في اليوم العالمي للرجل: لسنا جنساً لطيفاً!

في اليوم العالمي للرجل: لسنا جنساً لطيفاً!

تقارير | 19 11 2020

باسكال صوما
اللطف في المفاهيم المجتمعية السائدة يعني أحياناً كثيرة الضعف، وهي صفة تؤازر غالباً من وقع عليهم فعل العنف أو الظلم أو المهانة أو العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم أو المقاومة. أما الخشونة فهي على العكس، رمز القوّة، التي تُمنَح للفاعل، المرتكب، محرّك المشهد، البطل.

في اليوم العالميّ للرجل، وهو يوم يمكن أن نوجّه فيه تحايا لرجال داعمين ومحبين في حياتنا، ونعيد فيه الصراخ في وجه قادة الأنظمة الأبوية التي تمارس الظلم والتهميش بحق النساء، وأيضاً بحق فئات أخرى، تقع ضحية لعبة اللطف والخشونة، الضعف والقوّة تلك. في اليوم العالمي للرجل، يمكن تذكر نقاشات طويلة مع أصدقاء ومثقفين ودكاترة جامعيين عن مفهوم "الجنس اللطيف" كتعبير تمييزي ضدّ النساء، فهو تعبير يبدو للوهلة الأولى عادياً، لا بل يقال في سبيل مدح النساء، صاحبات الأصوات الناعمة والوجوه الرقيقة والأصابع الرفيعة.

 مثله أيضاً تعبير "الجنس الخشن" الذي يبدو وفق الثقافة السائدة تعبيراً يمدح صنف الرجال ويضعهم في خانة الفرسان الشجعان الأقوياء الذين لا يهابون شيئاً.

لكنّ البحث في العمق حول التعبيرين يظهر الخبث الذي يختبئ وراء هذا التقسيم بين نساء لطيفات ورجال خشنين. وهو خبث يذهب إلى حدّ التنميط بحيث لا تفلت أي امرأة من صفة جنسها، ولا يفلت أي رجل من واجب الخشونة. وبالتالي أي امرأة تخرج من القطيع وتقرر ألا تكون لطيفة، أو يحدث أنها ليست لطيفة أصلاً، ستسقط عنها كل هالات القدسية وقصائد تمجيد المرأة الصالحة، أمّ المجتمعات. 

قد يهمك: حالمات بالطلاق... "البيوت أسرار"

بموازاة ذلك، كل رجل تخطّ قدمه خارج عتبة الخشونة التي تتضمن لائحة طويلة من المتطلبات، فللخشونة أصول، العنف اللفظي، الجنسي، المعنوي، عرض العضلات الجسدية، التقليل من قيمة النساء، وأيضاً كبت المشاعر وعدم التعبير عنها، تقول القاعدة، كل رجل يتجاوز ذلك، سيُحاسب ويلقى خارجاً. كل رجل يبكي أو يجلي صحنه هو حتماً منبوذ، مشطوب من سفر الرجال "الجدعان".

ليست اللغة مسألة هامشية هنا، فباللغة تستطيع تسيير أجيال طويلة عريضة، ويمكنك تنميطهم، تعميم القيم، فرض الصفات و"الكاراكتيرات" وردود الفعل والمشاعر. فحين تصف جنساً بشرياً كاملاً باللطف، أنت تطلب من جميع النساء لا بل تفرض عليهنّ التصرّف بلطف، مهما حصل، كون اللطف يأتي في تكوين الخلايا الأنثوية. فيما يُطلب من الرجال ألا يبكوا على قبور أحبائهم وألا يعانقوا أطفالهم كثيراً وألا يقولوا كلاماً عاطفياً، وأن يقسوا على نسائهم ويضربوهنّ أحياناً، تماهياً مع خلايا الخشونة التي تولد معهم ويرثها أطفالهم الذكور عنهم.

جنسان متعارضان

ثمّ إن تقديم الرجل والمرأة كجنسين متعاكسين أي: جنس خشن وجنس لطيف، فيه الكثير من الظلم والسطحية، كأن لا تستطيع المرأة أن تنعم ببعض الخشونة بمعنى القوة، ولا يستطيع الرجل أن يكون لطيفاً بمعنى التصرّف بود. ربما بدا ذلك راديكالياً، لكنه لسوء الحظ صحيح وواضح بالأرقام في مجتمعات عربية كثيرة، ويذهب إلى حد وقوع جرائم قتل، تسقط ضحيتها "لطيفات" ويرتكبها "خشنون". 

إضافة إلى ما في تعبير "الجنس اللطف" من دعوات إلى النساء بالمهادنة وعدم الانفجار في وجه الأنظمة الأبوية والذكورية، حتى لا يُسحَب من تحتهنّ بساط اللطف والوداعة.

اللطف والخشونة قانوناً

البرلمان اللبناني أقر عام 2014 قانوناً موحداً للعنف ضد المرأة، إلا أنه ما زال قانوناً باهتاً ولم تتم مناقشته بالقدر الكافي، بالتالي ما زالت ترجح كفة مواجهة الجشونة باللطف، وبتعبير أدقّ، مواجهة العنف الأسري وغيره باللطف والمسامحة، بدل مواجهته بالقوانين الصارمة والدعم الاجتماعي الواضح المنحاز إلى الضحية لا إلى الجاني.

البرلمان الأردني قرر عام 2017 إلغاء مادة في قانون العقوبات تسمح للمغتصب بالإفلات من العقوبة إذا ما تزوج من ضحيته، ولكن مع مطلع 2019 قرر البرلمان تعديل قانون الأحوال الشخصية الأردني ليسمح بزواج الفتيات في سن السادسة عشرة في "حالات خاصة إذا كان في الزواج ضرورة"، ما قد يعد التفافاً على إلغاء القانون السابق ويفتح باباً جديداً لتقنين الكثير من التجاوزات، وهو أيضاً انحياز للطف في مواجهة الخشونة.

قد يهمك: أرامل سوريات صغيرات يواجهن الاستغلال الجنسي

كما أقر مجلس الشعب في سوريا إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات لعام 1949، المعروفة باسم "العذر المخفف" لما يسمّى "جرائم الشرف"، التي نسميها نحن جرائم قتل النساء. لكنّ إلغاء المادة لم يكن كافياً لمواجهة العنف (الخشونة) والقضاء عليه، لأنّ كثراً من الجناة استفادوا من مواد قانونية أخرى لتخفيف العقوبة أو لجأوا إلى "اللطف" مرّة أخرى، الذي يجيز المصالحات والمسامحات والنسيان.

وكذلك قانون العقوبات المصري يخفف عقوبة الزوج الذي "فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال... بالحبس من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات".
ووفق استطلاع للرأي شارك فيه أكثر من 25 ألف شخص من 10 دول عربية أجرته شبكة "البارومتر" العربي البحثية المستقلة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمصلحة "بي بي سي عربي"، سئل المشاركون عن  مدى قبولهم "القتل غسلاً للعار" فكانت الدولة الأعلى عربياً الجزائر بنسبة 27  في المئة تليها المغرب بنسبة 25 في المئة، ثم الأردن بنسبة 21 في المئة.

لا نريد شجاراً

في اليوم العالمي للرجل، ليس المطلوب مباشرة شجار أو استكمال آخر، والتعامل مع التمييز الجنسي ضدّ النساء كما تمّ تطبيقه منذ آلاف السنين، على قاعدة أن الرجل والمرأة كائنان متعارضان، الأول خشن والثانية لطيفة. المطلوب من الرجال المحتفين اليوم بعيدهم وتحديداً الذين نستطيع أن نعلّق عليهم آمالنا، أن يكفّوا هم أيضاً عن هذا التصنيف وأن يتحرّروا تماماً من "شهامة" الخشونة، لأنها أثمرت دماً كثيراً ودموعاً كثيرة وعلاقات سامّة وعائلات مدمّرة وأطفالاً معذّبين وأشخاصاً تعساء. أما بخصوص اللطف، فلا حلّ معه سوى التوقف عن ربطه بالضعف والهوان، وربما يوم تكفّ "الخشونة" عن كونها عنفاً وجريمة وظلماً في مجتمعات كثيرة، يومها يكفّ "اللطف" عن كونه غفراناً مجانياً وضعفاً واستسلاماً. والسلام.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض