تقارير | 25 12 2020

تشتهر أفلام الإثارة الهوليودية بولعها الشديد بنظريات المؤامرة، وتعتبر ما تسمى بـ"عين العناية الإلهية" إحدى الرموز الغامضة المفضلة للمؤلفين، ولكن ما قصة هذه العين وإلى ماذا ترمز بالتحديد، وهل هناك بالفعل مؤامرة حقيقية وراءها؟
ونرى هذه العين عادة أو الرموز المشابهة لها في الأفلام الغامضة وحتى في البرامج الإعلامية السياسية الموجهة التي تربط بينها وبين نظريات الفوضى الخلاقة وجماعات المتنورين (Illuminati).
وتقول بعض النظريات إن "المتنورين" هي إحدى أقدم وأقوى المؤسسات السرية، وهي ما زالت موجودة حتى الآن، ويُعتقد أن أعضاءها يحرّكون الحبال من وراء الستائر، ويسيطرون على كل ما يجري على كوكب الأرض، ويستدلون على ذلك ببعض الوقائع والرموز المستخدمة في عدد من المؤتمرات في إشارة إلى نظام عالمي جديد.
اقرأ أيضاً: ابتكارات مذهلة يعود أصلها للحضارات القديمة
ويُعتقد أن هذه المؤسسة ما زالت فعالة حتى عصرنا هذا، وبالإمكان رؤية رموزها لدى معظم المشاهير، والشركات الصناعية الضخمة، وحتى كثير من الزعماء السياسيين والملوك والأمراء ورؤساء البلاد. ويستخدمون العين الكاشفة لأنها ترمز إلى كون ذكي وعالِم بكل ما يحدث على الأرض.
العين الإلهية في جيبك
وبعيداً عن نظريات المؤامرة يبدو الأمر أبسط من ذلك بكثير، وليس عليك البحث كثيراً عن هذه العين، فقد تجدها في حافظة النقود الخاصة بك! نعم، فهي مرسومة على الورقة النقدية من فئة دولار واحد، وموجودة أيضاً على ظهر شعار الولايات المتحدة الأمريكية.
غالباً ما يحتوي تصميم عين العناية الإلهية على رسم لعين بشرية واحدة تقع في إطار على شكل مثلث يخرج منه أشعة الضوء. استخدم الفنانون هذا التصميم كمثال على عين الإله التي ترى كل شيء، حيث تمثل الأضلاع الثلاثة للمثلث عقيدة الثالوث المسيحية، أو الآب والابن والروح القدس، وتمثل أشعة النور مقومات القداسة والألوهية.
تعتبر لوحة العشاء في عمواس الزيتية المرسومة في عام 1525 أحد أقدم الأعمال الفنية التي ظهر فيها شعار "عين الرعاية الإلهية".

لوحة العشاء ويظهر فيها رمز العناية الإلهية في الأعلى
وبالعودة إلى ما قبل ذلك بآلاف السنين، نجد أن المصريين القدماء كانوا حريصين على استخدام رمز العين البشرية الواحدة على جدران معابدهم، فعلى سبيل المثال، ترمز عين حورس إلى إله السماء عند المصريين والذين تصوروه كبشري يمتلك رأس صقر. ولكن كيف انتهى الأمر برمز العين فوق قمة هيكل هرمي على ظهر شعار الولايات المتحدة؟

يمثل الهرم رمز القوة والبقاء وطول الأمد، بمعنى أن الأمة الأمريكية الجديدة سيكتب لها البقاء على قيد الحياة وستستمر لفترة طويلة.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن شعار الهرم الأمريكي مكون من 13 مصطبة ترمز إلى المستعمرات الثلاثة عشر التي أسست الولايات المتحدة بعد الاستقلال عن بريطانيا.
بدأ الماسونيون في استخدام رمز العين بعد أن أعلن عن شعار الولايات المتحدة ببضعة أعوام. يعتقد البعض أن تبني الماسونيين للشعار كان طريقة لإبراز قدرتهم الساهرة ويقظتم القوية، ولكن الأمر في الواقع عكس ذلك تماماً.
اقرأ أيضاً: قرارات وأخطاء بسيطة غيرت مسار التاريخ!
يقول أستاذ التاريخ الأمريكي ستيفن سي بولوك، أن الماسونيين اتخذوا "عين الإله" التي ترى كل شيء كشعار لتكون رسالة لهم وليس للآخرين، أي تذكير لأنفسهم بأنهم تحت المراقبة المستمرة التي تشكل دافعاً للارتقاء إلى المستوى الرفيع لمعايير الدين والماسونية على حد سواء، ودائماً ما كان يذكّر الماسونيون أنفسهم بأهمية الالتزام بمعاييرهم الأخلاقية الصارمة ولم تتضمن أهدافهم فرض قيمهم على عامة الناس.
تعتقد نظريات المؤامرة الأخرى أن العين الموجودة في شعار الولايات المتحدة وعلى عملة الدولار النقدية ترمز إلى مراقبة الحكومة اللصيقة لعامة الشعب، ولكن على النقيض من ذلك، ما زال المعنى الحقيقي يرمز إلى قوة أعلى من الحكومات.
يقول بولوك أن شعار الولايات المتحدة من المفترض أن يرمز إلى أمريكا تحت مراقبة عين الله التي لا تغفل، أو إلى ولادة الأمة الأمريكية الناشئة تحت رعاية عين الله الساهرة.
إذا كان الأمر كذلك، فلم تلطخت سمعة رمز "عين العناية الإلهية"؟ ولماذا تشابكت مع الكثير من نظريات المؤامرة؟
يقول أستاذ العلوم السياسة جوزيف أوسينسكي، إنه من السهل على الناس استيعاب أغلب الرموز التي يتم تصميمها عادة لتكون يسيرة الفهم، على عكس تلك الرموز التي تحمل دلالات متنوعة والتي يصعب علينا استيعابها والتفكير فيها والتوصل إلى استنتاجات جديدة، من الممكن للرموز أن تكون غاية في القوة، مثل هذا الرمز المطبوع على ظهر الدولار الأمريكي.
يعتقد أوسينسكي ببساطة أن الرعب الناشئ عن رمز "عين الرعاية الإلهية" كان من الممكن تجنبه إذا استبدل برسمة أخرى، ولكن الواقع غير ذلك، ففي ضوء أنظمة الأسواق الحرة ونظام الحكم الديمقراطي والفوضى المذهلة الناشئة عن ذلك، يميل الناس إلى إلقاء اللوم على قوة متخفية تمثل الشر الأعظم الذي يترك علاماته ورموزه في كل مكان!

لا يوجد شك في أن قوى الشر متواجدة بالفعل في كل مكان على مستويات الأنظمة السياسية المختلفة، ولذلك هل من المبالغ فيه الاعتقاد بأن أصحاب الأجندات الخبيثة يلجأون لاستخدام الرموز الدالة على نواياهم السرية؟
يعتقد عامة الناس بأن هناك العديد من الأشياء التي توضع خصيصاً تحت دائرة الضوء كدلائل على أمور شيطانية، مثل الدولار، تلك الورقة النقدية المتهمة برسم الخطوط العريضة لمقدرات البشرية في العاصمة واشنطن.
اقرأ أيضاً: إلى أين سيصل بنا الإنترنت؟... أشياء لم تخطر لك بعد!
وبالقياس على ذلك، إذا ذهبت في رحلة إلى ولاية كولورادو وهبطت طائرتك في مطار مدينة دينفر، قم بتفقد الجدارية المرسومة هناك، والتي تصور مشهداً من المشاهد السريالية لعملية إبادة جماعية، والتي يعتقد الكثير من أنصار نظرية المؤامرة بإنها نذير ووعيد بمقتل الملايين من البشر.
يعتقد الناس أيضاً أن الأفلام والموسيقى تحتوي هي الأخرى على رسائل سرية مشفرة.

كل هذا غير منطقي بالمرة، لأن من يريد قيادة مؤامرة كبرى لابد من أن يقوم بتنفيذ مخططه في إطار من السرية الشديدة خوفاً من أن يتم الإيقاع به، لذلك يسعى جاهداً لإخفاء الأدلة وليس إلى نشرها في كل مكان، لا سيما على عملة أقوى دولة في العالم!!
-------------------------------------------------------------------------------------------------
المصادر:
https://time.com/5383055/dollar-bill-design-history/
https://www.uscurrency.gov/media/noteworthy-podcast/symbols-seal
https://www.art.com/products/p14185326-sa-i2954788/jacopo-da-carucci-
pontormo-the-supper-at-emmaus-1525.htm
https://www.britannica.com/topic/Eye-of-Horus
https://www.britannica.com/topic/Great-Seal-of-the-United-States
https://www.youtube.com/embed/FG79X7XzWiw&t=1m24s
https://www.uncovercolorado.com/denver-airport-murals-painting-location/