تقارير | 17 06 2020
مالك الحافظ - روزنة|| بعد غياب قارب الثلاثة أشهر، تخطت التصريحات التركية المتعلقة بمنطقة إدلب لخفض التصعيد مسألة حماية اتفاق وقف إطلاق النار هناك، بل تخطتها بالتأكيد على تعهد أنقرة بمنع انزلاق إدلب مجددا لأي تصعيد عسكري، وذلك في وقت حشدت فيه "هيئة تحرير الشام" تعزيزاتها في منطقة جبل الزاوية؛ رداً على حشودات قوات النظام وحلفائه، واستمرار الخروقات في المنطقة وبروز التصعيد الروسي الجديد بعد زيادة حدة التصعيد في ليبيا (الملف المتنازع عليه بين موسكو و أنقرة).
تبدو تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء أمس، التي تجاوز فيها إعلان نوايا أنقرة السابقة حول اهتمامها بالحفاظ على وقف إطلاق النار، تبدو وأن تركيا تتوجه مباشرة لروسيا بالإشارة إلى أن التصعيد في إدلب رداً على التوترات/الخلافات في ليبيا بين الجانبين لن يعود بأي نفع على موسكو.
وتعهد الرئيس التركي بألا تسمح بلاده بأن تصبح إدلب "بؤرة صراع مرة أخرى"، وقال أردوغان أمس الثلاثاء: "حققنا نجاحا كبيرا في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب.. لن نسمح بعودة المواجهات في إدلب على الرغم من استفزازات النظام في الأيام الأخيرة، وسنعمل على منع ذلك".
اقرأ أيضاً: معركة "كسر عظم" روسيّة تركيّة متوقعة... هل تكون في إدلب؟
توقيت التصريح التركي، الذي تزامن في وقت كان يشرح فيه أردوغان سير العمليات العسكرية في ليبيا، يشي بدلالات متعددة في ملف التفاهمات الروسية-التركية، قد يكون أبرزها أن تركيا متجهزة لأي تصاعد في الأحداث تجهز له روسيا في إدلب.
وكانت غارات روسية أوقعت صباح يوم الثلاثاء عدة ضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح في ريف إدلب الجنوبي عقب التصعيد العسكري الذي ارتفعت حدته هناك منذ يوم الاثنين.
مصادر محلية، كانت أفادت بأن الطيران الحربي الروسي نفذ عدة غارات على قريتي "كنصفرة" وبليون" في جبل الزاوية جنوب إدلب، أدت إلى مقتل مدني إضافة إلى إصابة 8 آخرين بينهم 5 أطفال وامرأة واحدة.
دعم أميركي لمواقف تركيا؟
المحلل السياسي والعسكري، خالد بكار، و خلال حديثه لـ "روزنة" حول تطورات ملف إدلب يعتبر أن التصريحات الأخيرة للرئيس التركي تأتي استناداً للموقف الأوروبي و الأميركي السابق، ومطالبتهم بعودة النظام إلى حدود اتفاق سوتشي.
ويتابع "التصريح مرة أخرى بقوة من الرئيس التركي يعود للاتصال بينه والرئيس الأميركي، وعلى ما يبدو هناك دعم أميركي للموقف التركي تجلى في ليبيا، وهذا الدعم للأتراك في ليبيا يعني أن واشنطن مع التوجهات التركية أيضاً في سوريا".
اقرأ أيضاً: دوي المدافع في ليبيا يُسمع في سوريا... تجاذبات روسية-تركية؟
ويضيف أن "تركيا تسعى للحفاظ على إدلب و ريفها و باقي الريف المحرر، لمنع أي موجة نزوح باتجاه تركيا، و ما زيارة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الأخيرة لسوريا إلا للإطلاع على وضع المنطقة والبدء بإعادة إعمار و خطة تنمية في تلك المنطقة، وإعادة عدد من اللاجئين السوريين في تركيا لتلك المنطقة في مرحلة لاحقة".
ويرى أن "الأبواب مفتوحة الآن أمام تركيا في ظل الدعم الأميركي/الأوروبي لاستخدام القوة كخيار في حال قيام قوات النظام بأي تحرك باتجاه إدلب"، معتبراً أن "روسيا ترفض (التصعيد) و تضغط على النظام لمنع أي تحرك حاليا و تحاول تثبيت الاتفاق التركي الروسي الأخير (حول إدلب مطلع آذار الفائت)".
ما خيارات تركيا؟
الكاتب والباحث السياسي، عبدالوهاب عاصي، يقول لـ "روزنة" إن أمام تركيا عدّة خيارات في ظل تصعيد النظام السوري وحلفائه على جبهات محافظة إدلب والذي يهدف أصلاً إلى ممارسة قصارى الضغط عليها، وفق تقديره.
إذ يشير إلى أن تركيا تمتلك ثلاثة خيارات بمواجهة أي تصعيد مرتقب، أولها يتمثل بتحقيق تقدّم ملموس في تنفيذ بنود بروتوكول موسكو (آذار 2020)، دون أن يدفع ذلك بالضرورة لاستكمال المباحثات بين الفرق العسكرية والوفود الدبلوماسية الروسية-التركية؛ لتحويل هدنة وقف إطلاق النار لاتفاق مستدام، معرباً بالقول أن ذلك قد يساهم ذلك في خفض التصعيد "مؤقتاً".
بينما يبرز الخيار الثاني وفق رؤية عاصي، من خلال الدفع قدماً بالمباحثات الثنائية بين موسكو وأنقرة حول مستقبل منطقة خفض التصعيد والعملية السياسية، وإنهاء التباطؤ الحاصل في تطبيق بنود بروتوكول موسكو، ما يعني بالضرورة وضع جدول زمني لاستئناف الحركة التجارية على الطرق الدولية بين حلب ودمشق واللاذقية، ما قد يساهم في الانتقال من اختبار الثقة نحو البناء الاستراتيجي في علاقات الطرفين.
اقرأ أيضاً: روسيا تمرر مشروع "الفيدرالية السورية"... هل تنجح في ذلك؟
أما الخيار الثالث، فيلفت الباحث السياسي بالقول إنه سيكون من خلال استمرار تطبيق بنود مذكّرة موسكو بوتيرة متباطئة لا تلقى قبولاً بالنسبة لروسيا، مما يعني استمرار التصعيد، وعدم وجود خيار أمام تركيا سوى التعويل على التوازن العسكري، الذي استطاعت فرضه نسبياً خلال الأشهر الفائتة بإقامة أكثر من 25 نقطة عسكرية في إدلب، وإعادة تدريب وتسليح وتنظيم فصائل المعارضة السورية العاملة في المنطقة.
ويختم بالقول إنه و"قبل أيام كانت تركيا قد لوّحت باستخدام الخيار العسكري مجدداً ضد وحدات الحماية الكردية لعدم تنفيذ الولايات المتحدة وروسيا تعهداتهم لإخراجها من المنطقة الآمنة ومنبج وتل رفعت، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تنفيذ عملية عسكرية في الوقت الحالي، وفي أحسن الأحوال قد تلجأ تركيا للتصعيد عبر استهداف قادة التنظيم عبر الطائرات المسيرة والمدفعية وعمليات التسلل، مع استمرار التصعيد الدبلوماسي".
ماذا عن مواجهة الفصائل الجهادية؟
وفيما يتعلق بتحشيدات القوات المدافعة في جبل الزاوية رداً على تحشيدات النظام، وفي ظل تكرار الذريعة الروسية القائلة بضرورة "استهداف الجماعات الجهادية/الإرهابية" (الحزب التركستاني، هيئة تحرير الشام، جماعة حراس الدين)، يفند المحلل العسكري خالد بكار، احتمالات تحرك تركي لتحجيم الفصائل الجهادية وقطع الطريق على الروس، ليوضح بالقول إن "تركيا ستعمل من خلال قواتها الكبيرة في سوريا على ضبط الفصائل الجهادية في سوريا في هذه المرحلة، حيث ستعمد تركيا لاستخدام وسائط الدفاع الجوية قصيرة ومتوسطة المدى الموجودة حالياً في سوريا، وكذلك استخدام قواتها للرد على قوات النظام السوري في حال وجود أي محاولة لخرق الاتفاق".
اقرأ أيضاً: اتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب… روسيا تحقق مكاسبها؟
ويردف أن "الأهم من كل ذلك أن روسيا في هذه المرحلة لن تتمادى في العدوان الذي تقوم به بحجة الفصائل الجهادية، إنما ما تقوم به روسيا هو حالة من الاستعراض في سوريا خلال هذه المرحلة للدلالة على وجودهم و للرد على التحشيد لبعض الفصائل الجهادية فقط... قد يكون هناك عمل استفزازي لإحراج تركيا، و لكن لا مصلحة للروس حالياً بالاصطدام مع الأتراك في ظل الهزيمة التي منيت بها قوات حفتر و الميليشيات، الذين تم ارسالهم لدعم حفتر".
ويختم أن "تركيا التي ستضبط الفصائل الجهادية، تعمل حالياً على إنهائها من خلال تزكية الصراعات فيما بينهم لإضعافهم، و لكن لا يمكن أن ننسى بأن هذه الفصائل هي عبارة عن ورقة جوكر بيد تركيا لاستخدامهم أو المقايضة عليهم في موقف يُقدّره الأتراك".