تقارير | 27 07 2020

ربما تكفيك شهادة "محو أمية"، في وقت لا يفيدك تحصيل أعلى شهادة، أو أصوات ناخبين، كي تدخل تحت قبة مجلس الشعب السوري، والسر يكمن في نيل "الرضا"!.
تمثيل الشعب في البرلمان، من أعلى المناصب الوظيفية في الدولة، ومن المفترض أن يمثل مجلس الشعب في سوريا سلطة تشريعية ورقابية، لكن ذلك يبقى "على الورق"، لا سيما منذ استلام حزب البعث السلطة في 1963.
وحصل حزب البعث الحاكم وداعميه في قائمة "الوحدة الوطنية"، في الانتخابات، التي جرت قبل أيام على 177 مقعداً من أصل 250، في حين لا تزال المحكمة الدستورية العليا تنظر في الطعون التي قدمت، بخصوص الانتخابات.
انتخابات البرلمان مسرحية لهو أبطالها "سماسرة"!
"النظام السوري يُشْغِل الناس بالترشح لمجلس الشعب وفصول مسرحية الانتخابات، أما اختيار الفائزين فيرجع لأجهزة المخابرات وكبار المسؤولين"، بحسب المحامي فهد الموسى.
في حين، يرى حلفاء النظام السوري، والموالون من السوريين، بانتخابات مجلس الشعب، صورةً للديمقراطية، ونصراً سياسياً على "الإرهاب"، وداعميه.
وأضاف الموسى لروزنة أن "معايير اختيار الفائزين تتنوع بين الولاء والانقياد الأعمى، وإتقان النفاق والتملق، إضافة إلى امتلاك الأموال ودفع الرشاوى".
ويتحول عضو المجلس إلى سمسار لدى كبار المسؤولين ورؤساء أفرع الأمن و ضباط المخابرات، لتمرير صفقات، والحصول على استثناءات تتجاوز القانون، بحسب المحامي الموسى.
قوائم معلِّبة وناخبون أموات
تختار دوائر النظام السوري وأجهزته الأمنية، قوائم انتخابية جاهزة، بمسمى "قائمة الوحدة الوطنية"، لمرشحين من حزب البعث وحلفائه، وتضم نحو ثلثي أعضاء المجلس، ويترك للمستقلين بقية المقاعد.
ولفت المحامي الموسى إلى أن "النظام السوري يترك الأمر بين المرشحين المستقلين للتنافس كي يرصد التحولات الاجتماعية ضمن إيقاع وضبط المرشحين الموالين له".
وقال مدير "المركز السوري للحريات الصحفية" القاضي، إبراهيم حسين، على صفحته في فيسبوك، إن "الصناديق دائماً كانت تنتفخ بأوراق منسوبة لمواطنين لم يقترعوا وبعضهم يكون قد توفوا أساساً قبل الاقتراع بسنوات".
وتساءل "هل يصدق أحدكم أن خالد ابن الوليد، رفقة ابن المقفع، وجبران خليل جبران وإلياس فرحات زاروا محافظة الحسكة وأدلوا بأصواتهم؟".
كما أكد سوريون أن أسماء ذويهم وردت في قوائم الناخبين في الانتخابات الأخيرة، على الرغم من أن أصحاب تلك الأسماء معتقلون في سجون النظام السوري منذ سنوات.
خفايا ومآرب وراء عمليات "الاستئناس الحزبي"
شهدت انتخابات مجلس الشعب السوري هذا العام، بدعة "الاستئناس الحزبي" التي اختار عبرها حزب البعث العربي الاشتراكي مرشحيه، من خلال تصويت البعثيين أنفسهم.
ولم يلق "الاستئناس الحزبي" تأييداً حتى في الأوساط الحزبية نفسها، إذ اعتبر عدد من الحزبيين أن التجربة لم تفرز الأفضل.
وذكر، معن الغادري، في مقال نشرته صحيفة (البعث) أن "العقلية التي مورست في عملية الاستئناس لم تغب عنها التحالفات والتكتلات والشللية والمناطقية، فيما الخاسر الأكبر هو الوطن والحزب والمواطن على السواء"، على حد تعبيره.
كما لفت الصحفي أيمن عبد النور، في مقال نشره "معهد الشرق الأوسط"، إلى أن "النظام اعتقد أن الاستئناس يمكن أن يخدم في اختبار شعبية المرشحين وميولهم داخل حزب البعث الذي يضم حوالي مليوني عضو".
"والاستئناس يظهر مدى الدعم الذي يلقاه كل مرشح، وما هي القاعدة التي تصوت له، إسلاميون، يساريون، محافظون"، بحسب عبد النور.
وكشف أنه "بعد أن استخدم الأسد جولة الاستئناس الحزبي لمعرفة التوزع السياسي، قام بإلغائها قائلاً إنها سوف تستخدم للاستدلال فقط، وفي 4 تموز أعلن حزب البعث قائمة المرشحين من مختلف المحافظات، وأدخل فيها أسماء لم تدخل مرحلة الاستئناس أصلاً".
كورونا أوقف الزحف إلى صناديق الاقتراع!
لم تتجاوز نسبة المقترعين في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، التي جرت في 19 تموز 2020، الـ 33% من إجمالي من يحق لهم الانتخاب.
وعقب صدور نتائج الانتخابات، قال وزير العدل في حكومة النظام، هشام الشعار، إن جائحة كورونا أدت إلى إحجام عدد من المواطنين عن الاقتراع خوفاً من انتقال العدوى، بالإضافة إلى أنه لا يحق للسوريين خارج البلاد الاقتراع.
وأبدى الكاتب راتب شعبو، في مقال نشره موقع (العربي الجديد)، استغرابه من حرص النظام السوري على إجراء انتخابات مجلس الشعب، وقال "لا شيء أكثر إثارة للسخرية من الحرص على إجراء الانتخابات وسط هذه الحالة المأساوية التي تصل إلى حدود المجاعة التي يعيشها السوريون في كل مكان".
"ولا شيء أغرب من تحمّل تكاليف هذه المسرحية، في حين يبلغ مقدار الديْن العام للدولة السورية 208% من إجمالي الناتج المحلي".
اقرأ أيضاً: فضائح بالجملة في انتخابات "العرس الوطني"
وتابع "ربما لا يوجد شخص واحد في كل سوريا، موالياً أو معارضاً أو بين بين، يعتقد أن ما جرى هو انتخابات تستحق هذا الاسم، النظام نفسه يدرك هذا، ولا يكترث، ولا يكلف نفسه عناء إجادة التمثيل أو التستر على العيوب، ولسان حاله يقول أنا الغريق فما خوفي من البلل".
برلمانيون فرضتهم الحرب وإقصاء وجوه ألفها المجلس
كان مفاجئاً انسحاب رجل الأعمال، محمد حمشو، المقرب من ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، من الانتخابات قبل إطلاقها بيومين، الأمر الذي أثار تكهنات أبرزها وقوف أسماء الأسد، وراء إبعاد حمشو.
وتبع انسحاب حمشو، إعلان، عمر أوسي، العضو الكردي في المجلس من 2012، انسحابه من الترشح للانتخابات.
وأشار عبد النور، في مقاله بمعهد الشرق الأوسط، إلى أن النظام أصر على إبعاد القادة الكرد واستبدالهم بأفراد قليلي الأهمية، إذ أجبر أوسي، على أن لا يخوض الانتخابات، فيما خسرت الشخصية الكردية الشعبية الأخرى، طريف قوطرش.
واختير بدلاً منهما مرشحان آخران هما، عبد الرحمن خليل من الحسكة، واسماعيل حجو من الرقة، وكلاهما من الحزب الشيوعي المتحالف مع البعث، بحسب عبد النور.
في وقت، خسر نائب حلب ورئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، الانتخابات مع قائمته لصالح فوز رجل الأعمال، حسام قاطرجي، الذي لمع نجمه خلال الحرب.
وقال الشهابي، بعد خسارته، إن مافيا الفساد وأمراء الحرب ودواعش الداخل يتآمرون ضده.
وبعد خسارتها للانتخابات، هاجمت رئيسة حزب "الشباب للبناء والتغيير"، بروين إبراهيم، حزب البعث، ووصفته بالإقصائي، وأنه يتعامل مع الدولة السورية على أنها مزرعة له.
ثغرات قانونية تفتح باب التلاعب بنتائج الانتخابات
تنص المادة (8) من قانون الانتخابات، على تشكيل لجنة قضائية عليا للانتخابات، إذ تشير مجلة المفكرة القانونية، إلى أن اللجنة غير محايدة أومستقلة فعلياً، لأن غالبية أعضائها من حزب البعث.
والأسد يرأس مجلس القضاء الأعلى، الذي يتحكم بشؤون القضاة تعييناً وترفيعاً وإقالة، ومن هذا المنطلق فلن يكون هناك أية ثقة بعمل هذه اللجنة، بحسب المجلة.
كما أعطى القانون للمحافظ، الذي يعينه النظام، حق تشكيل لجنة الانتخاب، وهذا يُمكِّن النظام من التحكم بالعملية الانتحابية ونتائجها.
ولفتت المجلة، إلى أن القانون حافظ في المادة 20 منه على التقسيم القديم باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واحدة باستثناء حلب التي قسمت لدائرتين، وهذا التقسيم يرهق بعض المرشحين الذين لن يستطيعوا تغطية نفقات الدعايات الانتخابية في كامل المحافظة وريفها، وهو يصب في مصلحة من يملك المال، وقوائم النظام.
قد يهمك: رامي مخلوف يرتب أوراقه للتصعيد ضد زوجة بشار الأسد!
كما يؤخذ على تقسيم الدوائر الانتخابية إلى قطاعين، عمال وفلاحين، وباقي فئات الشعب، بأنه مطاط يخلط بين الفئتين ويمكن الالتفاف عليه بسهولة، فيكفي المرشح أن يثبت أنه يمتلك قطعة أرض زراعية أو قطيعاً من الأغنام حتى يتم تسجيله في فئة العمال والفلاحين.
وتعتبر "صناديق البادية" أي الصناديق المتنقلة والتي تقول عنها لجنة الانتخابات إنها مخصصة لجمع أصوات السوريين في المناطق النائية والبدو الرحّل، ولتلك الصناديق تسميات عدة في المحافظات السورية منها أيضاً "صناديق الشول"، ويسهل التحكم بأصوات تلك الصناديق لصالح أحد المرشحين، إذ أن أصوات تلك الصناديق تضاف في المرحلة الأخيرة من عملية الفرز، لتقلب الكفة لصالح المرشح صاحب النفوذ أو من دفع رشاوى أكثر.
ومن أبرز الفائزين في الانتخابات الأخيرة، أحمد الكزبري، رئيس وفد النظام للجنة الدستورية السورية، التي ترعاها الأمم المتحدة، والمخرج نجدت أنزور، ورئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، سامر الدبس.
يشار إلى أن هذه الانتخابات هي الثالثة في سوريا منذ 2011، ولم تنظم انتخابات في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، وفي مناطق سيطرة فصائل معارضة و"هيئة تحرير الشام"، شمال غربي سوريا.