعيشية بلبنان، وبشكل خاص مع بداية جائحة كورونا أواخر عام 2019، فهو يعمل في تجارة المفروشات المنزلية.
"فُرض على أحمد طريق البحر، فلا يمكن العبور إلى أوروبا إلا عبر البحر" يقول معروف.
رئيس المنظمة الدولية للهجرة في لبنان، ماتيو لوتشيانو، قال إن الأزمة الاقتصادية اللبنانية تسببت بواحدة من أكبر موجات الهجرة في تاريخ البلد.
ويتابع معروف: "اتفق أحمد مع مهرّب عن طريق شخص كان يعرفه، أخذ مبلغ 3 آلاف دولار بشكل مبدئي، ولاحقاً كان هناك مبلغ آخر ليدفعه له، وللمفارقة أخذ المهرّب عائلته معه وغرقت أيضاً في عرض البحر".
الدافع الأول لسفر أحمد، تأمين مستقبل أفضل لعائلته وأطفاله، إلا أنّ الحلم لم يتحقّق، وانتهى بكارثة خسر خلالها من خرج لأجلهم.
خرج أحمد من مدينة حلب عام 2013 بعد قصف شديد استهدف المنطقة التي كان يقطن بها، وله من الأولاد ثلاثة (ماسة 9 سنوات، محمد 7 سنوات، جاد 5 سنوات)، وزوجته رهام 25 عاماً، شاء القدر أن يخسرهم جميعاً بساعة واحدة.
"تدفع الظروف الاقتصادية اليائسة المتزايدة، بعدد متزايد من الأفراد في لبنان إلى المغادرة بطرق غير آمنة، هناك حاجة ماسة إلى بدائل آمنة وقانونية للهجرة غير النظامية، وإلى دعم سبل العيش وتحسين الوصول إلى الخدمات في المجتمعات المعرضة للخطر" يقول لوتشيانو رئيس المنظمة الدولية للهجرة في لبنان.
أكّد معروف أنّ تردي الوضع الاقتصادي منذ بداية جائحة كورونا أثّر على عمل شقيقه أحمد، ما دفعه لاتخاذ قرار الهجرة عبر البحر.
اقرأ أيضاً: انفجار مرفأ بيروت يلم شمل شقيقين سوريين للأبد!
سبب غرق القارب
قائد القوة البحرية في الجيش اللبناني، هيثم ضناوي، قال إنّ المركب الذي غرق من صناعة 1974 بطول 10 أمتار وعرض 3 أمتار، والحمل المسموح له هو 10 أشخاص فقط، في ظل عدم وجود وسائل أمان فيه.
وفق ضناوي، حاولت القوة البحرية "إيقاف المركب وإقناع قائده أنهم معرضون للغرق، بسبب أنّ المركب كان محملاً بما يزيد عن 15 ضعف حمولته المسموحة"، مشيراً إلى أنّه لم يكن هناك سترات إنقاذ ولا طوق نجاة، وحاولوا منع المركب من الانطلاق، لكنه كان أسرع منهم، وفق موقع "النشرة" اللبناني.
وبيّن قائد القوة البحرية أنّ قائد المركب اتخذ قراراً بتنفيذ مناورات للهروب من خفر السواحل بشكل أدى إلى ارتطامه بمركب القوات البحرية للجيش اللبناني، موضحاَ أنّ عدد الناجين بلغ 45 شخصاً، ولديهم 6 جثث، بينهم طفلة، مع محاولة معرفة المفقودين.
وأوقف الجيش اللبناني المواطن "ر م أ" للاشتباه بضلوعه في عملية التهريب، بحسب بيان صادر عنه.
رواية ثانية!
تختلف رواية الناجين من الغرق عن رواية القوة البحرية اللبنانية.
سعيد، أحد أقارب الضحية رهام، زوجة الناجي أحمد، كان بمكان الحادث بعد وقوعه.
يقول لروزنة: "اتصل بنا أحمد الساعة الثامنة مساءً ليخبرنا أن المركب انطلق، وبحدود الساعة الـ 11 قبل منتصف الليل وصلنا خبر غرق المركب، توجهت إلى المنطقة ورأيت أحمد مصدوماً، حينما سألته عن رهام والأولاد، أخبرني أنه لم يراهم".
"إلى اليوم لم نستلم جثث رهام وأولادها الثلاثة" يقول سعيد.
وعن أسباب غرق القارب، أوضح سعيد نقلاً عن الناجين، أن خفر السواحل اللبناني طالب قائد المركب بالعودة، وحينما رفض، صدم زورق تابع لهم مركب المهاجرين مرتين.
في الاصطدام الأول استعاد المركب توازنه، وعندما صدمه زورق البحرية اللبناني للمرة الثانية دخلت المياه إليه وغرق بدقائق.
يطالب سعيد الجهات اللبنانية بإخراج الجثث العالقة، مناشداً المنظمات الدولية والإنسانية بمساعدة السوريين للخروج من لبنان، يقول، "حاول أحمد قبل رحلة البحر التواصل مع الأمم المتحدة من أجل إعادة التوطين في أي بلد أوروبي، لكنه يئس من المحاولة في ظل عدم وجود تجاوب".
قد يهمك: تركت لعبها وسافرت... بيسان طيباتي من ضحايا تفجير بيروت
وبحسب تقرير للأمم المتحدة، نشر بأيلول عام 2021، فإن 9 من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون في فقر مدقع، مضيفة أنّ "اللاجئين السوريين في لبنان يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة وسط أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود" .
وحذّرت أن جميع اللاجئين السوريين في لبنان تقريباً "باتوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من إنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة".
وأوضحت الأمم المتحدة أنّه خلال الـ 18 الماضية فقدت العملة اللبنانية أكثر من 85 بالمئة من قيمتها، وأثّر التضخم بشكل كبير على الأسعار، فخلال الفترة بين تشرين الأول عام 2019 وحزيران عام 2021 ارتفعت تكلفة المواد الغذائية بنسبة 404 بالمئة، مما أدى إلى مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي وسط عائلات اللاجئين السوريين.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان مليون ونصف تقريباً، نحو مليون منهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويعاني معظمهم أوضاعاً معيشية صعبة.
وشهد لبنان زيادة في عدد المغادرين بحراً منذ عام 2020، حيث حاول 38 قارباً على متنه أكثر من 1,500 راكب القيام بتلك الهجرة الخطيرة، وتم اعتراض أو إعادة أكثر من 75 في المئة منهم، بحسب الأمم المتحدة.
ومنذ مطلع العام الجاري، غادرت 3 قوارب على الأقل الشواطئ اللبنانية، بينها قارب طرابلس، تم اعتراض قاربين منها قبل مغادرتها المياه اللبنانية.
ودعت الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة إلى الإنزال الآمن للأشخاص العالقين في عرض البحر وإلى مبدأ عدم الإعادة القسرية.
وشيع أهالي مدينة طرابلس أمس الإثنين، ضحايا غرق مركب طرابلس الذي راح ضحيته عدد من المواطنين، بينهم أطفال.
وبحسب ما صرّح مدير عام مرفأ طرابلس، أحمد تامر لـ"رويترز" إنّ "من كانوا على متن المركب لبنانيون وسوريون وفلسطينيون".
بدأ في هذه الأثناء تشييع الضحايا الست لفاجعة #غرق_الزورق قبالة شواطئ #طرابلس ، حيث تشيّع الطفلة تالا حموي ووالدتها سارة طالب من مسجد حربا في التبانة وسط إطلاق نار كثيف. وبالتزامن يشيّع عدد آخر من الضحايا من أمام مسجد التقوى دوار أبو علي. pic.twitter.com/Zrmyb4pHc4
— Legal Agenda (@Legal_Agenda) April 25, 2022