شرقي سوريا: اغتيالات وتوترات أمنية... من هي الجهة المستفيدة؟

لعل البيان الذي أصدرته قبيلة العكيدات في محافظة دير الزور، يوم أمس الثلاثاء، والمظاهرات التي تلته في المنطقة، تثير القلق حول مصير الاستقرار في المنطقة، على خلفية اغتيالات طالت رموزاً عشائرية خلال الأيام الماضية، حيث قُتل كل من شيخ عشيرة البكارة علي الويس، وشيخ عشيرة العكيدات مطشر الهفل، "برصاص مجهولين". 

المعارضة السورية وجّهت أصابع الاتهام إلى "الإدارة الذاتية" التي تدير المنطقة، في الوقت الذي نفت فيه الأخيرة مسؤوليتها عن تلك العمليات، ما يُبقي الأمر منسوباً لجهات مجهولة تستفيد من تلك الاغتيالات التي قد تقترب من إشعال نار التناحر الأهلي هناك. 

و أصدرت قبيلة العكيدات، في دير الزور، بيانها، بعد مرور يومين على مقتل أحد شيوخها وهو مطشر حمود الهفل، في استهداف سيارة كانت تقل وجهاء العشيرة وزعيمها.

و أمهلت القبيلة قوات "التحالف الدولي" و "قسد" مدة شهر لتسليمها قتلة شيخها، وجاء في بيان نشره الشيخ مصعب خليل عبود الهفل، أنه "في حال لم يتم ذلك ستتصرف القبيلة كما تراه مناسبا لحماية الديار والممتلكات".

قد يهمك: للمرة الثانية في أسبوع… قصف "مجهول" يطال النفوذ الإيراني بدير الزور

ودعا الشيخ الهفل أبناء المنطقة من العشائر إلى "الوقوف صفا واحدا من أجل حمايتها من كل من يستبيحون دماءها وينهبون ثرواتها، فالديار التي لا يحميها أبناؤها، لا يحميها الغرباء الطامعون".

"الإدارة الذاتية" حملت من جهتها المسؤولية لـ "خلايا نائمة" تتبع لتنظيم "داعش" الإرهابي، بينما اتهمت وزارة الدفاع التابعة لـ "الحكومة المؤقتة" المعارضة في بيان لها وحدات حماية الشعب التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" (الذراع العسكري في المنطقة)، بالوقوف وراء اغتيال زعماء العشائر في شمال شرقي سوريا، داعية الدول الغربية للكف عن دعمها.
 
من المستفيد؟ 

وفي الوقت الذي أشار فيه الكاتب والمحلل السياسي حسين عمر خلال حديثه لـ "روزنة" إلى أن استفادة عدة جهات من عملية الاغتيالات الحاصلة مؤخراً، مشيراً إلى أن كل من النظام السوري وتركيا و إيران وروسيا و "المجموعات الإرهابية" التي لا ترغب في استقرار الوضع في المنطقة، جميعهم مستفيدين من توتر الأوضاع، بينما اعتبر مضر حماد الأسعد رئيس الهيئة السياسية في محافظة الحسكة، بأن الجهة المستفيدة من الاغتيالات هي "قسد" والتي تريد السيطرة على المنطقة بشكل كامل، بحسب تعبيره. 

وقال خلال حديثه لـ "روزنة" بأن هناك "حالة من الرفض و التململ من قبل الأهالي بسبب الإجراءات التعسفية والتجنيد الإجباري التي تمارسها "قسد"؛ بسبب سرقة موارد النفط والغاز، ولعدم وجود الخدمات الأساسية من ماء و كهرباء، إضافة إلى غلاء الأسعار الفاحش وعدم توفر الأمن، كل هذه العوامل دفعت الأهالي لرفض وجود قسد الذين يريدون عزل المنطقة وفرض إجراءاتهم بخاصة التعليم و المناهج". 

وأضاف في السياق ذاته "الاعتداء على شيوخ العكيدات والتي تمثل الثقل البشري لمحافظة دير الزور هو اعتداء على كامل أبناء المنطقة الشرقية… قسد أخطأوا كثيرا في استهداف شيوخ و رموز العكيدات حتى إذا كانوا قد أدانوا هذه العملية لكنها وقعت بجانب الحاجز التابع لهم، فلماذا لا يحمون المنطقة و لماذا هذا الحاجز يمنع الأهالي من مساعدة الذين تم اغتيالهم، وعندما هب الكثير من الشباب في المنطقة لملاحقة الجناة وكذلك لحماية الذين تم ضربهم، إلا أن الحاجز منعهم… هناك عملية مخططة ومدبرة وهي نشر الفتن و الدسائس و الاغتيالات من أجل أن يطبقوا سياسة فرق تسد للسيطرة على المنطقة بعد وجود رفض عام لهم".

قد يهمك: الحوار الكردي… تقسيم ومحاصصة أم إرساء للاستقرار في الشرق السوري؟

بينما رأى الكاتب حسين عمر أنه و رغم "الجهود الكبيرة التي تقوم بها القوات الأمنية وقسد للحد من عمليات الاغتيالات التي تستهدف عادة شخصيات معروفة بمواقفها المؤيدة للاستقرار والداعمة بشكل أو بآخر لقسد، فإنه مع كل عملية اغتيال تقوم تلك الجهات بتدوير الحادث وإدارة حرب نفسية للتأثير على رأي الجماهير وتغيير موقفه وتحريضه ضد الإدارة الذاتية وقسد".

وأردف بقوله أن "الاغتيالات لم تتوقف يوما منذ بداية المقتلة السورية، ولكنها في هذه الفترة تستهدف شخصيات معروفة وبخاصة في دير الزور… يتضح بأن الجهات المذكورة لها يد بخاصة النظام وإيران و بقايا داعش، ومحاولات تلك الجهات هي تأجيج الصراع ومحاولة تحريك الناس ضد "قسد" و "الإدارة الذاتية"، ولكن بحسب المعطيات الواردة اعتقد بان الجماهير وشيوخ المنطقة الوطنيين مدركون للعبة تلك القوى المعادية، وهناك أحاديث لشيوخ المنطقة يتحدثون عن الاتصالات الإيرانية والنظام معهم للوقوف ضد الإدارة الذاتية ولكنهم يرفضون وسيحلون مشاكلهم إذا وجدت مع قسد والإدارة".

احتمالات اقتتال أهلي؟ 

وحول إمكانية انهيار استقرار المنطقة خلال الفترة الحالية، بفعل التوترات الأمنية وحدوث الاغتيالات، قال الأسعد "التصادم لن يحدث بين مكونات المنطقة، نعم هناك بعض المشاكل الفردية لكن لا يمكن أن يحدث اقتتال أهلي… هناك رفض كامل لقسد من قبل جميع المكونات إضافة إلى أن الشريحة الأكبر في منطقة الجزيرة و الفرات و هم العرب يمثلون ما نسبته 90 بالمئة؛ هم يرفضون وجود قسد أو أن يسيطرون على المنطقة و يتحكمون بهم".

من جانبه استبعد عمر"إمكانية (وقوع) أي تصادم بين مكونات المنطقة، بل العكس من ذلك، ففي الظروف الحالية تتعزز وحدة المكونات والتعاون بينهم، ويجدر القول بأن الاغتيالات لن تتوقف ما دام هناك استمرارية للمقتلة في كل انحاء سوريا". 

وكانت الولايات المتحدة أصدرت بياناً، أدانت خلاله ما أسمته "الاعتداء" على شيوخ قبيلة العكيدات في دير الزور.

وقالت واشنطن في بيان، نشرته صفحة "السفارة الأميركية في دمشق" عبر "فيسبوك"، إن الولايات المتحدة "تدين الهجوم على الشيخ مطشر الحمود الجدعان الهفل والشيخ إبراهيم الخليل العبود الجدعان الهفل، وجهاء قبيلة العكيدات… العنف ضد المدنيين غير مقبول و يعيق الأمل في حل سياسي دائم للصراع في سوريا تماشياً مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254"، داعية إلى التهدئة ووقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا".

قد يهمك: معركة مقبلة في الشمال السوري… شرقه أم غربه؟

فيما كانت خرجت مظاهرات يوم الثلاثاء، نددت باغتيال شيوخ العشائر والفلتان الأمني في محافظة دير الزور، وقالت شبكة "فرات بوست"، إن مدنيين أُصيبوا برصاص عناصر "قسد" في مدرسة بلدة الحوايج، أثناء محاولتهم فض المظاهرة، ليسيطر بعدها الأهالي على المدرسة ويبعدوا العناصر عنها، في حين امتدت المظاهرة لتشمل بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي.

في سياق آخر اعتقلت "قسد"، اليوم الأربعاء، أكثر من 25 شابا في مدينة الرقة بحجة اقتيادهم للخدمة الإلزامية، وقالت مصادر محلية، إن "قسد" اعتقلت 28 شابا في مدينة الرقة وريفها، واقتادتهم للتجنيد الإجباري.

بينما قُتل أربعة عناصر تابعين لـ"قسد"، اليوم الأربعاء، إثر هجوم لمجهولين استهدف سيارة كانوا يستقلونها في دير الزور.

وفرضت "قسد"، اليوم الأربعاء، حظرا للتجوال في عدة مناطق بريف دير الزور الشرقي، بعد المواجهات التي اندلعت مع المتظاهرين المطالبين بالكشف عن قاتلي أحد مشايخ قبيلة العكيدات، وبحسب مصادر محلية؛ فإن "قسد" فرضت حظرا للتجوال في بلدات الشحيل و الحوايج و ذيبان؛ شرق المحافظة حتى إشعار آخر.