تقارير | 10 07 2020
مالك الحافظتنتهي اليوم الجمعة، صلاحية الآلية الأممية المتّبعة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، وسط مراوغة روسية قد يفضي إلى تضييق أكبر على المدنيين السوريين، وذلك بعدما رفضت روسيا تمديد الآلية التي تسمح بدخول المساعدات من خلال معبري "باب الهوى" و "باب السلامة"، والاكتفاء من جانبها بمعبر واحد فقط "باب الهوى".
روسيا كانت أخفقت في محاولتها الثانية يوم أمس الخميس، في مجلس الأمن الدولي لخفض نقاط عبور المساعدات لسوريا عبر تركيا، بعد محاولة سابقة الأربعاء، في سعي منها لتقليص المساعدات الإنسانية. ولتكون هناك جولة مداولات مفترضة خلال الساعات المقبلة أن يصوت مجلس الأمن على القرار المعدل الذي تقدمت به ألمانيا وبلجيكا، والذي سبق أن رفضته روسيا، لكن الجديد قد يكون تعديلات روسية تمنح التمديد لـ 6 أشهر فقط وبمعبر وحيد.
كيف يؤثر تسييس الملف الإنساني؟
يبدو أن رفض موسكو تمديد الآلية يقف خلفه غايات سياسية متعددة يأتي شرحها لاحقاً، غير أن ما يثير القلق ويدعو للتساؤل هو مصير الملايين من السوريين في الشمال السوري، و ما إذا كان المجتمع الدولي قادراً على استمرار وصول المساعدات للمدنيين، أو أن مصيرهم سيكون كما كان مصير أقرانهم في الشرق والجنوب السوري، بعد أن شددت روسيا على إغلاق معبري "اليعربية" (مع العراق) و "الرمثا" (مع الأردن)، مطلع العام الجاري.
رئيس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، حذّر خلال حديثه لـ "روزنة" اليوم الجمعة، من خطورة تسييس ملف المساعدات، مشيراً إلى أن تقديم المساعدات الإنسانية لا يعتبر تدخلاً من أي طرف بالنزاع السوري.
وتابع "إدخال المساعدات العابرة للحدود هو من أجل تجنب سرقة النظام السوري لهذه المساعدات بعدما كان يسرقها قبل صدور قرار مجلس الأمن المتعلق بآلية توزيع المساعدات العابرة للحدود في تموز 2014، لذلك فإن الروس يسعون لعودة هذه المساعدات إلى كنف النظام، فكان الاستخدام التعسفي للفيتو من قبل الروس".
قد يهمك: روسيا تدعو لتشكيل حلف عربي يدعم دمشق!
وزاد بالقول أنه و "في الحالة السورية نتحدث عن نظام قام بعملية تشريد الملايين، والروس متورطين بذلك... هناك أكثر من 5 مليون نازح سوري، ومن تأثر ليس فقط في الشمال وإنما في مناطق الجزيرة، ولكن التركيز يتم على الشمال لأن أوضاع السكان فيها أسوء بكثير، و لأن هذه المناطق تعرضت لقصف أكثر وتشردوا أهلها بشكل أكبر وتحتضن سوريين أكثر من مناطق الجزيرة".
وأكمل بأن "المشردين داخليا هم أكثر الفئات فقرا في المجتمع وأكثرها هشاشة، هناك عدة عائلات تسكن مع بعضها البعض في خيمة واحدة، وفي ظل انتشار أول حالة إصابة بكوفيد-19 في الشمال، فإن ذلك يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لنا؛ حيث لا تتوفر شبكات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب ومياه غسل اليدين وما إلى ذلك… إن استخدام "الفيتو الروسي" لإيقاف المساعدات الإنسانية هو سابقة في التاريخ الحديث".
وطالب عبد الغني خلال حديثه لـ "روزنة" بأن يعمل المجتمع الدولي على إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود بصرف النظر عن "الفيتو الروسي"، مشددا على وجوب التفكير بآلية تُخرج المساعدات عن أي تسييس في مجلس الأمن، وإعادة النقاش حول ذلك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإتاحة الفرصة لها (الجمعية العامة) بأن تتخذ قراراً و بأغلبية الأعضاء؛ يجيز إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، دون الحاجة لقرار مجلس الأمن.
ولمدة 6 سنوات، منح مجلس الأمن التفويض سنوياً بإيصال مساعدات إنسانية لسوريا من خلال 4 معابر؛ اثنان على الحدود مع تركيا، ومعبر مع الأردن ورابع مع العراق.
في كانون الثاني الماضي، سمح مجلس الأمن بمواصلة عمليات إدخال المساعدات الإنسانية عبر تركيا لـ 6 أشهر، وأوقف دخولها من العراق والأردن، بسبب معارضة روسيا والصين. والثلاثاء الفائت استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو)، لمنع تمديد الموافقة على المعبرين التركيين لمدة عام. وصوتت الدول الباقية، وعددها 13، لصالح القرار الذي قدمته ألمانيا وبلجيكا.
المعاني السياسية لعرقلة تمديد إدخال المساعدات الإنسانية
تحمل المشاغبة الروسية في مجلس الأمن، الكثير من الرسائل السياسية في مضمون تعطيل تمديد القرار الأممي، لعل أبرزها الرد المباشر على الولايات المتحدة التي أدخلت عقوبات "قانون قيصر" حيز التنفيذ منتصف الشهر الفائت، فهي تريد القول للجانب الأميركي أن ملف المساعدات الإنسانية سيكون ورقة مساومة لها داخل الملف السوري، طالما أن واشنطن باتت تلوح بعصا "قيصر" أمام روسيا وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.
الرسالة الثانية التي وجهها الروس كانت للمجتمع الدولي الذي ستُحمّله مسؤولية التعامل مع "هيئة تحرير الشام" التي تشرف على منطقة المعبر (باب الهوى)، وهو التنظيم الموضوع على قائمة الإرهاب الدولي، فهي بذلك تتقدم للدفع صوب إعادة سلطة النظام السوري عليه، بخاصة وأنها تسعى في واقع الحال لوصول قوات دمشق إلى تلك النقطة المتقدمة في الشمال، وهي (روسيا) التي تريد إعادة سلطة دمشق ضمن محيط واسع من محافظة إدلب وليس الاكتفاء فقط بالوصول إلى الطرق الدولية "إم 5" و "إم 4".
قد يهمك: إعادة إنتاج النظام السوري بصيغة روسية جديدة… ما موقف واشنطن؟
يضاف إلى ذلك رسالة مبطنة إلى تركيا بوجوب تحركها لتفكيك التنظيمات الجهادية/الإرهابية وفي مقدمتها "تحرير الشام" التي تسيطر على منطقة المعبر، فضلا عن سيطرة فصائل أخرى على محيط الطريق الدولي "إم4".
الكاتب المتخصص في الشؤون الروسية، طه عبد الواحد، اعتبر خلال حديثه لـ "روزنة" اليوم الجمعة، أن روسيا تنطلق في كل قراراتها من مصالحها وبناء على طبيعة علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية في سوريا.
وأشار إلى أن روسيا عندما رفضت تمديد عمل المعابر الإنسانية الأربعة مطلع العام الجاري، ووافقت فقط على معبرين، فإن قرارها كان ضمن جهودها لدفع المجتمع الدولي نحو التطبيع مع النظام السوري، وذلك حينما أصرّت على أن يتم إيصال جميع المساعدات "عبر السلطات الشرعية والتنسيق معها".
وتابع "كان لافتا حينها أن أصرت على إغلاق المعبرين مع الأردن والعراق، أي التي تصل المساعدات عبرها إلى مناطق شرق سوريا، وهي محسوبة مناطق نفوذ أميركي، وهي بهذا الشكل تضع الأميركيين أمام وضع إنساني خطير يتحملون تبعاته... في التصويت الأخير قبل أيام، أصرت على التنسيق مع النظام، وبينما تمسكت بإغلاق معبر باب السلامة، الذي تصل المساعدات عبره بما في ذلك إلى مناطق النفوذ الأميركي حيث تسيطر "قسد"، كان لافتا أنها أبقت فقط على باب الهوى، وهي بذلك تحاول زيادة الضغط على النفوذ الأميركي عبر الوضع الإنساني، بينما أكدت تمسكها بالتعاون مع تركيا حين سمحت بتمديد إيصال المساعدات عبر باب الهوى".
قد يهمك: معركة مقبلة في الشمال السوري… شرقه أم غربه؟
ورأى أن "روسيا لا تريد وضع الأتراك "شركاء روسيا في أستانا" في موقف حرج، وتتجنب أي تصعيد معهم في المرحلة الحالية، أما الأميركيين، فهي مستعدة لاستخدام أي أوراق للضغط عليهم، لاسيما بعد توسع نفوذهم بشكل واضح في مناطق "قسد"، مع ظهور مؤشرات حول اتفاق ينهي الخلافات بين أنقرة وأكراد سوريا، ما سيعني إحكام واشنطن قبضتها على تلك المنطقة الحساسة لروسيا".
بينما قال الصحفي المختص بالشؤون الروسية، سامر إلياس، لـ "روزنة" في وقت سابق ما هي إلا محاولة لإجبار المجتمع الدولي على التعامل مع النظام السوري.
وأضاف: "إن خطة خنق المدنيين كانت واحدة من الخطط الناجحة التي طبقتها روسيا سابقاً كالحال في مخيم الركبان... هذا ما تهدف إليه من حصر المساعدات في معبر واحد هو باب الهوى". ورأى إلياس أن المجتمع الدولي جاد في تقديم المساعدات للمدنيين في سوريا لكن الـ "فيتو" الروسي يضعه والولايات المتحدة في موقف محرج، لافتاً إلى أن واشنطن لازالت تملك ورقة إعادة الإعمار لتضغط بها على موسكو.
وكان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، دعا يوم أمس الخميس، لزيادة توريد المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، وطرح مشروع بديل حول آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا.
وقال دوجاريك للصحفيين: "نحن نحتاج إلى زيادة المساعدات التي تنقل عبر الحدود، وليس إلى تقليصها".