تقارير | 6 08 2020

"كنت في بيتي في منطقة الرميل في بيروت قبالة مستشفى الروم، وهو قريب من مرفأ بيروت ومن المناطق التي دمّرها الانفجار، زوجتي وأولادي لم يكونوا معي، كانوا عند أهل زوجتي لحسن الحظ، كنت أتحضّر للذهاب إلى العمل".
"عند السادسة و7 دقائق سمعت الانفجار الأول، ركضت إلى الشرفة، ثم ركضت بعدها إلى غرفة النوم لأرتدي ثيابي وأنطلق، فجأة دوى الانفجار الثاني وسقط كل شيء".
"واجهة بيتي كلها من زجاج، سقطت وتحطّم المكان، في البداية تعرضت لإصابة في عيني، وشعرت بأنني فقدت النظر تماماً، صرت أمشي في البيت بلا وجهة، بين الركام والزجاج المحطّم".
هكذا يروي الشاب السوري عواد عيسى أحمد ما عاشه يوم انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وهو يعيش في بيروت منذ عام 2003 ومتزوج من سيدة لبنانية ويعمل في مؤسسة في سنّ الفيل.

يتابع لـ"روزنة": "فكّرت في أنها ضربة إسرائيلية وشعرت بالعجز عن التفكير بعدها، نزلت إلى الشارع حيث التقيت ابن أختي وأوصلني إلى عائلتي لأطمئنّ عليهم. ثيابي امتلأت بالدماء، ولم أعد قادراً على المشي بسبب الجروح في رجليّ، حين رأيت عائلتي فقدت الوعي تماماً".
اقرأ أيضاً: سوريون يتضامنون مع منكوبي بيروت: بيوتنا مفتوحة
يقول عيسى: "هلق ما عاد عندي بيت ولا سيارة، خسرت كل شي، كل شي صار غبرة وحطام، الشارع كله حطام، لكنني أقول الحمد لله أن عائلتي بخير".
الرعب الذي يصفه عيسى لـ"روزنة" راوياً ما قاساه في يوم بيروت المشؤوم، هو ذاته ما ترويه غالية وهي طالبة سورية تعيش في بيروت، تسكن في منطقة مار مخايل القريبة من المرفأ، والتي أيضاً تعرّضت لدمار هائل.
تقول غالية: "منذ يومين وأنا أحاول لملمة ثيابي وبيتي، أشعر بأنني حتى الآن فاقدة الوعي، لا أستوعب ما يحدث حولي، كان الانفجار مدمّراً لنا نفسياً أيضاً لا مادياً فقط".
وتتابع غالية بصوت يرتجف: "لا أعرف كيف أصف المشهد. كنت في غرفتي أتحدّث مع أهلي عبر الهاتف، سمعت صوت التفجير الأول فركضت إلى الخارج، ربما لو تأخرت لحظة واحدة لكنت الآن جثة هامدة، بيتي كله محطم، الشارع الذي أسكن فيه أصبح حطاماً، لا يمكن أن أصف الرعب الذي يراودني كلما تذكّرت الأمر".
43 سورياً قضوا...
وفق الأرقام المتوافرة، سقط 43 سورياً في التفجير الذي أدى إلى مقتل أكثر من 150 شخص، وإصابة حوالى 5000 آخرين بجروح، إضافة إلى عشرات المفقودين، ولا معلومات نهائية حتى الساعة، إذ ما زالت عمليات البحث مستمرّة، وما زالت القضية ضبابيّة وغير واضحة.
قد يهمك: اللاجئون السوريون في لبنان تحت خط الفقر المدقع!
ووفق المعلومات المتوافرة، الضحايا السوريون، هم غالباً من العاملين في المرفأ أو في مؤسسات مجاورة، علماً أن معظم أحياء بيروت وحتى بعض الضواحي تضررت، ولم يسلم أحد من هول الدمار.

في المقابل، هرع سوريون إلى المستشفيات اللبنانية للتبرّع بالدم من أجل الجرحى والمصابين، وهذه ليست المرة الأولى التي تختلط فيها الدماء السورية واللبنانية وتتوحّد المأساة. وربما في تلك اللحظات التي لا تُنسى، تخيّل سوريون كثيرون أنهم في سوريا وأن ما يحصل قصف جويّ على بيوتهم.
وعلمت "روزنة" أن حملات للتبرع بالدم انطلقت في مخيمات للاجئين السوريين، لا سيما في بلدة عرسال حيث أكثر من مخيّم. كما نُقل عدد من كوادر هذه المخيمات ومعداتها الطبية للمشاركة في إنقاذ الجرحى والمصابين داخل العاصمة بيروت.
يقول محمد (40 عاماً) وهو لاجئ سوري من حمص يعيش في مخيم للاجئين في منطقة عرسال: "نحن نعلم ما معنى النكبة، نعلم ما معنى أن يفقد الواحد أحباءه، أنا ذاهب للتبرّع بالدم، لا أملك سوى هذا الدم لأساعد به الناس والأبرياء الذين دائماً ما يدفعون ثمن الفساد والإهمال والكوارث".
قصص كثيرة ملقاة الآن على طرق بيروت، بين لبنانيين وسوريين وغيرهم من الذين فقدوا أحباءً أو بيتاً أو سيارةً أو متجراً أو مستقبلاً، تعجّ شوارع بيروت بالقصص الحزينة المؤلمة.
الـ 2750 طن من نترات الأمونيوم، التي كانت في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، انفجرت في وسط المدينة، بين الناس، بين أماكن عملهم وسكنهم ومدارسهم وجامعاتهم. ويمكن تخيّل حجم المأساة واتّساعه... وتلك القصص ستمتدّ مأساتهم إلى سنوات طويلة وربما أجيال، فما قبل 4 آب 2020 ليس كما بعده.