تقارير | 8 07 2020
![](https://www.rozana.fm/assets/images/author-placeholder.png)
لقاءات عديدة قامت بها الدبلوماسية الروسية خلال الآونة الأخيرة، مع شخصيات سياسية سورية معارضة، تثير حولها الكثير من التساؤلات بشأن مدلولات اللقاءات الروسية وحقيقة مساعي موسكو من وراء هذه التحركات، وفيما إذا كانت تنبني عليها ملامح المرحلة المقبلة التي قد تتيح للروس تنفيذ رؤيتهم ومصالحهم في سوريا.
ولا يبدو أن موسكو تعمل ضمن أفق واضح إذا ما تم النظر إلى اعتمادها فقط على تنسيق لقاءات متفرقة مع بعض الشخصيات السياسية المعارضة، غير أن مصادر أفادت لـ "روزنة" بأن مؤتمراً روسياً على غرار مؤتمر "سوتشي" الذي عقد مطلع العام 2018، تُحضر له موسكو خلال الفترة المقبلة قد تكون أبرز أهدافه إظهار قدرة روسيا على ضم شخصيات سياسية معارضة جديدة تتبنى رؤيتها ضمن عنوان عريض متمثل بشكل "المرحلة الانتقالية" والترتيبات اللازمة لها المتوافقة مع الاستراتيجية الروسية بالتزامن مع تحريك سلة الدستور.
آخر اللقاءات الروسية كانت جمعت نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، برئيس "منصة موسكو" المعارضة، قدري جميل. وبحسب بيان للخارجية الروسية أمس، الثلاثاء، فإن بوغدانوف وجميل ناقشا الحل السوري في سياق محادثات "أستانا"، والقمة الثلاثية التي جرت مطلع تموز الحالي.
ويأتي اللقاء بعد أسبوعين من زيارة بوغدانوف للعاصمة القطرية، ولقاء الرئيس السابق لـ "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، معاذ الخطيب، بحسب ما أعلنته الخارجية الروسية.
قد يهمك: بوتين رئيساً إلى الأبد… هل يُغيّر استراتيجيته في سوريا؟
وقالت الخارجية في بيان لها، في 23 من حزيران الماضي، إن الطرفين "تبادلا بشكل مفصل وجهات النظر حول الوضع الحالي في سوريا، مع التركيز على آفاق التسوية السياسية للأزمة في البلد، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254".
كذلك كانت أفادت تقارير صحفية نهاية الشهر الفائت، عن اجتماع عقده مجموعة من العلويين السوريين المعارضين للنظام السوري، أطلق عليهم اسم "العلويين المؤثرين" مع السكرتير الأول للبعثة الروسية الدبلوماسية الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف سيرغي ميتوشن، حيث تم البحث مع الوفد العلوي المعارض رؤيتهم للحل في سوريا، وقد تم التأكيد خلال هذا الاجتماع على أهمية عقد اجتماع جديد للتوصل لحل.
ما الذي يريده الروس الآن؟
الكاتب السوري، غسان المفلح، رأى خلال حديثه لـ "روزنة" بأن الروس يسعون خلال المرحلة الحالية لإيجاد أكبر مساحة من التقاطعات؛ على رؤيتها للحل في سوريا. أقلّه في المنطقة التي تتشارك فيها السيطرة مع الأسد وإيران، طامحة من وراء ذلك إلى فتح ثغرة في بقية المناطق أو في الموقفين الأميركي والتركي والدولي عموماً.
وأضاف "من جهة أخرى (فإن) الروس يتحركون أيضا في محاولة لتبيان أن لديهم ما يقومون به في سوريا، (وذلك) نظرا إلى قيام أميركا بتجميد الوضع أو تزمينه تبعا لقانون "قيصر" وما يريد الأمريكان منه… لهذا في كلتا الحالتين الموقف الروسي في مأزق".
قد يهمك: موسكو تسعى لإغلاق معبر مخصّص لنقل المساعدات إلى سوريا
وبيّن المفلح بأن استمرار عهد الأسد "بتوليفة جديدة" أمر لم يعد أحد يستطيع تسويقه بعد قانون "قيصر" الأميركي (الذي تم اقراره منتصف الشهر الفائت)، وأكمل بالقول "أما توليفة بدون الأسد فالروس غير قادرين عليها إلا بموافقة إسرائيلية... هذا أيضا يدركه أطراف أستانا والأسد نفسه، لهذا الروس يحاولون تقوية أوراقهم في هذا الحراك فقط، وبدون أفق واضح".
واعتبر أن عقوبات "قيصر" أدخلت سوريا بمرحلة "تزمين ترامبية بدلا من التزمين والتعفن التي أدخلها فيها أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق)، وكانت روسيا وإيران وحزب الله أركان أساسية فيها، وهذا ما ترفضه الرؤية الترامبية نسبيا... يجب معرفة الفارق بين الرؤيتين كي نحدد المساحة التي تتحرك فيها روسيا... صدام بقي تحت العقوبات والضغط العسكري 13 عاما... أخيرا لا مؤشرات نوعية ماعدا قيصر قبل الانتخابات الأميركية، لأنه من وجهة نظري إذا أتى الديمقراطيون سيفرغون قيصر حتى من مضمونه الترامبي".
إعادة إنتاج النظام وفق صيغة جديدة؟
من ناحيته رأى الباحث السياسي السوري، عبد الرحمن عبارة، أن تواصل الخارجية الروسية المباشر بشخصيات المعارضة السورية ليس الأول من نوعه، غير أن ما يميّز اللقاءات الأخيرة أنها أشمل من ذي قبل، فهي لم تقتصر على اللقاءات الشخصية والمعلنة كلقاء السيدين معاذ الخطيب وقدري جميل، بل شملت تواصل نائب وزير الخارجية الروسي "بوغدانوف" هاتفيا مع شخصيات أخرى بالمعارضة السورية لكن لم يتم الإفصاح عنها، لأسباب لم تتضح بعد، وفق تعبيره.
وأضاف "كان من اللافت للانتباه وصف الخارجية الروسية -للمرة الأولى- بعض من التقاهم بوغدانوف بـ المؤثرين العلويين في الشتات"
ونظر عبارة إلى أن المساعي الروسية الأخيرة يمكن إدراجها ضمن سياق إعادة إنتاج النظام السوري وفق صيغة جديدة، تحفظ لموسكو هيمنتها لعقود طويلة على القرار السياسي والعسكري والاقتصادي السوري.
فيما لفت إلى أن إنهاء الحرب هو أبرز ما يهم روسيا على المدى القصير، وكذلك إعادة شرعية النظام السوري الكاملة ضمن المحافل الإقليمية والدولية، وبسط النظام سيطرته على كامل الأراضي السورية، ودفع الدول الخليجية والغربية لتمويل عملية إعادة الإعمار في سوريا.
وأما التواصل مع شخصيات من المعارضة السورية فإن موسكو تريد من خلاله إعطاء الشرعية لكل ما سبق، بحسب رأيه.
قد يهمك: روسيا تدعو لتشكيل حلف عربي يدعم دمشق!
وأوضح عبارة بأن التحركات الروسية على خط المعارضة السورية بطيئة للغاية، حيث يتشكّل الانطباع السائد عنها بأنها تحركات غير جدية في إيجاد حل مشترك للقضية السورية، فضلاً عن أنها غير مجدية على أكثر من صعيد، لكنها في الوقت ذاته تحمل في طياتها الكثير من الهواجس، وفق تعبيره، مدلاًلاً على ذلك بقبول بعض تلك الشخصيات منفردة بالطرح الروسي، الأمر الذي سيدعم شرعية النظام السوري ويزيد من ضعف أجسام المعارضة السورية.
وختم بالإشارة إلى أن اللقاءات التي "تأتي بين الحين والآخر لتدعم المزاعم الروسية التي تقول؛ بأن موسكو على تواصل مع جميع الأطراف السورية سواء المؤيدة للنظام أو المعارضة له، وبذات الوقت محاولة لرصد آراء المعارضة السورية حول (أفكار وعناوين) للحل السياسي في سورية تطرحها الإدارة الروسية بين الفينة والأخرى… تحاول روسيا من خلال لقاءاتها مع شخصيات بالمعارضة السورية بشكل منفرد ومتباعد زمنيا، كسب الوقت والهروب إلى الأمام من استحقاقات جنيف واللجنة الدستورية والقرارات الأممية ذات الصلة".
وكان المتحدث باسم "هيئة التفاوض" المعارضة، يحيى العريضي، أشار إلى وجود مساعٍ روسية من أجل الوصول لحل سياسي في سوريا، وقال في تغريدة عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، نهاية الشهر الفائت، إن ما يشاع حول تواصل الروس مع شخصيات ومكونات سورية من أجل الوصول للحل السياسي في سوريا أمر صحيح، منتقداً في الوقت ذاته تلك المساعي.
فيما ذكر العقيد خالد القطيني، في تغريدة عبر حسابه الشخصي في موقع "تويتر" أن الروس يقودون لقاءات سرية مع عدة شخصيات وليس معاذ الخطيب فقط، لافتاً إلى إنه "حالياً من المبكر الحكم على ما يجري من تحضيرات وورشات عمل روسية للالتفاف على مشاريع قيصر".
وأضاف "لكن الجدير بالذكر أن مندوب بوتين لم يلتقي فقط مع شخص معاذ الخطيب على وجه الخصوص والذي اعتبره البعض أنه انتقاء فريد، إنما هناك 10 شخصيات أخرى التقى فيها الروس بشكل سري لم يعلن عنه بعد".